الأزمة مع مالي تدفع فرنسا إلى تغيير استراتيجيتها في الساحل الأفريقي

  • 5/12/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

صار الوجود الفرنسي في منطقة الساحل الأفريقي مهددا أكثر بالتراجع وبخسارة باريس لجزء كبير من نفوذها في القارة السمراء بعد أن قرر المجلس العسكري الحاكم في مالي إلغاء الاتفاقيات الدفاعية مع فرنسا وشركائه الأوروبيين. ويشدّد محللون فرنسيون على أن قرار باماكو المفاجئ سيدفع فرنسا مرغمة إلى خلط أوراقها ومراجعة استراتيجيتها العسكرية في الساحل الأفريقي رغم أن الأزمة مع باماكو عززت الحضور الفرنسي في دول أفريقية أخرى. وفي تطور جديد يجسد تدهور العلاقات، أعلن المتحدث باسم الحكومة المالية عبد الله مايغا، في الثاني من مايو الجاري، إلغاء الاتفاقيات التي تحدّد إطارا قانونيا لوجود قوتي برخان الفرنسية وتاكوبا الأوروبية، وكذلك اتفاقية التعاون الدفاعي التي أبرمتها باماكو مع فرنسا في 2014. إيمانويل ديبوي: على فرنسا تعديل استراتيجياتها الخاطئة في أفريقيا وحسب مايغا، أبلغت سلطات مالي نظيرتها الفرنسية، بأن إلغاء اتفاق التعاون الدفاعي 2014، سيدخل حيز التنفيذ بعد 6 أشهر من هذا الإخطار بمعنى سريانه مطلع نوفمبر المقبل. لكن المتحدث المالي أشار إلى أن قرار بلاده بشأن اتفاق وضع القوات الموقع في مارس 2013 الذي يشكل إطارا لوجود القوة الفرنسية سيرفال ثم برخان في مالي، إضافة إلى البروتوكول الإضافي الموقع في مارس 2020 الخاص بوحدات تاكوبا الأوروبية سيدخل حيز التنفيذ “بأثر فوري”. وبرر مايغا القرار بالإشارة إلى “انتهاكات متعددة” للمجال الجوي من قبل الطائرات الفرنسية، على الرغم من إنشاء منطقة حظر طيران واسعة فوق الإقليم، منتقدا ما وصفها بـ”الانتهاكات الصارخة” للسيادة الوطنية من القوات الفرنسية. ونشر الجيش الفرنسي عبر وسائل إعلام غربية، في أبريل الماضي، صورا التقطتها طائرة مسيرة، قال إنها لمرتزقة روس يدفنون جثثا قرب قاعدة عسكرية في بلدة غوسي (شمال)، بهدف اتهام الفرنسيين بترك مقبرة جماعية وراءهم، وهو ما اعتبره المجلس العسكري بمالي “اختراقا فرنسيا لسيادة بلاده، والتجسس على أراضيها دون إذن”. ومن الأسباب التي أدت إلى إلغاء الاتفاقيات، حسب مايغا، “الموقف الأحادي” لفرنسا خلال تعليق العمليات المشتركة بين القوات الفرنسية والمالية في يونيو 2021، وإعلانها في فبراير الماضي عن انسحاب قوتي برخان وتاكوبا، دون تشاور مع مالي. وتعليقا على قرار السلطات المالية، اعتبرت فرنسا في بيان على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية، أن هذا القرار “غير مبرر ويطعن رسميًا في أيّ انتهاك للإطار القانوني الثنائي”. واستبعدت باريس أيّ تداعيات على جدول الانسحاب الحساس والمستمر لقوة برخان، وذلك “وفقا للالتزامات التي تم التعهد بها فيما يتعلق بشركائها ومع الحرص على التنسيق والحوار القائم على الاحترام مع القوات المالية المسلحة”. ◙ قرار باماكو المفاجئ سيدفع فرنسا مرغمة إلى خلط أوراقها ومراجعة استراتيجيتها العسكرية في الساحل الأفريقي ومنذ 2013، توجد فرنسا في الساحل، عبر قوة سيرفال، التي تحولت في العام التالي إلى قوة برخان، بتعداد قوامه حوالي 5100 جندي، وتنفذ معظم عملياتها في مالي. لكن فرنسا قررت في يونيو 2021 إنهاء عملية برخان، وتقليص عدد قواتها من 5100 عسكري إلى ما بين 2500 و3000 عنصر، بالإضافة إلى الانسحاب تماما من مدن تيساليت وكيدال وتومبوكتو (أقصى شمال مالي)، داعية حينها إلى “تشكيل تحالف دولي في الساحل يضم دول المنطقة”. وآنذاك اعتبرت باماكو هذا القرار “تخليا عنها” و”إعلانا أحادي الجانب” ودون تنسيق ثلاثي مع الأمم المتحدة والحكومة المالية. وإلى جانب برخان، تنتشر في شمال شرق مالي فرقة عمل عسكرية أوروبية تسمى تاكوبا التي لا يتجاوز تعداد قواتها 800 عنصر، نصفهم فرنسيون. وتضم مجموعة الساحل الأفريقي موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو، وتنشط في دولها العديد من التنظيمات المتطرفة، ومن بينها فرع القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وفيما يتعلّق بنتائج الأزمة الجديدة على الوجود العسكري الفرنسي، يرى مدير معهد الاستشراق الأوروبي في فرنسا إيمانويل ديبوي أن إعلان مالي الجديد لن يؤثر على الجدول الزمني لعملية انسحاب قوات برخان. وقال إن “القوات العسكرية الفرنسية قررت عدم الانقياد لأوامر المجلس العسكري المالي وبالتالي لن تسرّع عملية الانسحاب”. وأضاف “في جميع الأحوال، لقد استهلكت الاتفاقيات الدفاعية بين باماكو وباريس والدليل هو قرار فرنسا الخروج من هذا البلد الأفريقي قبل هذا التوتر الجديد خصوصا بعد صدور العقوبات ضد المجلس العسكري المالي”. وأشار إلى أن “الجنرال المكلف بعملية برخان أكد أنه لن ينسحب بشكل عشوائي ويخاطر بحياة 2500 عسكري فرنسي لا يزالون موجودين في بعض القواعد العسكرية في مالي ولن يخرجوا منها بشكل نهائي إلا بحلول الخريف المقبل بسبب عقبات لوجستية وعملية”. عبد الله مايغا: إلغاء اتفاق التعاون الدفاعي 2014 سيدخل حيز التنفيذ بعد 6 أشهر من هذا الإخطار وأردف “بعد مغادرة القوات الفرنسية للقواعد الأمامية في تيساليت وتومبكتو وغوسي تدريجيًا، لا يزال يتعين على الجنود الفرنسيين مغادرة قواعد ميناكا وغاو (شمال)”. ويعتبر المحلل السياسي أن “الأزمة مع مالي عززت الحضور العسكري الفرنسي في بعض الدول الأفريقية”. ويستند في ذلك إلى “تصويت مجلس النواب في النيجر قبل أسبوعين على السماح بنشر المزيد من القوات الفرنسية لمحاربة الجماعات الإرهابية والسماح بدخول 900 عسكري فرنسي إلى ترابها قادمين من مالي”. لكنه في المقابل، لا ينفي وجود “واقع مقلق” يتعلق ببعض الدول الأفريقية التي سبق وأن وقّعت اتفاقيات دفاعية مع فرنسا كالكاميرون ونيجيريا ومالي وموريتانيا وفي نفس الوقت تتطلع أو وقّعت فعليا نفس الاتفاقيات مع روسيا. ويشير ديبوي على سبيل المثال إلى الكاميرون، التي قال إنها وقّعت قبل حوالي ثلاثة أسابيع اتفاقية تعاون دفاعية مع موسكو. وتأتي التطورات الراهنة والتوتر المتصاعد بين باماكو وباريس، في ظل دخول موسكو على خط المنافسة في منطقة الساحل لاسيما في مالي وأفريقيا الوسطى حيث أصبحت شركة فاغنر المسلحة الروسية تنشط بقوة فيها. وبهذا الصدد، أكد ديبوي أنه “أصبح من الضروري أن تغير فرنسا استراتيجيتها في منطقة الساحل”. ووفقا للمحلل الفرنسي “قد يكمن الخطأ الذي ارتكبته فرنسا في أفريقيا في كثرة الاستراتيجيات التي طبقتها لذا يجب تحسينها”. ويضيف إيمانويل ديبوي “لقد تشعبت التدخلات لحل أزمة مالي ومنطقة الساحل، فقد تم إشراك منظمات دولية وحكومية مع إنزال 18 خطة عمل لمحاربة المسلحين وضمان الاستقرار السياسي في الساحل سواء من جانب الاتحاد الأفريقي أو المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا أو الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة”.

مشاركة :