منذ تأسيسه قبل خمسة وثلاثين عامًا ومجلس التعاون الخليجي تلازمه إيجابية وسلبية لم تفارقاه حتى اليوم؛ الإيجابي أن المجلس يسير إلى الأمام ولم يتراجع حتى في أشد الأزمات التي تعصف به. أما السلبي، فإن مسيرته بطيئة للغاية ومشاريعه تمضي بسرعة السلحفاة للدرجة التي ينسى معها الخليجيون، أحيانًا، أن مجلسهم لا يزال قائمًا. إلا أن فقرة تضمنها «إعلان الرياض»، أمس، قد تزيد من سرعة وتيرة الإنجاز وتغير في الهيكلية التي قام عليها المجلس، فقد تضمنت رؤية العاهل السعودي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، التي وافق عليها القادة، «إمكانية الاتفاق بين عدد من الدول الأعضاء على أي إجراءات تكاملية تراها في إطار المجلس على أن تتبعها بقية الدول متى ما كان الوقت مناسبًا لها»، هذا التغيير الجوهري في آلية عمل المجلس سيكون فعلاً نقلة حقيقية للمشاريع الرائعة التي تقرها القمم الخليجية غير أن شيطان التفاصيل يجمدها طويلاً، بل إن بعض الدول لسبب أو لآخر تكون غير مقتنعة بالمشروع بأكمله، ومع ذلك توافق عليه شكلاً، لكنها تتوقف في مضامينه طويلاً. ومع هذا التحول الجديد، فإنه يمكن لدولتين أو ثلاث أن تسير في المشاريع التي تراها مناسبة ضمن إطار مجلس التعاون، وليس شرطًا على بقية الدول الانضمام إليها ما دامت غير مقتنعة أو أرادت التأني. وبالطبع هو أمر مشروع وحق مفهوم لكل دولة لها رؤيتها وسياستها التي تحترم من قِبل باقي شركائها. الرؤية السعودية تهدف إلى تلافي سلبية حاضرة في هيكلية المجلس منذ تأسيسه، مما يفضي إلى تسريع وتيرة التعاون وخطوات الترابط الأمني والعسكري المؤدي إلى استكمال منظومتي الأمن والدفاع؛ هاتين المنظومتين اللتين تعرضتا مرات كثيرة للاختراق من قبل خصوم المجلس، وما أكثرهم وما أقربهم، والسبب كان واضحًا في ضعف التنسيق ووضع العصا في العجلة، أما مع الوضع الجديد فلا يمكن إجبار إحدى دول المجلس، مثلاً، على الانضمام لمشروع الاتحاد الخليجي أو الاتفاقية الأمنية، ولكن عدم موافقة هذه الدولة أو تلك لا يعني إيقاف المشروع برمته، وإنما تفعّل الاتفاقية بين الدول التي أقرتها، بينما يمكن للدولة التي لديها تحفظات الانضمام متى أرادت ذلك، وهو ما يصحح وضعًا غير عملي تقتضيه المادة التاسعة من النظام الأساسي للمجلس التي تنص على أن تصدر قرارات المجلس الأعلى «في المسائل الموضوعية بإجماع الدول الأعضاء الحاضرة المشتركة في التصويت، وتصدر قراراته في المسائل الإجرائية بالأغلبية». في كل عام يلتقي فيه قادة الخليج نسمع عبارة كثيرًا ما تتردد: «القمة تعقد في ظروف بالغة الحساسية والدقة»، الحقيقة أن هذه العبارة وعلى الرغم من أنها أصبحت محفوظة عن ظهر قلب، فإنها، للأسف، صحيحة مائة في المائة؛ فالتحديات التي تحيط بالمنظومة الخليجية تزداد عامًا تلو الآخر، والمخاطر التي تعصف بالمنطقة من سيئ إلى أسوأ، وهو ما عبر عنه الملك سلمان بقوله إن «منطقتنا تمر بظروف وتحديات وأطماع بالغة التعقيد، تستدعي منا التكاتف والعمل معًا للاستمرار في تحصين دولنا من الأخطار الخارجية، ومد يد العون لأشقائنا لاستعادة أمنهم واستقرارهم»، فالمجلس الخليجي لم يعد منظومة هدفها التكامل السياسي والأمني والاقتصادي الموجه للداخل فحسب، بل أثبت المجلس قدرته أيضًا على المساهمة في استقرار دول المنطقة التي تعاني من حرائق هائلة والمجلس قادر على إطفائها. «عاصفة الحزم» انطلقت من 5 دول خليجية بقيادة سعودية لحل مشكلة يمنية، وها هي «العاصفة» تقترب من نهايتها بعد أن حققت أهدافها وبلغت مرادها، إلا أن ما يجب ألا ينتهي هو «العاصفة الخليجية» القادرة على المساعدة في إطفاء حرائق المنطقة قبل أن تمتد إلى أطرافها. هل شرط أن يكون الإطفائي الخليجي عسكريًا كل مرة؟ بالتأكيد ليس ذلك المطلوب، فالتوافق في القضايا الخارجية سياسيًا سيكون له أيضًا التأثير الأقوى لدول المجلس بصفتها منظومة متحدة وليست متباينة السياسات والغايات.
مشاركة :