كان اللبنانيون على موعد الجمعة مع يوم أخير من حملات الدعاية المكثّفة، قبل إعلان “الصمت الانتخابي”، وهو يوم لم يفوّته المرشحون، ومن خلفهم الأحزاب والقوى السياسية الداعمة لهم، إذ استغلوا كل دقيقة فيه قبل الانتخابات النيابية المقررة يوم الخامس عشر من مايو الحالي. وكثفت القوى السياسية المشاركة في الانتخابات النيابية بلبنان من حملاتها الدعائية على كافة وسائل الإعلام اللبنانية وعلى منصات التواصل الاجتماعي وفي الشوارع قبل ساعات من بدء فترة الصمت الانتخابي الذي من يمتد منتصف ليل الجمعة - السبت وحتى إغلاق صناديق الاقتراع. ووجه أغلب الزعماء السياسيين خطابات تحث الناخبين على المشاركة بكثافة في الانتخابات واختيار القوائم الخاصة بكل حزب، فيما تبادل أغلب القادة المتنافسين الاتهامات بالمسؤولية عما آلت إليه الأوضاع في البلاد من أزمات مالية واقتصادية واجتماعية ومعيشية حادة نتج عنها وجود أكثر من 74 في المئة من اللبنانيين تحت خط الفقر، فيما تعاني البلاد من أزمة صنفها البنك الدولي ضمن أسوأ 3 أزمات في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر. وسائل الإعلام اللبنانية معروفة باعتمادها على المال السياسي وتبعيتها للأحزاب والأفرقاء السياسيين المختلفين وخصصت القنوات التلفزيونية اللبنانية جميع برامجها للترويج للبرامج الانتخابية للقوائم المتنافسة، وفقا لسياسة وتوجهات كل قناة، حيث ركزت القنوات المملوكة والتابعة لأحزاب وتيارات سياسية على عرض برامج قوائم أحزابها والهجوم على الخصوم من السياسيين البارزين في معارك كلامية عنيفة بشكل مكثف قبل ساعات من الانتخابات النيابية المقررة في مختلف أنحاء لبنان والتي يحق فيها لـ3 ملايين و967 ألفا و507 مواطنين التصويت فيها. ويبلغ عدد الناخبين الذكور مليونا و945 ألفا و120 ناخبا فيما يبلغ عدد الناخبات الإناث مليونين و22 ألفا و387 ناخبة. وقالت مصادر إعلامية إن تكلفة الدقيقة على الهواء وصلت إلى حدود خمسة آلاف دولار على بعض الفضائيات، فيما أكدت أن فضائيات تعرف بنسب مشاهدات مرتفعة فرضت تكاليف خيالية وصلت إلى حدود 240 ألف دولار للحلول ضيف برنامج حواري، أما الحزمة الدعائية الكاملة فقد تصل إلى 1.5 مليون دولار. وهي أسعار لم تختلف عن أسعار الانتخابات الماضية عام 2018 رغم الانهيار الاقتصادي الحالي الذي يعرفه لبنان. وتحرم هذه الأسعار المرشحين المستقلين وغير المقتدرين ماديا من ظهور إعلامي عادل مقارنة مع مرشحي الأحزاب الكبرى والزعماء الأثرياء ورجال الأعمال والمتمولين الذين ينفقون الملايين من الدولارات على حملاتهم الانتخابية. وقالت مؤسسة مهارات، وهي منظمة تعنى بقضايا الإعلام وترصد الانتخابات “قبل شهر ونصف الشهر، كانت دقيقة الظهور في البرامج الصباحية للمرشح تساوي ألف دولار”. واليوم ترتفع الأسعار صاروخيا مع اقتراب موعد الانتخابات. ووصلت التقديرات بالمبالغ المالية التي دفعها المرشحون لقاء الظهور الإعلامي في الشاشات اللبنانية مارس الماضي إلى حدود الـ7.5 مليون دولار، بمعدل ألف دولار للدقيقة الواحدة، بالنظر إلى أن المرشحين ظهروا لمدة 7500 ساعة خلال الشهر الماضي. وحصلت “مهارات” على لائحة طويلة بالأسعار من أشخاص يعملون في الحملات الانتخابية للمرشحين الذين تلقوا عروضات من وسائل الإعلام. وقالت مؤسسة “مهارات” في أحدث تقرير نشرته إنها استندت إلى المبالغ المالية التي دُفعت في العام 2018، وكان ثمن الدقيقة الواحدة ألف دولار، وعليه يكون الإنفاق على الشاشات في شهر مارس الماضي قد بلغ 7 ملايين و500 ألف دولار. حملة دعاية مكثّفة حملة دعاية مكثّفة ولطالما شكلت الانتخابات مصدر تمويل رئيسي لوسائل الإعلام اللبنانية المعروفة باعتمادها على المال السياسي وتبعيتها للأحزاب والأفرقاء السياسيين المختلفين. ويعيش الإعلام اللبناني منذ سنوات أزمة ويعاني من تراجع في الدخل جراء انخفاض المال السياسي وغياب الدعم المالي الخليجي الذي كان يغذي وسائل الإعلام، ويشمل هذا التراجع كل المؤسسات الإعلامية العاملة في لبنان. ويتزامن تراجع المال السياسي مع تراجع في الإعلانات بالمنطقة ككل لأسباب اقتصادية وسياسية، وبالتالي انخفضت حصة لبنان من عوائد الإعلانات. وقال تقرير مؤسسة مهارات إنه برغم انقسام وسائل الإعلام بين الأفرقاء السياسيين، تبقى بعض القنوات منفتحة على غالبية التيارات السياسية، ما يرفع كلفة الظهور عبر شاشاتها. وقدمت وسائل الإعلام اللبنانية لهيئة الإشراف على الانتخابات المكلفة بمراقبة الإعلان الانتخابي وإنفاق المرشحين، لوائح أسعار لما يعرف بـ”الإعلان الانتخابي”، لكن يبدو أنها لم تلتزم بها. وتحجم وسائل الإعلام عن إرسال عروض مكتوبة إلى المرشحين خشية ملاحقتها من الهيئة. وغالبا ما “يتم تداول الأرقام شفهيا” ويدفع المرشحون للانتخابات نقدا أو ما يطلق عليه اللبنانيون تسمية “فريش دولار”. و”الفريش دولار” هو عملة الدولار التي تم تحويلها إلى لبنان مؤخرا من الخارج، لأنها لا تخضع للقيود المفروضة من السلطات المالية منذ بدء الأزمة المالية. أغلب الزعماء السياسيين وجهوا خطابات تحث الناخبين على المشاركة بكثافة في الانتخابات واختيار القوائم الخاصة بكل حزب ووفقا للقانون، فإن تلفزيون لبنان الرسمي وحده المخول استضافة مرشحين من دون مقابل، وهو ما يعطي مساحة للائحة طويلة من المرشحين الذين لا يجدون سبيلا للوصول إلى وسائل الإعلام الخاصة. لكن تلفزيون لبنان لا يمنحهم جمهورا واسعا، إذ أنه نت بين الشاشات الأقل جذبا للمشاهدين. وتحول المبالغ الكبرى التي تطلبها وسائل الإعلام دون ظهور هؤلاء على وسائل الإعلام التقليدية، ما يجعلهم يركزون على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تشهد بدورها إنفاقا كبيرا، لعرض برامجهم الانتخابية. وتخطّت الحملات الانتخابية سقف الإنفاق المحدد، الذي يهدف للحد من سلطة المال في الانتخابات، بمراحل. وكان مجلس النواب وبعد انهيار العملة عدّل سقف الإنفاق، بحيث رفعه من 150 مليون ليرة إلى 750 مليونا للمرشح، وتمّ احتساب 50 ألفا على الصوت في الدائرة الكبرى عوضا عن 5000. وهذه الأرقام على الورق فقط، أمّا على أرض الواقع فمغايرة تماما، والسقف الذي حُدّد بـ750 مليون ليرة للمرشح أي حوالي 33 ألف دولار أميركي وفقا لمنصّة “صيرفة”، لا يغطي مقابلة واحدة عبر شاشات التلفزيون، لاسيّما وأنّ سعر الدقيقة الواحدة تجاوز 5 آلاف دولار في بعض المحطات أي 150 ألف دولار لثلاثين دقيقة فقط. وتقول وسائل إعلام لبنانية إن معضلة الإنفاق الانتخابي لا تنحصر بالسقوف التي لم تعد ملائمة لواقع الحال، بل بعدم وجود آليات لمراقبة سقف الإنفاق، خصوصا أنّ صرف الأموال يتم نقدا (فريش دولار) (Fresh money) خارج النظام المصرفي، بفعل إيقاف التحاويل المصرفية. ويتساءل كيف يمكن لهيئة الإشراف على الانتخابات أن تراقب حجم الإنفاق الانتخابي في هذه الحال؟
مشاركة :