«بعث» ليو تولستوي بعد 30 عامًا

  • 12/11/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تشارك دار الأهلية الأردنية في معرض جدة بترجمات حديثة وتتقدمها رواية لأبي الأدب في العالم، وهو الكاتب الروسي ليو تولستوي، فتختار رواية «البعث» لتعيدها في المشهد مرة أخرى بترجمة غسّان مهران 2015 وتنص في تعريف الكتاب بـ «الطبعة العربية الأولى»، وذلك بعد «الترجمة الكاملة» الصادرة من دار الأندلس اللبنانية قبل ثلاثين عاما وكان المترجم حينها علي محمد جابر؛ ليكون القارئ أمام رواية لا تقل عظمة عن أعمال كاتبها الأخرى، وبترجمتين عربيتين تتطابقان تماما.. وتأتي رواية «البعث» 1900 كآخر عمل روائي مؤسس على منهج ليو واستوائه على عرش الكتابة الخالد؛ ليناضل في سبيل الضمير بعد أن شارك في معارك عدة عندما التحق بالجيش، فيخرج بعمله الشهير «الحرب والسلام» 1865 – 1869، مرسخا رؤيته للتاريخ وقراءة تحولاته، فيما كانت رواية «آنا كارنينا» رحلة عميقة في وشائج النفس البشرية ومحفزاتها وإحباطاتها؛ ولتكون علما في تاريخ الرواية أخذت منه مناهج علمية وتثقيفية لا حصر لها. ثم تتابع أعماله من مذكرات شخصية كـ«الطفولة» و«الصبا» و«الشباب» 1852 1857، فكتاباته في الفن والمسرح. ومع رواية البعث كما لو كان يتخلص تولستوي من تراثه الكبير، فيعتمر قلنصوة المصلح والشيخ الحكيم، فيقبض على كل مغاليق العمل ويكشف طرحه ويقرر ما يريد ككاتب لا كشخصية تمثل الكاتب داخل العمل، ويظهر الرجل المحافظ الذي يسعى إلى إصلاح البشرية؛ ويؤمن بذلك الطهر الذي سيخلصهم؛ لتكون شخصية تولستوي هي المهيمنة، وكأن هذه الرواية تنذر بموقفه الأخير من المجتمع والسلطة، بل وتعبر عن فترة هامة في تاريخ هذا الكاتب وهي سنواته الأخيرة مع العزلة. تحكي الرواية عن شاب من طبقة رفيعة ومتعلم يحاول جاهدا أن يقديم تضحية، فيبدأ بمساعدة الناس، حتى التحق بالجيش ليدفعه تولستوي إلى قناعاته التي لا ترى في المجال العسكري غير الشرور، ويذهب الشاب ديمتري نيكليندوف إلى تكريس حياته في الإيمان بالآخرين متجاهلا أناه؛ إلاّ أنّ صوت الجسد يبقى دفينا بحاجاته حتى يعود يوما إلى تلك الفتاة التي كانت ترى فيه الحلم النبيل، وهو إذ يعود إلى المجتمع ليجد ذلك الصوت البعيد داخله ينادي نوازع الحيوان؛ فيسقط المعنى، وتنتهي تلك الفتاة إلى قاع الحياة، ليغادرها الحلم وحتى الأبد. وذات يوم يجد ديمتري نفسه حاكما في قضية قتل وتلك الفتاة ضمن المتهمين الذين اصطفوا أمام هيئة القضاء. لا يتوقف تولستوي عن هذه المفارقات وعن هذه الفواجع ليعلن سخطه على الجميع سلطة وقيما تحرك المجتمع. يقيم المقصلة على الشاب قبل الفتاة، فهو القاتل أولا وهي القتيلة قبلا، فما كان للأنا أن تتركه في جوعه، ولا كان للضمير أن ينزوي بعيدا، فكان في محفل المحكمة يعود إلى حقيقته المفزعة. في هذا العمل يشرح تولستوي رؤاه ويقر بوصاياه، وإن كان رمزا للواقعية فهو يلوذ بحمولة الدين في تصوراته، ويحاكم أخيرا كل أوجه السلطة ويجابه شراستها، فالفتاة ما هي إلى طوابير المظلومين وأحزانهم وعذاباتهم، فيقتص الكاتب الخالد في هذه الرواية لكل مواقفه السابقة والتي بقيت في كتبه ولم تلتقِ بفجرها البعيد حتى اليوم.

مشاركة :