الروائي المكسيكي خوان فيورو يحاضر عن المطر

  • 12/12/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

إن تخيل محاضر تقرر أن يحاضر عن علاقة المطر بالشعر، يتحول فجأة، عن موضوع محاضرته الرئيسي للحديث عن اعترافاته الشخصية بجرأة فكرة مثيرة وفاتنة. فإلى أي درجة يمكن السيطرة على هذا الانزياح الخطابي وضمان نجاحه فنيا؟ انطلاقا من هذا التصور شيد الروائي المكسيكي خوان فيورو مسرحيته الصادرة مؤخرا عن منشورات «لاتينوار» بفرنسا. هذا التحول في الخطاب من خطاب علمي إلى خطاب شخصي، يذكرنا ببعض قصص تشيخوف، وهو أسلوب يناسب فن المسرح أكثر من غيره من الأجناس الأدبية. حينما نرى الممثل، أمام الجمهور في حال من الالتباس والسهو والهذيان، يترك خطابه الرسمي جانبا مستسلما لإغراء الكشف عن أشياء شخصية حميمة محرجة أو مدمرة. (محاضرة عن المطر) تعج بهذه المسندات. طيش البطل هو جزء من تقليد طويل من الاستطراد الأدبي، وأقصد بالتحديد: فن السهو أي أن ينوي البطل قول شيء، لكنه يقول شيئا آخر. في القرن الثامن عشر، كتب لورنس ستيرن تحفة من هذا النوع وهي « تريسترام شاندي»، رواية ضخمة حيث الموضوع هو تغيير الموضوع. هذا التاريخ الأدبي من الباروديا والسخرية والتحريف وغيرها دفع الروائي المكسيكي خوان فييرو إلى نسج مسندات من الاستطراد حول العلاقة بين المطر والشعر. أي جعل خطاب الاعترافات قاعدة لعرض أدبي، ولكنه مقدم بطريقة غير معتادة. يستحضر خلاله الشعراء: فاييخو، بيسوا، غوته، كورتازار، نيرودا دون أن ننسى فيرلين. تعتمد المسرحية مونولوغا لصاحب مكتبة يتميز بحالات مزمنة من الشرود التي تنتابه طوال الوقت، لكنه بالمقابل يتلقى وقائع الحياة كعواصف مطرية سيئة. بدأ كل شيء مع بمحاضرة حول جاذبية الحزينة التي تستحوذ على الشعراء في الأوقات المطيرة. على الأقل كانت الأمور ستسير خلال المحاضرة على النحو لولا أن المكتبي تاه عن ملاحظاته واستشهاداته، ولكي يملأ هذه الثغرات رممها بانقلابات أدبية مفاجئة جرد خلالها اعترافات شخصية جريئة عن رغباته واكراهاته. تحدث أيضا عن النساء اللائي تعرف عليهن: سوليداد التي قصفت متخيله اليومي والثانية لورا التي نفت يومه المتخيل. يقول عن سوليداد مثلا: «كانت الكتب تمحو كل شيء من حولي. بينما كانت سوليداد منغمسة في الواقع، تنظر إلى كل شيء بحدة، تماما كالذي «يسمع سعال الذباب.» كانت ترتعب من فأر ومع ذلك ترسل تجاهي ذبابة لتدفع مقعدي. كانت الحشرات تطيعها. استدرت فرأيتها تصرخ. وهي تحمل نسخة من العقد الاجتماعي لروسو مهددة المسيل بتمزيق صفحة. الرجل الذي اضطر إلى الفرار في إحدى العربات بسبب كتاباته، المدان من طرف السلطة الاستبدادية، المدعو جان جاك، سيخسر صفحة من مجده بسبب طغيان تحت سقف بيتي.» لم يجد الكتبيّ مهربا إلا الانكفاء على مكتبته وكتبه حيث الألفة والأمان، يخوض الحياة داخل رواياته وكأنه أحد أبطالها. وفي ذات الوقت متمثلا منفى الشعراء وغربتهم عن العالم الواقعي المخيب للآمال مرددا قول الشاعر: « يبكي فوق قلبي كما تمطر فوق المدينة»، أو « المطر أكثر جمالا عندما يسقط في الخيال». نص خوان فيورو المسرحي طريف وهائل، فيمكن أن نقرأ المحاضرة حول المطر مثل حكاية عن الاخفاق المرتب على مقاس من يعد سلفا للاختناق كل شيء يسير لدى هذا العاشق للكتب بشكل عشوائي نحو الانفصال تدريجيا عن الواقع والانغماس في الخيال. المسرحية إذن متاهة من الهذيان الشاعري الجميل بين الواقع المؤلم وخيال الكتب العذب. الروائي المكسيكي خوان فيورو من مواليد 1956 بمكسيكو. عمل ملحقا ثقافيا السفارة المكسيكية في برلين في الفترة من 1981 إلى 1984. يشتغل صحفيا متعاونا مع عدد من الصحف الناطقة باللغة الاسبانية. له مجاميع قصصية وروايات مهمة ومسرحيات تتحدث عن التغيرات الحضارية الغربية.

مشاركة :