مسلسل "فاتن أمل حربي" يجلب للمصريين قانونا جديدا للأسرة

  • 5/12/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

نجح مسلسل “فاتن أمل حربي” الذي عرض في موسم رمضان وأثار جدلا واسعا، في أن يجلب للمصريين قانونا جديدا للأسرة يستجيب لما طرحه هذا المسلسل من تساؤلات حول قضايا الطلاق والنفقة وسكن الزوجية والولاية التعليمية على الأبناء وحق الرؤية وغير ذلك من القضايا. وقال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في مداخلة هاتفية مع برنامج “صالة التحرير” الذي تعرضه فضائية “صدى البلد” المصرية إن إعداد قانون جديد للأحوال الشخصية أمر حتمي، لأن نسب الطلاق زادت بشكل كبير في آخر 20 عاما، داعيا لوجود عقد زواج يحل مسألة الطلاق، لأن العقد والقانون لا بد أن يكونا الحاكم والمنظم لهذه القضية، ومطالبا بأن يخرج القانون الجديد متوازنا ومتزنا قبل أن يعزف الشباب والفتيات عن الزواج. ليست المرّة الأولى التي يتسبب فيها عمل فني في تغيير قوانين الأحوال الشخصية بمصر، إذ سبق وساهم فيلم "أريد حلا" عام 1975 في تغيير القانون بالفعل وأعلن الرئيس المصري عقد اجتماع مع قضاة، من الحاليين والخارجين على المعاش، ليصدر القانون خلال فترة قصيرة، موجها حديثه إلى رئيس محكمة استئناف القاهرة “أحمّلك المسؤولية أمام الجميع لإعداد أجندة بقضاة لإعداد التشريع”. ويستنكر الكثيرون أن يظل قانون للأحوال الشخصية معمولا به منذ عشرات السنين، ونصوصه لا تزال موجودة رغم تغير الزمن، لأن الأحوال الشخصية من أخطر القضايا التي تواجه المجتمع وتؤثّر على مستقبله، ولا يمكن استمراره، على أن يكون التشريع الجديد مناسبا للجميع دون استثناء ولا يحابي طرفا على حساب آخر. وتشكل ظاهرة الطلاق هاجسا للنظام المصري ودعا رئيسه أكثر من مرة إلى ضرورة التصدي لها بتعديلات قانونية أو تدخلات دينية، لكن المؤسسات الرسمية لم تتحرك بما يكفي، إذ كان يعوّل على الأزهر في تغيير موقفه من وقوع الطلاق الشفهي، حيث يرى السيسي أن من بين الحلول ألا يتم الاعتراف بالطلاق طالما لم يتم توثيقه. وأوحت نبرة الرئيس المصري حول قانون الأحوال الشخصية أنه لن يُمانع في إقرار تشريع جديد ينص على حتمية توثيق الطلاق كشرط لوقوعه، وهو ما سبق وألمح إليه بتأكيده أنه فضّل عدم الصدام مع المؤسسة الدينية، لكن القانون يتيح له توثيق الطلاق. ويميل التفكير الحالي إلى استحداث عقد جديد للزواج يحوي شروطا محددة بين الطرفين، وهي الفكرة التي سبق وأيدتها دار الإفتاء، بحيث يتضمن جملة من الاشتراطات يوقّع عليها الشريكان ويضعان بنودها، ويحدد كلاهما حقوقه وواجباته ومطالبه وتكون دستورا يتقيد به الزوجان ومرجعية للقضاء عند الفصل في الخلافات. وتقوم فكرة عقد الزواج الجديد على أنه لا يتم تدوين شروط الرجل والمرأة في عقد الزواج الشرعي، بل تكون في عقد ملحق يدوّن فيه كل طرف ما يحتاجه، ثم يوقّعان عليه في حضور الأسرتين والمأذون، ولا يحق لأيّ منهما الإخلال أو الالتفاف على البنود مستقبلا لتكون العلاقة بينهما واضحة وكل شخص يعرف واجباته ومسؤولياته. وقالت هالة حماد استشارية العلاقات الأسرية بالقاهرة لـ”العرب” إن رسم شكل العلاقة وتحديد حقوق كل طرف وواجباته أثناء الزواج أو عند الانفصال، ضرورة لقوام أسري متماسك، لأن محاكم الأسرة لم تعد قادرة على إنجاز القضايا، وبعضها يتأخر لسنوات إلى حين الفصل فيه، بسبب ثغرات قانونية يلجأ إليها كل طرف. وأضافت أن الكثير من الشباب والفتيات لديهم فوبيا من