إطلاق البنوك الرقمية في المملكة العربية السعودية عبَّر عن حرص المملكة على مواكبة التطورات المتسارعة في التقنية المالية، وتعزيز دورها ومكانتها الإقليمية والعالمية كواحدة من أكبر المراكز المالية في العالم، إنفاذا لبرنامج تطوير القطاع المالي (أحد برامج تحقيق رؤية المملكة 2030) الذي وضع استراتيجية للقطاع المالي للسنوات (2021- 2025) تتضمن عدداً من المبادرات الخاصة بالتقنية المالية التي من شأنها تطوير القطاع، وتدعم تنمية الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر دخله وتحقيق قفزات نوعية في مجال الخدمات المالية والمصرفية في البلاد، وإرساء بنية تحتية رقمية رفيعة، وتقديم خدمات مالية ومصرفية نوعية بقنوات متعددة لعملاء القطاع المصرفي، وبما يسهم في دعم الاقتصاد الوطني وتحفيز الاستثمار المحلي العام والخاص، وجذب الاستثمار الأجنبي. لذا فقد أصدر مجلس الوزراء السعودي بتاريخ 23 /يونيو/ 2021 قرارا بالموافقة على الترخيص لبنكين رقميين محليين عن طريق تحويل شركة المدفوعات الرقمية السعودية STC Pay (شركة تكنولوجيا مالية) لتصبح بنكا رقميا محليا تحت اسم بنك STC الرقمي، وتحالف عدد من الشركات والمستثمرين بقيادة شركة عبدالرحمن بن سعد الراشد وأولاده لتأسيس بنك رقمي محلي تحت اسم البنك السعودي الرقمي. وفي 14/فبراير/2022 وافق مجلس الوزراء السعودي على إصدار الترخيص لبنك رقمي ثالث تحت مسمى بنك D360 وقد أنشأه تحالف يضم عددا من المستثمرين أفراد ومنشآت، وبمشاركة صندوق الاستثمارات العامة، وبقيادة شركة دراية المالية (وهي شركة تكنولوجيا مالية). وقد مهد البنك المركزي السعودي لقرار إنشاء بنوك رقمية افتراضية بإصدار مجموعة من الإرشادات والمعايير الإلزامية لطلب منح الترخيص للبنوك الرقمية في المملكة العربية السعودية وذلك في شهر فبراير 2020، إلى جانب المعايير والاشتراطات العامة التي يفرضها البنك المركزي لإنشاء البنوك التقليدية. وقد تضمنت أن يتخذ البنك الرقمي شكل شركة مساهمة محلية، وأن يتوافر لدى المؤسسين خبرة ومعرفة في مجال القطاع المالي، وخبرة ومعرفة مناسبة ذات صلة بالتقنية، ويمتلك المؤسسون الأهلية والقدرة والملاءة المالية لدعم تأسيس البنك الرقمي، وأن يكون لديهم فريق من الأفراد من ذوي الخبرات في مجالاتهم، وذلك لمناقشة الجوانب ذات العلاقة بالطلب المقدم. كما أوجبت على المتقدمين للحصول على الترخيص إرفاق خطة عمل واضحة تغطي بحد أدنى خطة البنية التحتية لتقنية المعلومات والتقنيات المبتكرة التي سيتم طرحها، والتوقعات المالية للبنك الرقمي المطلوب تأسيسه، والفئة المستهدفة، والمنتجات والخدمات المقترحة بما يتفق مع الفئات المستهدفة. مع تقديم خطة التقييم الداخلي لكفاية رأس المال، وخطة التقييم الداخلي لكفاية السيولة مع طلب الترخيص للبنك. ومما ينبغي الإشارة إليه أن الإرشادات تضمنت أيضا تأكيد خضوع البنوك الرقمية للمتطلبات الاحترازية ذاتها التي تخضع لها البنوك التقليدية، وأن تتميز الحلول التقنية لدى البنك الرقمي بالوصول السهل والسريع إلى المعلومات بشكل دقيق وكامل لتمكين مؤسسة النقد من أداء مهامها الإشرافية والرقابية. وشددت على تطبيق مبادئ حماية عملاء المصارف الصادرة عن المؤسسة على البنوك الرقمية أسوة بالبنوك التقليدية، وأن يرفق في طلب الترخيص ما يثبت وجود الترتيبات والقنوات الضرورية لحماية ودعم العملاء بشكل كاف خلال جميع مراحل العمليات المصرفية. وفيما يتعلق بتحديد رأس المال للبنوك الرقمية فقد أوضح معالي المدير العام للرقابة على البنوك في البنك المركزي السعودي، أنه يخضع إلى عدة معايير، منها تقييم خطة العمل المقدمة والفئة المستهدفة والمنتجات والخدمات الرقمية، التي سيتم تقديمها، وكذلك خطة التقييم الداخلي لكفاية رأس المال وكفاية السيولة، وذلك في تصريح له عقب صدور الإرشادات الإضافية. ولأجل خلق القبول الشعبي بالبنوك الرقمية والاطمئنان لنشاطاتها المصرفية أوضح محافظ البنك المركزي السعودي الدكتور فهد المبارك في تصريح له بتاريخ 23 /يونيو/ 2021 عقب إعلان حصول موافقة مجلس الوزراء على التصريح لبنك STC الرقمي، والبنك السعودي الرقمي «أن البنوك الرقمية تخضع لجميع متطلبات الإشراف والرقابة المطبقة على البنوك التقليدية في الوقت الحالي، مع تأكيد الجوانب التقنية والأمن السيبراني، ومكافحة غسل الأموال، وتمويل الإرهاب، والمخاطر التشغيلية». وبذلك فإنه قد مهد الطريق أمام هذه البنوك لإعلان نشاطاتها المختلفة، وكفى طالبي الترخيص مسؤولية إقناع العملاء المستهدفين بالضمانات التي ستقدمها لحماية أموال المودعين خصوصا، وجميع العملاء لمختلف أنشطتها عموما، لاسيما في مواجهة المخاطر الجديدة والأكثر احتمالا للتعرض لها (مخاطر الأمن السيبراني، ومخاطر التقنية الرقمية، والمخاطر التشغيلية والمخاطر الأخرى). حيث يعمل البنك المركزي السعودي على المحافظة على المكتسبات التي حققها اقتصاد المملكة في الحفاظ على الاستقرار المالي، وحماية المتعاملين في القطاع المصرفي، وجميع الأطراف ذات العلاقة. { أكاديمي وخبير اقتصادي
مشاركة :