مقالة خاصة: التحول في سياسة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يزيد أعباء الاقتصادات العالمية

  • 5/13/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

مع وصول التضخم في الولايات المتحدة، الذي أُعلن عنه يوم الأربعاء، إلى معدل سنوي قدره 8.3 في المائة في أبريل، وهو الشهر الثاني على التوالي الذي يسجل تضخما يزيد عن 8 في المائة، تصاعدت مخاوف السوق بشأن إجراءات التشديد الإضافية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي والتداعيات واسعة النطاق التي قد تثيرها في جميع أنحاء العالم. وتمتد الآثار السلبية الناجمة عن أحدث رفع كبير لأسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي إلى العديد من الاقتصادات، مما يطلق العنان لمزيد من التقلبات في الأسواق المالية العالمية ويلقي بظلاله على التعافي بعد الوباء وسط تزايد مخاوف الركود. من خلال رفعه لسعر الفائدة القياسي بمقدار نصف نقطة مئوية، أجرى البنك المركزي الأمريكي تحولا مفاجئا في سياساته النقدية التيسيرية، التي تم تبنيها منذ جائحة كوفيد-19، لينتقل بها إلى وضع تشديد أكثر عدوانية. غير أن أشد رفع لأسعار الفائدة منذ أكثر من 20 عاما، والذي يهدف إلى كبح جماح أعلى تضخم في أمريكا منذ أكثر من 40 عاما، أدى إلى تفاقم عبء الديون وضغوط خفض قيمة العملة في الاقتصادات العالمية الأخرى. إلى جانب ذلك، أعلن الاحتياطي الفيدرالي أيضا عن خطط لتقليص حيازاته من السندات الحكومية والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري بمقدار 47.5 مليار دولار أمريكي شهريا في ميزانيته العمومية البالغة 9 تريليونات دولار منذ يونيو. ودفعت هذه الخطوة محافظي البنوك المركزية في العديد من البلدان الأخرى إلى تسريع تحولهم بعيدا عن الأموال السهلة. ويحذر محللون من أن مثل هذا الاتجاه سيزيد من رفع تكاليف الاقتراض ويخاطر بتجفيف السيولة في جميع أنحاء العالم. - الأسواق الناشئة تتحمل العبء الأكبر يحذر المحللون من أن التغييرات الكبيرة في السياسات النقدية الأمريكية ستجعل الأمر أكثر تكلفة بالنسبة للأسواق الناشئة التي تقترض بالدولار لسداد ديونها، وسوف تقوض ثقة المستثمرين في تلك البلدان. وهذا قد يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال التي من شأنها أن تؤثر بشكل مباشر على أسعار صرف عملاتها. وأوضح إيهاب الدسوقي، رئيس قسم الاقتصاد في أكاديمية السادات ومقرها القاهرة، أن الخطوة الجريئة التي اتخذها الاحتياطي الفيدرالي قد تؤدي إلى تشديد الأوضاع المالية على مستوى العالم وتؤدي إلى تدفقات رأس المال إلى الخارج وانخفاض قيمة العملة في الأسواق الناشئة، كما أن الضغوط التضخمية المترتبة على ذلك "مدمرة للغاية". وشاطره الرأي الاقتصادي الأرجنتيني خورخي مارشيني، الذي يعتقد أن رفع سعر الفائدة الحاد الذي قام به الاحتياطي الفيدرالي يمكن أن يوجه ضربة للبلدان منخفضة الدخل والاقتصادات النامية، وخاصة دول أمريكا اللاتينية التي تحملت كميات كبيرة من الديون بسبب الوباء. وأشار إلى أن التأثير "هائل" خاصة بالنسبة للأرجنتين، أكبر مدينة لصندوق النقد الدولي، مضيفا أنه "من الواضح أن رفع سعر الفائدة يعني عبئا أكبر (للديون)"، حيث تجري إدارة التزامات الأرجنتين