الزواج لكثرة الصراعات الحاصلة بين الرجل والمرأة بعد الطلاق، وما يترتب على ذلك من انتكاسات أسرية يدفع الأبناء تكلفتها، وهذا في مجمله خطر على المجتمع، لأنه يوسع دائرة الشقاق المجتمعي ويخلق حالة من اليأس والإحباط تنعكس على شخصية الأجيال الصاعدة. ويرى خبراء أن تعويل الرئيس المصري على القضاة في إعداد قانون جديد يحكم العلاقات الشخصية، على رأسها مسائل الزواج والطلاق، يعكس امتعاضه من تراخي المؤسسات الرسمية في حل الأزمات الأسرية، وأبرزها الأزهر والبرلمان والحكومة، حيث تخشى كل جهة أن تبادر بخطوة تُحسب عليها أو تدفعها إلى الصدام مع الشارع. وتتعامل الحكومة والبرلمان مع قانون الأحوال الشخصية باعتباره قنبلة موقوتة، لأنه يمس حياة أطراف وشرائح عديدة، وينظم العلاقات العائلية مثل الخطبة والزواج والطلاق، واحتكار المؤسسة الدينية مهمة الفصل في هذه المسائل كان ولا يزال عائقا أمام الوصول إلى قانون عصري يفرمل هيمنة رجال الفتوى على عقول الناس. تعويل السيسي على القضاة في إعداد قانون جديد، يعكس امتعاضه من تراخي الجهات الرسمية في حل الأزمات الأسرية وأكد محمد أبوحامد البرلماني السابق والباحث في شؤون الأديان أنه لا بديل عن الوصول إلى قانون متطور يحكم العلاقات الأسرية، لا أن تظل رهينة رؤى دينية ضيقة، والتعويل على القضاة المستقلين لإعداد التشريع بداية لعلاقات أسرية متزنة. وأوضح لـ”العرب” أن إشكالية الأزهر أنه يتعامل مع الأحوال الشخصية باعتبار أن القانون من سلطاته الدينية، لكن أصبحت هناك مسائل أسرية تتجاوز فكرة التدين، وتحتاج إلى حلول عقلانية تتطلب انفتاحا وواقعية تلامس المبادئ المدنية، وهذا يتطلب تدخلا حكوميا وإرادة سياسية قوية تستهدف تحقيق المصلحة العامة. ولا تزال أكبر أزمة لقانون الأحوال الشخصية المطبّق حاليا تكمن في أنه السبب الأول لتدخل الفقهاء ورجال الفتوى في القضايا الأسرية، وأصبح اللجوء إليهم لحسم ملفات خلافية محل نزاع عائلي جزءا من تطبيق القانون، وهذا ما ظهر من خلال مسلسل “فاتن أمل حربي” الذي سلط الضوء على آراء الفقهاء في نصوص القانون. وتمثل خطوة الاستعانة بالقضاء رسالة بأن الدولة استقرت على حتمية إعداد قانون مدني يحكم العلاقة الأسرية بعيدا عن أسلمة نصوصه، ويكون متوازنا غير منحاز إلى الرجل أو المرأة، فقضاة المحاكم الأسرية هم الأكثر دراية بدهاليز العلاقات المتشابكة بين الأزواج وخباياها ولديهم الحلول الواقعية لها. ويبدو أن التحرك الرئاسي نحو نسف قانون الأحوال الشخصية الحالي كان يتطلب حراكا واسعا ليمنح الفرصة لصانع القرار ليتدخل مدفوعا بمظلة جماهيرية ترى ضرورة إعادة النظر في التشريع القائم، وهو ما نجح فيه مسلسل “فاتن أمل حربي”، حيث ترك العمل الدرامي صدمة حول طبيعة الخلافات الأسرية. وهذه ليست المرّة الأولى التي يتسبب فيها عمل فني في تغيير قوانين الأحوال الشخصية بمصر، إذ سبق وناقش فيلم “أريد حلا” الذي لعبت بطولته الراحلة فاتن حمامة عام 1975 أزمات أسرية معقدة وأسهم في تغيير القانون بالفعل وأصبح يسمح للزوجة بالحصول على الطلاق بعد تنازلها عن جميع حقوقها المادية. وساهم فيلم “الشقة من حق الزوجة” الذي قام ببطولته الفنان الراحل محمود عبدالعزيز، والراحلة معالي زايد عام 1985، في إضافة بند جديد لعقد الزواج يحدّد من له الحق في الإقامة بمنزل الزوجية بعد الطلاق، الرجل أم المرأة، حيث أثار الفيلم آنذاك جدلا واسعا حول نقطة مهمة مرتبطة بأحقية الإقامة في منزل الزوجية.

مشاركة :