بكل الأسى والحزن، ننعى الوالد والأخ والقائد والمثل والحكيم والإنسان المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان،«طيب الله ثراه»، وهي ليست لحظة للبكاء، فمثل خليفة باقٍ في قلوبنا، لا تنمحي ذكراه لأنها محفورة في الوجدان وفي كل شبر من أرض الإمارات، عطاء ووفاء وتضحية ومحبة وإيثاراً. نحن لا نرثي شخصاً عادياً ولا قائداً أو رئيساً، بل قبل كل ذلك أباً له في قلب كل منا محبة وتقدير وألفة، هو الأمين على الوطن والخليفة على الأرض بالحكمة والعدل والطمأنينة والسماح والسلام. ننعى خليفة الساكن في الوجدان ومحرك نبض القلب، وهو الذي حمل قلباً حانياً ينحاز للخير ووجداناً ينتصر للإنسان في جوهره النقي البريء. كانت بوصلته دائماً وأبداً هي المواطن والمقيم على أرض الإمارات يسعى لخدمته ويكفل له الكرامة ويلبي احتياجاته، ويوفر له المساواة والعدالة والحرية، ويؤهله لكي يحمل أمانة التعمير والإنجاز والازدهار. في قلعة المويجعي كان ميلاده وعلى امتداد الوطن والأمة العربية تنتشر مآثره، ففي كل ركن إنجاز لخليفة، وفي كل مكان قلب ولسان يلهجان بشكر خليفة أيقونة الإنسانية، ورمز القائد المتفاني في خدمة أبناء وطنه. يكفي أنه تشرب الزعامة والحكمة من القائد المؤسس المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، تعلم منه أصول القيادة وأسس الإنسانية، وفن الحكم، بساطة الإنسان والعطاء في أنقى صوره. إنسان غاص في الواقع مع أبناء وطنه، وحلق بأحلامهم في سماوات وعوالم لا نهائية من التمكين والرخاء والسعادة، ساعياً بكل فكره وإرادته للخير ومزيد من الخير لكل المحيطين به. إن وفاءنا لخليفة يكون في أن نترسم خطى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حاكم أبوظبي وإخوانهما حكام الإمارات، ونؤكد لهم أننا باقون على العهد مكملين المسيرة، محولين حزننا إلى طاقة إيجابية للعمل والبناء فهكذا أراد خليفة. ولاؤنا أن نواصل السعي لمزيد من الرفاهية وتكريس الوحدة الوطنية وتلاحم أبناء الإمارات، ونكمل مبادراته في المجالات كافة، ونحفظ تراثنا الشعبي، ونحلق بآمالنا إلى حيث كان يريد لنا، وما أنبل وأعظم ما كان يريده لنا خليفة. كان، رحمه الله ، لكل واحد من أبناء الوطن أباً وصديقاً وعضيداً وسنداً، علماً يحرص الجميع على أن يبذل أقصى ما لديه ليكون على قدر مسؤولية أبناء خليفة. وبخلقه ونبل غاياته، كان «طيب الله ثراه» موضع ثقة الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان« طيب الله ثراه»، ينشر النجاح والمحبة والتقدم والخلق الرفيع في كل مجال يضطلع به. تولى العديد من المناصب وفي كل مرة كان يضيف بحنكته ومهارته وتطلعاته إلى المنصب، محققاً إنجازاً تلو الآخر، وكأنه لا يريد أن يتوقف أبداً. وكان ديدنه التنمية الشاملة، وتلبية كل احتياجات المواطنين، والانتقال بهم إلى دولة الرفاهية والسعادة والأمان، وجعل كل مواطن ينام آمناً على غده ومستقبله ومستقبل أحفاده من بعده. وعندما انتخب رئيساً لدولة الإمارات في 3 نوفمبر 2004، أطلق خطته الاستراتيجية لتحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة وتحقيق التنوع الاقتصادي وضمان الرخاء للمواطنين، إدراكاً منه أن من يحب زايد يسير على خطاه ويحقق آماله وأحلامه. وكان «طيب الله ثراه» منارة يهتدي بها أبناء الوطن في سعيهم نحو مستقبل واعد مزدهر ركيزته الأمن والاستقرار، وقبل كل ذلك حاضر يفيض رخاء ومحبة. وبفضل حكمته وحنكته ومهارته في اختيار مساعديه ومعاونيه، استطاع تنفيذ استراتيجيات طموحة في المجالات كافة، وتجنيب الإمارات الأزمات المالية والإقليمية التي عانى منها العالم. وحدنا في الإمارات وبقيادة خليفة كنا تحت مظلة الأمان والاطمئنان، نحن الملاذ لكل محتاج والأنموذج لكل باحث عن التفوق، متمسك بالعروة الوثقى، مستهدفين دائماً وأبداً المركز الأول. وقدمت الإمارات تحت قيادته «طيب الله ثراه» نموذجاً في التمكين والإدارة والقيادة، في التحليق بالتطلعات مع التمسك بالجذور، في التطور مع التحلي بالقيم والخلق، في الانطلاق بلا حدود نحو الغد، والتوازن في العلاقات، في خلق بيئة محفزة للإبداع والابتكار وفي التلاحم والتسامح والمحبة. وكان هاجسه الأول، «طيب الله ثراه»، بناء الإنسان الإماراتي وإعداده على أفضل ما يكون للقيام بمهامه وواجباته، وإعداد أجيال من القادة يحملون الشعلة ويواصلون المسيرة، ويحققون كل طموحات الوطن وأمانيه. إن الحديث عن خليفة بن زايد يطول، وإننا لفقدانه لمحزونون، ولكننا ندرك أن محبتنا له تتجسد في السير على طريقه ومنهجه وتحقيق أحلامه، في وطن متطور وشعب متمكن يرسخ مكانتنا في المحافل الدولية، ويتنافس مع الذات قبل الغير. إنها لحظة للوقوف مع الذات واستنفار الهمم لكي يبقى أبد الدهر إرث خليفة ويتحقق ما سعى إليه من رفاهية ورخاء ومحبة واستقرار لذلك الوطن وأبنائه.
مشاركة :