علي بن مسعود المعشني ali95312606@gmail.com أُعلن استقلال لبنان عام 1943، وتمَّ جلاء القوات الفرنسية عن أراضيه عام 1946، ولكن لبنان لم يشذ عن بقية الأقطار العربية والتي عرفت الاحتلالات الغربية التي تخرج من الباب بجيوشها وأعلامها وتعود من النافذة بتكريس تبعيتها وعبر عملائها؛ حيث لم يُغادر المُستعمر الغربي أرضًا إلا وترك جملة من العيوب التي تُمكنه من التسلل والتواجد من خلالها، لهذا لم تنل الأقطار العربية سوى استقلالات شكلية وتحرر ناقص جعل منها أقطارًا وظيفية للمستعمر السابق واللاحق، سوى عبر محاصصة عقيمة بزعم التوافق السياسي، أو دستور مُلغم وضعه المستعمر قبل خروجه كشرط من شروط الاستقلال، أو اتفاقيات ومعاهدات مُخلة بالسيادة وضامنة لمصالح المُستعمر ومُكرسة للتبعية. ولبنان ليس شذوذًا عن القاعدة فقد تمَّ تلغيم أمنه واستقراره ووئام مجتمعه منذ عام استقلاله فتراهم جميعًا وقلوبهم شتى، فالمحاصصة بلبنان هي تكريس للطائفية والمذهبية والتشظي المجتمعي وفوق هذا هي وصفة جاهزة للحروب الأهلية يمكن استدعاؤها في أي حين؛ ليعاد إنتاج لبنان الخضوع والتبعية والولاءات الخارجية مجددًا، حتى أصبحت "اللبْنَنة" وصفة سياسية ومصطلحا دخل قاموس السياسة وموسوعة نماذج المؤامرات على الأوطان وخطفها وتهديد سلمها المجتمعي واستقرارها السياسي. ونتائج الانتخابات البرلمانية التي اختتمت، أمس، في لبنان، ما هي إلّا امتدادٌ لكل هذا المسلسل التاريخي لمفردات الاستعمار الجديد وأدواته، وزاد لبنان الديمقراطية الليبرالية الديكورية العرجاء التي تسبب الضجيج والفوضى دون أثر إيجابي على الوطن والمواطن والتي تخدم أجندات الآخرين خوفًا وطمعًا. وأكبر المؤشرات اليوم على معضلة لبنان وديمقراطيته وموروثه الاستعماري ونفوذ المال السياسي لخدمة أجندات خارجية معروفة هو خروج أقوى المرشحين من المعادلة من أمثال الأمير النائب طلال أرسلان، ودولة الرئيس إيلي فرزلي نائب رئيس مجلس النواب اللبناني الأسبق، والنائب وئام وهاب زعيم تيار الموحدين. وقد تعرض لبنان لموجات عنيفة من الإجهاد المُنظم من قبل قوى خارجية معروفة بقصد العبث بهيكله السياسي الداعم لنهج المقاومة، وكانت أقوى تلك الموجات تفجير ميناء بيروت، وإعلان إفلاس الدولة اللبنانية، والتضييق معيشيًا على المواطنين ومدخراتهم في المصارف، وتدني الخدمات الأساسية، بالتزامن مع حملات تضليل إعلامية ضخمة تسكب في عقول اللبنانيين أن سلاح المقاومة هو السبب في جميع هذه المحن، وأن رفاهية لبنان وتطوره معقود بناصية التيارات المضادة للمقاومة والمطالبة بنزع سلاح حزب الله!! بعض التقارير التي رشحت عن حجم المال السياسي الذي ضخته القوى الخارجية لتغيير قائمة الولاءات وتشكيلة مجلس النواب حملت أرقامًا مُرعبة تصل للمليارات من الدولارات؛ حيث قيل إنه تم تخصيص مبلغ 25 ألف دولار مقابل كل صوت لتعزيز نفوذ وحضور الموالين الجدد، وهذا المبلغ بطبيعة الحال كبير جدًا في ظل أسوأ ظروف معيشية عاشها لبنان واللبنانيون منذ عقود طويلة خلت. واليوم فقط يتجلى المخطط التدريجي لتجويع لبنان وحرمان شعبه من مدخراته وأبسط الخدمات ليظهر التيار الموازي بصورة المُخلص من الآلام!! وفوق كل هذا، فإنَّ ذكاء اللبنانيين وعقلهم الجمعي لا يمكن أن تنطلي عليه بيسر هكذا سيناريوهات وهو الخبير المُجرب لتفاصيل كثيرة من تاريخ لبنان السياسي. وبلغ عدد الأصوات التي يحق لها التصويت في هذه الانتخابات ما يقارب 3.5 مليون صوت، بينما بلغت نسبة المشاركة 41%، وهذا بحد ذاته مؤشر على وعي ونضوج الشعب اللبناني سياسيًا وإدراكه بما يُحاك له ولبلده، فالمُعادلة بلبنان اليوم تقوم على قاعدة "صراع الشرف والعلف" وسينتصر الشرف أخيرًا بلا شك. "جرت الانتخابات على وقع انهيار اقتصادي صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ 1850. وبات أكثر من 80% من السكان تحت خط الفقر، وخسرت الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها أمام الدولار، ولامس معدل البطالة نحو 30%. كما أتت الانتخابات بعد نحو عامين على انفجار الرابع من أغسطس 2020 الذي دمر جزءاً كبيرًا من بيروت وأودى بأكثر من 200 شخص، وتسبّب في إصابة أكثر من 6500 آخرين. ونتج الانفجار، وفق تقارير أمنية وإعلامية، عن الإهمال وتخزين كميات ضخمة من مواد خطرة تدور تحقيقات حول مصدرها، من دون أي إجراءات وقاية. ويضمّ البرلمان 128 نائبًا. والأرجحية في المجلس المنتهية ولايته هي لحزب الله وحلفائه، وأبرزهم التيار الوطني الحر الذي يتزعمه رئيس الجمهورية ميشال عون وحركة أمل برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري الذي يشغل منصبه منذ 1992". وذلك وفقًا لتقرير نشره موقع "العربية نت". قبل اللقاء.. العدو لا يتسلل عبر حدودنا؛ بل عبر عيوبنا! وبالشكر تدوم النعم.
مشاركة :