قمة باريس مهمة رغم عدم التفاتنا لها، وما سيخرج عنها من اتفاق بعد أن تراجعت الدول الداعية لاتفاقية ملزمة عن مطلبها، سيكون له الأثر الكبير، ليس على المناخ فحسب في البلدان العربية، لم يلتفت كثيرون لقمة الاحتباس الحراري التي افتتحت أعمالها يوم 30 نوفمبر الماضي وتنتهي اليوم بمقترح مسودة اتفاق تمكنت باريس من جمع قرابة 75 دولة موافقة عليها من أصل نحو 150 دولة شارك قادتها في هذا الحدث الذي يعتبر على المستوى العالمي استثنائيا باعتبار أن القمة هي الأكبر في تاريخ الأمم المتحدة، وحضرها كبار زعماء العالم منهم الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء البريطاني وغيرهم من قادة الدول الصناعية الكبرى وزعماء العالم الثالث. سبب الإهمال هو في أن الوطن العربي لديه من الهموم كثير، قبل أن يتحدث عن احتباس حراري سببته الدول الصناعية الكبرى بسبب تعسفها في استخدام الطاقة لتلبية شبقها في تصدير السلع والبضائع وفي مقدمتها السلاح والعتاد العسكري، حيث تعتبر ألمانيا أكثر دولة مستهلكة للفحم، الأمر الذي حدا بمنظمة أوكسفام البريطانية إلى تحذير الدول الصناعية السبع من الاستمرار في هذه السياسة المدمرة للبيئة الكونية وطالبتها بوضع استراتيجية واضحة لإنهاء اعتمادها على الفحم كمولد للطاقة. قمة باريس مهمة رغم عدم التفاتنا لها، وما سيخرج عنها من اتفاق بعد أن تراجعت الدول الداعية لاتفاقية ملزمة عن مطلبها، سيكون له الأثر الكبير، ليس فحسب على المناخ الذي لا نشعر نحن في الشرق بتغيراته الكارثية نظرا لوجود كوارث أكبر تعصف بنا في مختلف مناطق الوطن العربي الكبير، بل إن النتائج من ارتفاع درجة حرارة الأرض بمعدل درجتين خلال العقدين المقبلين من شأنه أن يولد كوارث إضافية وجديدة، وستدخل القارة الإفريقية خصوصا جنوب الصحراء في حقبة جديدة من الفقر والمرض والموت. فوفق رئيس البنك الدولي جيم يونج كيم، فإن إفريقيا التي تعتبر الأقل مساهمة في انبعاث الغازات الدفيئة معرضة أكثر من غيرها للنتائج الكارثية من ظاهرة الاحتباس الحراري، وهناك 690 مليون طفل معرضون لخطر أمراض الملاريا والالتهاب الرئوي والإسهال وسوء التغذية وارتفاع المواد الغذائية. كما حذر البنك الدولي من زيادة عدد الذين سيقعون في فخ الفقر المدقع ( دخلهم لا يتجاوز 1.9 دولار يوميا) بمعدل 100 مليون شخص ونحو 50 مليونا في جنوب الهند إضافة للملايين الموجودة بحلول عام 2030 ما لم تتضافر الجهود للحد من هذه الظاهرة والولوج في التنمية الذكية المعتمدة على الطاقة النظيفة والمتجددة على وجه الخصوص. وربما هذا ما فرض على البنك الدولي الإعلان عن خطته القاضية بتقديم 16.1 مليار دولار لمساعدة الدول الإفريقية للتصدي للتغير المناخي وتداعياته حتى العام 2020. وللتذكير السريع، فإن منطقة الخليج لم تعد بمأمن عن الأعاصير والتغيرات المناخية، وفق تحذيرات العلماء الذين ذكروا بما جرى في بحر العرب قرابة الشواطئ العمانية، وأن تغيرات حركة الأمواج في مياه الخليج يمكن أن تشهد ارتفاعا من شأنه أن يتسبب في فيضانات في بعض المناطق. الخلافات بين الكبار في أزمة المناخ أخذت أبعادا جديدة. فلا تزال الخلافات قائمة وفي مقدمتها الخلاف على تقاسم الكلف الاقتصادية للدخول في استراتيجيات قادرة على لجم ارتفاع درجة حرارة الأرض. ويبدو أن التوجه هو تحميل دول العالم الثالث كلفا كبرى بعد أن خربت الصناعة الغربية كثيرا في البيئة والمناخ. ربما يفسر هذا إعلان البنك الدولي مساعدة إفريقيا الأكثر تضررا من العبث بالبيئة، وربما تكون الأجواء سانحة أكثر لنمو أحزاب الخضر في أوروبا والعالم، حيث تقدم نماذج جديدة في العمل السياسي المرتبط بالحفاظ على البيئة. هذه البيئة التي لاتزال تعاني من انبعاث ثاني أكسيد الكربون بحجم يصل إلى 36 مليار طن تنتج عن مصادر الطاقة الإحفورية والمنشآت الصناعية. وفي الوقت الذي تضع الدول الصناعية ضريبة الكربون على المنتجات النفطية والبتروكيماوية القادمة من الدول النفطية خصوصا منطقة الخليج، فإن هذه الدول تقدم الدعم المستمر لصناعة الفحم الذي ينتج غاز ثاني أكسيد الكربون أكثر من النفط. وهنا تكمن الازدواجية التي تتعاطى معها الدول الصناعية الكبرى المقررة في قمة باريس. إن التغير المناخي «يفرض على العالم تهديدا يوازي ذاك الناجم عن السلاح النووي»، حسب تعبير 70 عالما ممن حصلوا على جائزة نوبل في مجالات الطب والكيمياء والفيزياء في رسالة وجهوها للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند. بمعنى أن مواجهة الإرهاب الذي تحتشد له دول العالم في العراق وسوريا وليبيا وغيرها من البلدان المضطربة أمنيا، ليس أهم من مواجهة الاحتباس الحراري الذي ستكون نتائجه وخيمة على الجميع. فقد جاءت قمة باريس بعد أسبوعين من الجرائم الإرهابية التي طالت العاصمة الفرنسية في 13 نوفمبر الماضي وحصدت العشرات واستنفر العالم لها، وفرضت زيارة قادة العالم مسرح باتكلان الذي وقعت فيه المجزرة ووضعوا باقات الزهور تكريما للضحايا، كما فرضت على السلطات الفرنسية نشر 2800 شرطي وجندي في ساحة لوبورجيه التي كانت مسرحا للمجزرة.
مشاركة :