يتسارع مخاض المغرب لتفعيل ركائز النموذج التنموي الجديد حيث تنكب السلطات على توجيه بوصلتها نحو القطاع الخاص ليقود قاطرة الأنشطة التجارية والاستثمارية، بما يساعد على إعطاء النمو زخما إضافيا وفي الوقت ذاته مواجهة معضلة البطالة. وتسعى الحكومة من خلال مشروع ميثاق الاستثمار الجديد الذي أطلقه العاهل المغربي الملك محمد السادس في فبراير الماضي لرفع حصة الاستثمار الخاص لتبلغ 350 مليار درهم (33 مليار دولار) في السنوات الثلاث عشرة المقبلة. وتريد الرباط أن تشكل رؤوس أموال الشركات الخاصة ثلثي إجمالي حجم الاستثمار بالبلاد بحلول 2035، مع تمكينه من إعطاء دفعة قوية للاقتصاد، بالنظر إلى مضامينه التحفيزية المبتكرة التي تهدف إلى تعزيز قطاع الأعمال. وبحسب التقديرات الرسمية فإن القطاع العام يستأثر بثلثي الاستثمارات حاليا، وبالتالي فإن إحداث انقلاب في طريقة الشراكات مع القطاع الخاص سيكون مفتاح المغرب لنجاح خططه التنموية الواعدة. الطيب أعيس: من المهم تطوير بنية الاستثمارات لجعلها أكثر تنافسية وأكد رئيس الحكومة عزيز أخنوش خلال الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة للحكومة بمجلس المستشارين الأسبوع الماضي أن العمل جار لإعداد ميثاق الاستثمار وفق مقاربة تشاركية مع مختلف الجهات المعنية. وقال إن “من شأن الميثاق تغيير التوجه الحالي”. وأوضح أخنوش أنه لتجنب الإكراهات التي اعترت المحاولات السابقة لصياغته، تنكب الحكومة حاليا على إعداده حتى يستجيب لمختلف المتطلبات الضامنة لإنجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي. ويرتكز مشروع الميثاق الجديد على منظومة مهمة للدعم، وهي من شأنها أن تشكل حافزا للرفع من وتيرة الاستثمار ومن مساهمته في خلق الثروة وعدالة توزيعها. وفي مجلس وزاري سابق شدد الملك محمد السادس على الدور الريادي الذي يجب أن يضطلع به القطاع الخاص في التنمية. ودعا الحكومة إلى إشراك الفاعلين في القطاع الخاص بشكل فعال بمن فيهم الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وهو أكبر تجمع للشركات بالبلاد، والمجموعة المهنية لبنوك المغرب، لإنجاح ميثاق الاستثمار. وترى أوساط الأعمال بالاتحاد أن تنفيذ الميثاق الجديد للاستثمار ذو أهمية قصوى، خاصة أن الهدف منه تطوير الاستثمارات المحلية والأجنبية بالمغرب. وأشارت الى أن من شأن الميثاق تطوير سابقه الذي أصدر قبل حوالي ربع قرن، من أجل خلق بيئة محفزة للأعمال ومشجّعة وجذّابة للاستثمار. وأكد الخبير الاقتصادي الطيب أعيس أهمية تطوير بنية قطاع الاستثمار وتوفير بيئة رائدة ومهيّأة في ظل المنافسة الشديدة بين دول العالم وخاصة منطقة الشرق الأوسط، التي تستقطب استثمارات مهمة بفضل التقدّم الذي شهدته والفرص التي تمنحها للراغبين في الاستثمار. وتتمثل الأهداف الرئيسية المحددة في الميثاق الجديد للاستثمار في دعم سوق العمل والنهوض بتنمية منصفة لكافة مناطق البلاد وتحديد القطاعات الواعدة ذات الأولوية بالنسبة إلى الاقتصاد المغربي. ويضم مشروع الميثاق الجديد تدابير رئيسية للدعم، تتكون من تعويضات لدعم الاستثمارات تتمثل في تشجيع الاستثمار بالأقاليم الأكثر هشاشة، وتعويض قطاعي