ربما يكون أكبر المخاطر المالية في 2016 هو استمرار انخفاض أسعار النفط الذي ظل ماثلا أمام الجميع طوال العام. وفقدت القيمة السوقية لأسهم شركات النفط في مختلف أنحاء العالم أكثر من تريليون دولار، فيما يواجه نحو تريليوني دولار من السندات والديون التي سوقتها شركات الطاقة والتعدين منذ عام 2010 موجة من تخفيض التصنيفات الائتمانية وسط تزايد حالات التخلف عن السداد، وكثير من هذه الديون سندات خردة مرتفعة العائد والمخاطر أصدرتها شركات صغيرة تعمل في مجال الغاز الصخري. كذلك فإن ديونا حكومية أوروبية قيمتها نحو ترليوني يورو يقل عائدها الآن عن صفر في المائة، بعد أن دفعت نوبات الهلع من انكماش أسعار الخام البنك المركزي الأوروبي الذي يستهدف التضخم إلى بدء موجة من شراء السندات في وقت سابق من العام الجاري. وقد كان أثر انخفاض آخر لفترة طويلة في أسعار النفط على توقعات التضخم مزعجا بالقدر نفسه للبنوك المركزية المقبلة على رفع أسعار الفائدة مثل مجلس الاحتياطي الاتحادي مثلما هو مزعج للبنوك التي ما زالت تعمل على خفض الفائدة مثل البنك المركزي الأوروبي. وتضررت الدول المصدرة للسلع الأولية من روسيا إلى البرازيل وجنوب شرق آسيا بشكل كبير، فقد انهارت عملاتها ومن المنتظر أن يمثل عام 2015 أول عام تسجل فيه تدفقات رأسمالية خاصة صافية للخارج من الأسواق الناشئة منذ عام 1988. وفي ضوء حجم الانخفاض في أسعار النفط من الصعب تفهم سبب التحولات التي شهدتها الأسواق، ومنذ حزيران (يونيو) عام 2014 انخفض سعر مزيج برنت 65 في المائة من 115 دولارا للبرميل إلى 40 دولارا. وحدث جانب كبير من هذا التراجع في الأشهر الستة الأخيرة من العام الماضي لكن أي آمال في التحسن خلال العام الجاري قد تتبخر مع وفرة كبيرة في المعروض وتباطؤ حاد في الطلب في الصين والقوى الاقتصادية الناشئة. ويمثل شبح التعايش مع أسعار النفط عند مستوياتها الحالية وألا ترتد إلى مستوى 60 دولارا للبرميل على الأقل تحديا رئيسيا لكثير من الشركات والاقتصادات المكشوفة بفعل عوامل ليس أقلها أنها تتأهب لرفع أسعار الفائدة الأمريكية الأسبوع المقبل. لكن لا أحد تقريبا يدرج في قوائم المخاطر إمكانية انخفاض أسعار النفط مرة أخرى بمقدار النصف رغم كثرة المخاطر التي حددتها البنوك للعام المقبل وتراوح من الصراعات في الشرق الأوسط إلى العوامل الجيوسياسية و"أخطاء" سياسات البنوك المركزية وصدمات السيولة في الأسواق أو حتى التصويت في بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي. وهبط مزيج برنت إلى مستويات جديدة دون مستوى 40 دولارا للبرميل هذا الأسبوع في حين هبط الخام الأمريكي دون 37 دولارا، بل إن المتوسط السنوي المتغير بلغ أقل من 55 دولارا وقد انخفض إلى النصف في أقل من 18 شهرا ويواصل انخفاضه. ويقدر بنك "جولدمان ساكس" الذي يتوقع هبوط أسعار النفط في الأجل الطويل أن أي تفكير في انتعاش أسعار النفط أو حتى استقرارها في 2016 يجانبه الصواب وأن الخام الأمريكي قد يفقد ما يقرب من 50 في المائة من سعره ليصل إلى 20 دولارا للبرميل. وقال البنك لعملائه هذا الأسبوع "إن ثمة خطرا أن يتسبب اعتدال الطقس في الشتاء أو تباطؤ النمو في الأسواق الناشئة واحتمال رفع العقوبات الدولية على ايران في زيادة أخرى في المخزونات". وأضاف "جولدمان ساكس" أن "هذه العوامل تشير ضمنا إلى أن المخاطر في الأجل القريب على التوقعات تميل إلى جانب الهبوط، وإذا تجاوزت أسعار النفط القدرة التخزينية واللوجستية فهم يعتقدون أن أسعار النفط قد تتراجع إلى مستوى تكلفة الإنتاج عند 20 دولارا للبرميل". ويتضخم الضغط على السوق بطرق مختلفة ليس أقلها ما يحدث من استنزاف في الأسواق العالمية من انخفاض احتياطيات البنوك المركزية والمدخرات من الدولارات. وخلاصة هذه المدخرات واقترانها بزيادة الاحتياطي الاتحادي لأسعار الفائدة يمكن أن تفرض ضغوطا صعودية على أسعار الفائدة في الأجل الطويل بمرور الوقت في حين يقترن تحول اتجاه الدورة الكبرى للسلع الأولية بنظيره في سوق السندات. وقد بدأ بالفعل نضوب الاستثمارات الجديدة في أسواق الأسهم والسندات والعقارات العالمية من صناديق الثروة السيادية التي تغذيها أموال النفط وسط تقارير عن قيام مؤسسات حكومية بسحب مليارات الدولارات من مديري الأصول الخاصة. وقال "جولدمان ساكس" لعملائه "إنه إذا استمر النمو الاقتصادي العالمي كما نتوقع فإن الطلب الاستثماري المتزايد سيؤدي في نهاية الأمر إلى انكشاف عواقب تراجع التدفقات الادخارية من الدولارات البترولية على الأسواق". وقد يكون لاقتران انخفاض أسعار النفط لفترة أطول بارتفاع أسعار الفائدة أثر سيئ في ائتمان الشركات والأسواق الناشئة، وتوقعت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية ارتفاعا في حالات التخلف عن سداد السندات في قطاع النفط والتعدين العام المقبل، وكذلك ظروفا سلبية مذهلة لهذه الشركات، وقالت "إن الأمور الوحيدة التي أرجأت حدوث ذلك في 2015 كانت أدوات وقاية مؤقتة في برامج التحوط والتعاقدات ثابتة الأسعار وموازين السيولة الحالية". لكن هذا كله قد يتغير في العام المقبل إذا لم تنتعش أسعار النفط أو حتى تواصل انخفاضها، وأشار دانييل جيتس العضو المنتدب لـ "موديز" في الأسبوع الماضي إلى أن تناقص السيولة والقيود المفروضة على أسواق المال بدأت الآن تدفع مزيدا من الشركات إلى حافة التخلف عن السداد. والرسالة واضحة لمن يتحرقون شوقا للعودة إلى الأسهم والسندات في الأسواق الناشئة التي تعرضت لضغوط شديدة، إذ قال بنك مورجان ستانلي لزبائنه هذا الأسبوع "إن المستثمرين يجب أن يظلوا على حذرهم في عام 2016".
مشاركة :