الداخلية والخارجية عبر أسعار فائدة متغيرة يحددها سعر الفائدة التي يضعها الاحتياطي الفيدرالي. والأكثر من ذلك، أن زيادة سعر الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي يمكن أن توتر العلاقات بين البلدان النامية والبلدان المنخفضة الدخل في أمريكا اللاتينية التي تكافح مع ميزان المدفوعات الخاص بكل منها، عبر إثارة "منافسة لخفض قيمة العملة"، وفقا للخبير الاقتصادي. خذ البرازيل كمثال، قال هسيا هوا شنغ، وهو أستاذ مشارك في اختصاص التمويل في كلية ساو باولو لإدارة الأعمال التابعة لمؤسسة جيتوليو فارغاس، إنه "عندما تزيد الولايات المتحدة أسعار الفائدة، سوف ينتقل المزيد من رأس المال من البرازيل إلى الولايات المتحدة، مما سيؤدي إلى انخفاض قيمة العملة البرازيلية"، مضيفا "لمكافحة تأثير التضخم، من المحتمل أن يجعل البنك المركزي البرازيلي سعر الفائدة أعلى من المتوقع". وتتعرض الاقتصادات المتقدمة أيضا لضغوط متزايدة بسبب التحول في سياسة الاحتياطي الفيدرالي، والذي من خلال رفع قيمة الدولار، من شأنه أن يوسع الفجوة بين الدولار والعملات الأخرى، وأن يدفع أيضا أسعار السلع الأساسية المقومة بالدولار، وبالتالي يؤجج التقلبات في الأسواق المالية وأسواق الصرف الأجنبي في مختلف أنحاء العالم. وقال محللون إن التعافي الاقتصادي في اليابان سيتحمل ضغوطا أكبر مع تسريع الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة وزيادة الفجوة بين الين والدولار. وفي الشهر الماضي، خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي الياباني هذا العام بمقدار 0.9 نقطة مئوية ليصل إلى 2.4 في المائة. وأفاد تاكاهيد كيوتشي، الباحث في معهد نومورا للأبحاث، إن تسارع سعر الفائدة الأمريكي هو أكبر سبب لضعف الين. ومع اتساع الفجوة بين الين والدولار، جذب اتجاه الأسر اليابانية إلى إعادة تخصيص أصولها المالية وبيع الين انتباه السوق. وتراجع الين بشكل ملحوظ هذا العام مع تشديد السياسة النقدية الأمريكية منذ أن بدأ الاحتياطي الفيدرالي دورة رفع أسعار الفائدة في مارس بزيادة قدرها 25 نقطة أساس. وعلى وجه الخصوص، انخفض الين بنحو 15 في المائة مقابل الدولار منذ مارس. ومن الملاحظ أن وزارة المالية الكورية الجنوبية قالت الأسبوع الماضي إن الإجراءات الاستباقية ستكون ضرورية لمعالجة تقلبات الأسواق المالية في الداخل والخارج بعد رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة. وقال نائب وزير الاقتصاد والمالية لي إيوغ-ويون في اجتماع مع مسؤولين في الاقتصاد والمالية إن حالات عدم اليقين الخارجية لا تزال مرتفعة، وإن الحكومة ستتعامل بشكل استباقي مع عوامل الخطر إذا لزم الأمر بطريقة جريئة وسريعة. وقال جو وون، نائب المدير في معهد هيونداي للأبحاث في كوريا الجنوبية، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن "الاقتصاد العالمي سيظل على الجانب السلبي هذا العام"، مضيفا أن رفع الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة بسرعة كبيرة من المرجح أن يدفع الولايات المتحدة إلى تباطؤ اقتصادي. -- تحول عالمي إلى انكماش مالي ويأتي أحدث إجراء للميزانية العمومية للاحتياطي الفيدرالي، أو التشديد الكمي، في وتيرة أسرع من المرة الأخيرة التي قلص فيها الاحتياطي الفيدرالي أدوات محفظته المالية، بعد عدة سنوات من الركود العظيم بين عامي 2007 و2009. ومع استمرار صدى التحول الصارخ في السياسة النقدية في مختلف أنحاء العالم، يتجه المزيد من البنوك المركزية إلى الانكماش والفوضى الماليين للتعامل مع التضخم والديون المقومة بالدولار. وقال تساي داولو، الزميل الزائر في قسم الإستراتيجية والسياسة بكلية إدارة الأعمال بجامعة سنغافورة الوطنية، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن المخاوف بشأن التضخم العالمي فرضت قيودا إضافية على السياسات النقدية للعديد من البلدان، مضيفا أن البنوك المركزية غالبا ما تميل إلى زيادة معدلاتها المستهدفة كوسيلة لاحتواء توقعات التضخم وتثبيتها. وصرح ويشاي كينتشونغ تشوي، النائب الأول لرئيس مصرف "كاسيكورن بنك" التايلاندي، لوكالة أنباء ((شينخوا)) أنه "من المؤكد أن رفع سعر الفائدة في الولايات المتحدة سيكون له تأثير سلبي على سيولة رأس المال العالمي وسيزيد من تكاليف الاقتراض، مما سيضر بتوسع الأعمال والتعافي الاقتصادي. وقد لا يكون هذا خبرا سارا للتعافي الاقتصادي البطيء في العالم". ورفع البنك الاحتياطي الهندي (البنك المركزي الهندي) بشكل مفاجئ سعر إعادة الشراء الأسبوع الماضي إلى 4.4 في المائة، من المستوى القياسي المنخفض البالغ 4 في المائة الذي كان يعمل به على مدار العامين الماضيين. وقال الدكتور شاشانكا بهايد، وهو عضو لجنة السياسة النقدية في البنك الاحتياطي الهندي، في بيان، إن تشديد السياسة النقدية في البلدان المتقدمة سيكون له تأثير كبير على "تدفقات التجارة والاستثمار للعالم النامي". وأفاد تولسي جاياكومار، أستاذ الاقتصاد في معهد إس بي جاين للإدارة والبحوث، في تصريح لوكالة أنباء ((شينخوا))، أن "السؤال لم يكن ما إذا سيتم، بل السؤال كان متى سيتم (رفع أسعار الفائدة). من الواضح أن القرار تأثر برفع سعر الفائدة الذي قام به الفيدرالي الأمريكي". وذكر سونيل سينها، كبير الاقتصاديين ومدير المالية العامة في المركز الهندي للتصنيفات والبحوث، أن "الاستثمارات/الصناديق/السندات الأجنبية التي تصل إلى الهند تعتمد على أسعار الفائدة في الهند، ويجب أن تكون أعلى من أسعار الفائدة الأمريكية. عندها فقط يجد المستثمرون أنها مربحة أو مفيدة". وبما أن أسواق السلع العالمية وعملات جميع دول الخليج باستثناء الكويت مرتبطة بالدولار، رفعت أربع دول خليجية رئيسية -- المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر -- أسعار الفائدة الرئيسية بمقدار 50 نقطة أساس استجابة لتحرك الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع الماضي. وأوضح الخبير الاقتصادي السعودي محمد يوسف أن دول الخليج فعلت ذلك لمنع الأموال من التدفق باتجاه الولايات المتحدة أو أماكن أخرى ذات استثمارات قائمة على الدولار بعوائد أعلى. كما رفع بنك إنكلترا أسعار الفائدة الأسبوع الماضي بمقدار 25 نقطة أساس إلى 1 في المائة، وهو أعلى مستوى منذ عام 2009، لمواجهة التضخم الذي يتجه الآن فوق 10 في المائة، على الرغم من خطر إغراق بريطانيا في الركود. وكشف النقاب أيضا عن خطة لبدء بيع محفظة سندات الشركات البالغة قيمتها 20 مليار جنيه إسترليني (24.9 مليار دولار) في