إضافي يمنح تحفيزات بهدف إنعاش القطاعات الواعدة. يونس السكوري: سنضع سياسات لسوق العمل واستباق احتياج القطاعات ويشدد محللون على أهمية انخراط أصحاب الأموال ورجال الأعمال في الميثاق الجديد، لأن ثلثي الشركات المغربية عمومية، والهدف اليوم هو أن تمثّل شركات القطاع الخاص الأغلبية، وهذا سيأتي بالتدريج، أولا من خلال الوصول إلى نسبة 50 في المئة قبل العمل على بلوغ الهدف المحدد. ويرى أخنوش أن الميثاق سيشجع الاستثمارات الواعدة بالنسبة إلى الاقتصاد مستقبلا، إضافة إلى إقرار نظام دعم جديد يعزز حوافز الاستثمار، مع توسيع قاعدة المستفيدين من خطة دعم المستثمرين الجديدة لتشمل المشاريع الصغيرة والمتوسطة والصغيرة جدا. ويعتقد أن هذا المبتغى الذي لن يتأتى إلا بإطلاق مجموعة متكاملة من المشاريع والإصلاحات من الجيل الجديد، تأتي في مقدمتها حوكمة الاستثمار العام ودعم وتحفيز شركات القطاع الخاص وتعزيز كل ذلك بميثاق محفز للاستثمار. ويطمح المغرب إلى بناء نموذجه التنموي الجديد الذي وضع من بين محاوره الاستراتيجية تطوير الاقتصاد وتنويعه والرفع من تنافسيته، لخلق القيمة المضافة والمزيد من فرص العمل ذات الجودة. ومن المقرر أن يتم ذلك من خلال تدابير خاصة للدعم موجهة إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة، فضلا عن تدابير أخرى للنهوض بالاستثمارات المغربية بالخارج. ويؤكد يونس السكوري وزير الإدماج الاقتصادي أن الحكومة تعمل جاهدة على وضع سياسات قوية لسوق العمل واستباق حاجيات القطاعات والاستثمارات في ما يخص الموارد والكفاءات وإعدادها لمواكبة سائر التحولات التي تعرفها المنظومة الإنتاجية. وتعكف المصالح الحكومية المختصة على إصدار مرسوم يقضي بخفض قيمة البرامج الاستثمارية الموجبة لدعم الدولة من 9.5 إلى 4.7 مليون دولار، وذلك لفتح الآفاق أمام عدد أكبر من الشركات المتوسطة والصغيرة لإطلاق مشاريعها الاستثمارية. ويرى خبراء أن الميثاق الجديد سيفتح أبوابا أخرى على غرار إصلاح الإطار التنظيمي لقطاع العقارات وتحديث المناطق الصناعية في جميع الجهات وتبسيط إجراءات التعمير بإدراج البعد الاقتصادي. كما أنه سيضع أساسا لمراجعة وإصلاح العديد من النصوص القانونية الرامية إلى تبسيط وتحفيز الاستثمار بالمغرب. 33 مليار دولار حجم الاستثمار الذي تستهدفه الحكومة من القطاع الخاص بحلول العام 2035 وكان محافظ البنك المركزي عبداللطيف الجواهري قد ربط في وقت سابق هذا العام المساعي نحو تحقيق معدلات أعلى من النمو الاقتصادي بمسألة مهمة تتعلق بتسريع وتيرة تنمية الاستثمارات وتحفيز الأعمال بشكل أكبر. وقال خلال جلسة استماع أمام لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بالبرلمان في فبراير الماضي إن “مواكبة النسيج الإنتاجي الوطني تشكل إحدى أولويات البنك لدعم الاستثمار باعتباره مكونا مهما للاقتصاد”. وتظهر بيانات البنك المركزي أنه خلال العقدين اللذين سبقا تفشي الجائحة بذل المغرب جهودا لتعزيز الاستثمارات حيث بلغت قيمتها 32.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 25.6 في المئة كمتوسط عالمي. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :