تتسع دائرة ممارسات التمييز العنصري في تونس رغم التنديد من فترة إلى أخرى بخطورة الظاهرة وتأثيراتها السلبية، حيث تتصاعد التشكّيات بشأن التمييز على أساس اللون خصوصا من المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء القادمين إلى تونس والذين يتم استغلالهم من قبل أرباب الأعمال كيد عاملة طيعة وزهيدة على حساب الشباب المحليين. وقالت سعدية مصباح، رئيسة جمعية “منامتي” الناشطة في مجال مناهضة العنصرية، إن “التمييز على أساس لون البشرة موجود في تونس والظاهرة متفشية في المجتمعات العربية عموما”. وأضافت في تصريح لـ”العرب” أنه “في تونس يتم منع الأفارقة القادمين من جنوب الصحراء من كراء شقق السكن بوضع إعلانات خاصة بذلك وكذلك يعاملون معاملة سيئة في مختلف الفضاءات العامة ووسائل النقل، فضلا عن استغلالهم في التشغيل نظرا إلى هشاشة أوضاعهم الاجتماعية وفقدانهم لوثائق هوية رسمية”. سعدية مصباح: الأفارقة يتم منعهم من كراء شقق السكن في تونس وأكّدت بيانات صادرة عن الاتحاد العام التونسي للشغل (منظمة العمال) أن عدد العمال الأفارقة في تونس يقدّر بأكثر من 700 ألف، وأن عددهم تضاعف في السنوات الأخيرة بسبب تدفق المهاجرين غير الشرعيين ممن كانوا يعملون في ليبيا إلى البلاد خلال السنوات الأخيرة. وسبق أن رصد اتحاد الشغل استغلالا لعمال أفارقة في قطاعات البناء والأشغال العامة والخدمات وبدرجة أقل في الزراعة، بسبب ضعف تشريعات العمل التي تحمي حقوقهم. وصادق البرلمان التونسي على قانون يجّرم العنصرية في 2018، لتكون بذلك تونس الدولة الأولى في العالم العربي التي تسن قانونا مماثلا. ورحّب المجتمع المدني خصوصا بالقانون الجديد الذي دعا إلى العمل على تغيير العقليات والأفكار السائدة في المجتمع بالتوازي مع ذلك. ويقصد بالتمييز العنصري وفق هذا القانون “كل تفرقة أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو الأصل القومي أو النسب أو غيره من أشكال التمييز العنصري”. وبعدها بسنة واحدة أدان القضاء التونسي لأول مرة سيدة تهجمت على مدرس ونعتته بأوصاف عنصرية على خلفية بشرته السوداء، وصدر بحقها حكم بالسجن مدة 5 أشهر مع وقف التنفيذ وغرامة مالية قدرها 400 دينار. وعلى الرغم من التجارب الرائدة في معالجة الظاهرة، إلا أن التحولات الاجتماعية جعلت منها ممارسة يومية في مختلف الأماكن، حيث اعتبر علماء الاجتماع أن الكثير من المناطق لا تزال تتعامل مع الأشخاص على أساس لون بشرتهم. وأفاد مهدي المبروك الأستاذ الجامعي في علم الاجتماع والوزير السابق أنه “رغم التجربة الرائدة في إلغاء الرقّ في تونس في منتصف القرن التاسع عشر بفضل النخب الإصلاحية، إلا أن الظاهرة لا تزال موجودة في مستوى الممارسات اليومية، حيث يعتبر ذوو البشرة السمراء في المراتب الدنيا وهناك عدة مناطق في البلاد لا تزال تتعامل على أساس اللون”. ◙ تزايد العمالة الأفريقية في تونس وتحولات سوق تشغيل الأجانب فرض التأطير النقابي لهذا الصنف من العمال وقال لـ”العرب” إنه “بعد 2011 أعطي للأقليات الحقّ في التعبير والكلام، وأصبح للاجئين القادمين من جنوب الصحراء مركز إيواء في تونس كمنطقة عبور نحو أوروبا في إطار جمعيات مثل جمعية الطلبة الأفارقة”. وأضاف المبروك أن “الأفارقة القادمين من جنوب الصحراء يتعرّضون للتحرّش والإهانة في وسائل النقل، ويتّهمون بنشر الأمراض المعدية، حتى أنهم آخر من يتلقون الجرعات في حملات التلقيح، فضلا عن تنامي جرائم العنف والقتل ضدّهم، كما يتم إقصاؤهم من جميع الحقوق الاجتماعية”. وتابع “الوضع لم يتحسّن وهناك نوع من الانحراف في الرأي العام الوطني بخصوص ذوي البشرة السمراء، وتم توظيفهم