سبتمبر. وأكد صانعو السياسة في بنك إنكلترا في تقرير أنه "قد تكون درجة ما من التشديد الإضافي في السياسة النقدية مناسبة في الأشهر المقبلة". وبالمثل، في حين أشار البنك المركزي الأوروبي إلى أنه سينهي التيسير الكمي في الربع الثالث، فمن المتوقع أن يخفض بنك كندا حيازاته من الديون الحكومية بنسبة 40 في المائة على مدى العامين المقبلين. وتقدر مجلة ((بلومبرغ إيكونوميكس)) أن صناع السياسات في دول مجموعة السبع سيقلصون ميزانياتهم العمومية بنحو 410 مليارات دولار في الفترة المتبقية من عام 2022، وهو ما وصفته بأنه "تحول صارخ" عن العام الماضي، وحذرت من "التأثير المزدوج لتقلص الميزانيات العمومية وارتفاع أسعار الفائدة" على الاقتصاد العالمي المتعثر. وقال جين تانوزو، الرئيس العالمي للدخل الثابت في شركة "كولومبيا ثريديندل إنفستمنتس"، في وقت سابق للمجلة، أنه "ومع ذلك، فإن الجمع بين التشديد الكمي، وارتفاع أسعار الفائدة قصيرة الأجل، والدولار القوي، وارتفاع أسعار السلع الأساسية والانكماش المالي الأمريكي يضع الولايات المتحدة والعالم أمام رياح معاكسة قوية". -- حدود أدوات سياسة الاحتياطي الفيدرالي بما أن التضخم كان أكثر سخونة مما كان متوقعا، يقول الاقتصاديون والنقاد إن البنك المركزي الأمريكي انتظر وقتا طويلا لتشديد السياسة النقدية بشكل فعال، مما عظم من مخاوف الركود مع رفع حاد لأسعار الفائدة. وصرح جيمي ديمون، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لبنك "جيه بي مورغان"، لتلفزيون ((بلومبرغ)) الأسبوع الماضي، أنه كان ينبغي على الاحتياطي الفيدرالي أن يتصرف بشكل أسرع، مبينا "لقد تأخرنا قليلا. وكلما أسرعوا في التحرك كان ذلك أفضل". ونظرا لعدم وجود تجربة تاريخية تشير إلى أنه مع مثل هذا التضخم المرتفع، فإن الاحتياطي الفيدرالي لديه القدرة على خفض التضخم إلى هدفه البالغ 2 في المائة دون حدوث ركود، حيث أشار البعض إلى حدود أدوات سياسة الاحتياطي الفيدرالي. وكتبت نانسي ديفيس، مؤسسة شركة "كوادراتيك كابيتال ماناجمنت" ومقرها كونيتيكت، في تقرير حديث، "نعتقد أن هناك القليل الذي يمكن أن تقوم به السياسة النقدية لتهدئة التضخم على المدى القريب"، في إشارة إلى الآثار المحدودة لأدوات سياسة الاحتياطي الفيدرالي. ولدى إشارته إلى أن "الركود في هذه المرحلة أمر لا مفر منه تقريبا"، قال نائب رئيس الاحتياطي الفيدرالي السابق روجر فيرغسون، لشبكة ((سي إن بي سي)) في وقت سابق من الأسبوع الماضي، إن الاحتياطي الفيدرالي لن يكون قادرا على معالجة جانب العرض من القضية، والذي يقود معظم مشكلة التضخم. حتى أن ستيفن ميلر، أخصائي إستراتيجيات الاستثمار في شركة إدارة الصناديق الأسترالية، لفت في تقريره إلى أن الاحتياطي الفيدرالي "منخرط الآن في أكثر أعمال البنوك المركزية حساسية". وكتب "من خلال التراخي الواضح عن حجم التضخم وزخمه حتى عام 2021، قد تكون هندسة "أول أفضل" حل الآن خارج نطاق الاحتياطي الفيدرالي". في استطلاع حديث أجرته شبكة ((سي إن إن))، يعتقد غالبية البالغين الأمريكيين أن سياسات الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أضرت بالاقتصاد، حيث قال 8 من كل 10 إن الحكومة الأمريكية لا تفعل ما يكفي لمكافحة التضخم.■

مشاركة :