أيضا في الخلافات السياسية، وتمت تعبئة هذه المجموعات في معارك لا تعنيها تماما”. وترى شخصيات حقوقية أن التنديد بوجود الظاهرة في مستوى النصوص والتشريعات لا يكفي لمعالجتها، بل وجب تفعيل القانون ضد من يمارسون التمييز العنصري. وقالت عضو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان نجاة الزموري إن “أكبر دليل على وجود الظاهرة هو المصادقة على القانون ضدّ التمييز العنصري، وهذه الممارسات موجودة حتى قبل تنامي ظاهرة هجرة الأفارقة من جنوب الصحراء بعد 2011”. مهدي المبروك: عدة مناطق في تونس لا تزال تتعامل على أساس اللون البشري وأكّدت في تصريح لـ”العرب” أن “الظاهرة موجودة بالخصوص في الجنوب التونسي، وتنامت بفضل ظاهرة الهجرة من أفريقيا جنوب الصحراء، نظرا إلى وجود تمييز ذي وجهين من حيث الهشاشة الاجتماعية والعنصرية من ناحية البشرة واللون، على عكس اللاجئين من سوريا الذين يتم التعامل معهم بطريقة مختلفة”. وأضافت نجاة الزموري “هناك استغلال من أرباب الأعمال لهؤلاء على أساس الهشاشة، وهم يعيشون ظروفا صعبة ويتعرضون لشتّى أنواع التنمّر، والاستغلال أيضا شكل من أشكال التمييز العنصري”. وأشارت الناشطة الحقوقية إلى أن القانون غير كاف ولا يفعّل، ويجب تطبيق القوانين لأنها ستساهم في تغيير العقليات وطرق التفكير وهذا يتطلب حيزا زمنيا معيّنا، كما يجب على الوزارات والمسؤولين أن يعملوا على تفعيل برامج في فضاءات الشباب وعلى وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام”. وتضطلع منظمات مدنية في تونس بمهام للحدّ من التمييز العنصري ضد اللاجئين والمهاجرين في وسائل النقل العامة والخاصة ولاسيما منها سيارات الأجرة، بعد تسجيل حالات متواترة للتمييز ضد هذه الفئة من القاطنين في تونس. وفي وقت سابق أعلنت منظمة “باي الحوم” (داخل الأحياء) عن شراكة مع اتحاد النقل الفردي (التاكسي) للتصدّي لمختلف أشكال التمييز العنصري ضد اللاجئين وطالبي اللجوء القاطنين في تونس حماية لحقوقهم المدنية، وللحدّ من الممارسات العنيفة التي يواجهونها. وسبق أن نفّذ الطلبة الإيفواريون بتونس مسيرة احتجاجية باتجاه سفارة بلادهم بالعاصمة تونس، تنديدا بعملية قتل فاليكو كوليبالي رئيس جمعية الجالية الإيفوارية. وأعلن سفيان الزعق الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية حينها القبض على المتورط في عملية السطو وقتل رئيس جمعية الجالية الإيفوارية في تونس على مستوى منطقة دار فضال بسكرة من ولاية أريانة، مؤكّدا أنه “تم القبض على ستّة أشخاص تم الاحتفاظ بخمسة منهم وبينهم المتورط في عملية القتل وقد تم حجز أداة الجريمة ملطخة بالدماء في منزله”. التنديد بوجود الظاهرة في مستوى النصوص والتشريعات لا يكفي لمعالجتها، بل وجب تفعيل القانون ضد من يمارسون التمييز العنصري وفي شهر مارس الماضي عبّرت جمعية “منامتي” عن استنكارها الشديد ورفضها القاطع لبعض الرسائل المبطنة التي مرّت على قنوات إعلامية وإذاعات بهدف تعزيز روح التفرقة وعدم قبول الاختلاف بين جميع أطياف المجتمع سواء كان ذلك على الصعيد الوطني أو الإقليمي أو العالمي. وفرض تزايد العمالة الأفريقية في تونس وتحولات سوق تشغيل الأجانب التأطير النقابي لهذا الصنف من العمال، على غرار القطاع الخدماتي من دون أدنى ضمانات قانونية. ونهاية 2020 بدأ الاتحاد العام التونسي للشغل مسار الاحتواء النقابي للعمال الأفارقة في تونس، من أجل ضمان حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، بعد رصد انتهاكات لهم من قبل مشغلين يستغلون هشاشة وضعهم لتشغيلهم مقابل رواتب ضعيفة. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :