واصلت أسعار النفط الخام هبوطها أمس مسجلة أدنى مستوى لها منذ أزمة الائتمان العالمي في 2008-2009 بعد أن حذرت وكالة الطاقة الدولية من أن فائض الإمدادات العالمية قد يزداد العام المقبل. وزادت الضغوط على أسعار الخام بسبب الطقس المعتدل في الولايات المتحدة قبيل الشتاء، الذي قلص الطلب على وقود التدفئة وبسبب هبوط سوق الأسهم الأمريكية قبيل زيادة متوقعة على نطاق واسع في أسعار الفائدة. وبحسب "رويترز"، فقد تراجعت العقود الآجلة لخام برنت عن 39 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ كانون الأول (ديسمبر) 2008 وجرى تداولها منخفضة 1.07 دولار إلى 38.66 دولار للبرميل الساعة 1515 بتوقيت جرينتش. ونزلت عقود الخام الأمريكي دون 36 دولارا للمرة الأولى منذ شباط (فبراير) 2009، وخسر الخام الأمريكي 80 سنتا إلى 35.99 دولار للبرميل بعدما سجل أدنى مستوى في الجلسة 35.78 دولار للبرميل. وخسر سعر برميل النفط الخفيف "لايت سويت كرود" تسليم كانون الثاني (يناير) 28 سنتا ليصل إلى 36.48 دولار في المبادلات الإلكترونية في آسيا، أما سعر برميل البرنت نفط بحر الشمال، الخام المرجعي الأوروبي تسليم كانون الثاني (يناير) فقد تراجع 26 سنتا إلى 39.47 دولار، أي أقل من 40 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ شباط (فبراير) 2009. وتواصل أسعار الخام الهبوط منذ اجتماع منظمة "أوبك" في الرابع من كانون الأول (ديسمبر) الذي أبقى على سقف الإنتاج دون تغيير، وقال ريتشارد جوري مدير "جيه.بي.سي إنرجي" آسيا الاستشارية، "إن الربع المقبل سيكون صعبا على نحو خاص مع انتقالنا من ربع سنة ذي طلب مرتفع إلى ربع ذي طلب منخفض"، مضيفاً أنه "لا يمكن استبعاد 20 دولارا للبرميل مع تحذيرات وكالة الطاقة الدولية التي تقدم المشورة بشأن الطاقة للدول المتقدمة من أن نمو الطلب بدأ يتباطأ"، لكنه أضاف أن "من الصعب أن تنحدر الأسعار إلى ذلك المستوى". وتوقعت وكالة الطاقة الدولية أن تظل أسواق النفط العالمية تعاني تخمة المعروض حتى نهاية 2016 على الأقل في ظل تباطؤ نمو الطلب وزيادة إنتاج "أوبك"، ما سيضع أسعار النفط تحت ضغط إضافي. وقالت الوكالة "إن تخمة المعروض النفطي العالمي ستتفاقم في غضون الأشهر المقبلة بسبب الإمدادات الإضافية من إيران - عند رفع العقوبات الغربية المفروضة عليها - التي ستدفع بمزيد من النفط في المخزون"، مضيفة أن "وتيرة التخزين ستتباطأ في العام المقبل وأنه من المستبعد أن تنفد طاقة التخزين العالمية". وأشارت الوكالة في تقريرها الشهري إلى أن أسواق النفط العالمية ستظل متخمة بالمعروض حتى أواخر 2016 على الأقل، لكن إيقاع زيادة المخزون العالمي سيتراجع إلى النصف تقريبا في العام المقبل. وأشار أحدث تقرير لـ "أوبك" إلى أنه من المتوقع تراجع المعروض من خارج المنظمة بواقع 380 ألف برميل يوميا في 2016 في ظل انخفاض الإنتاج في مناطق مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق، وكانت "أوبك" قد توقعت الشهر الماضي تراجعا قدره 130 ألف برميل يوميا. ونقل التقرير عن مصادر ثانوية أن إنتاج "أوبك" الذي صعد منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 زاد 230 ألف برميل يوميا في الشهر الماضي ليصل إلى 31.70 مليون برميل يوميا، ولا يشمل الرقم إندونيسيا التي عادت إلى عضوية "أوبك" في اجتماع الأسبوع الماضي. وأبقت "أوبك" على توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط في 2016 دون تغيير عند 1.25 مليون برميل يوميا، مشيرة إلى أن الإنتاج الأمريكي من النفط المحكم وهو المحرك الرئيسي لنمو المعروض من خارج "أوبك" آخذ في التراجع منذ نيسان (أبريل) وهذا الاتجاه النزولي سيتسارع في الأشهر المقبلة بفعل عوامل شتى في مقدمتها تدني أسعار النفط وتراجع أنشطة الحفر. ونتيجة لتغيير تقديرات التقرير للمعروض من خارج "أوبك" في 2015 و2016 فمن المتوقع أن يبلغ متوسط الطلب على نفط المنظمة العام المقبل 30.84 مليون برميل يوميا بزيادة 20 ألف برميل يوميا فقط على التوقع السابق. وخسرت أسعار النفط أكثر من 60 في المائة من قيمتها منذ حزيران (يونيو) 2014 خصوصا مع زيادة المعروض وتباطؤ الطلب وتأثر بذلك عديد من كبرى الشركات العالمية العاملة في القطاع. وفقدت القيمة السوقية لأسهم شركات النفط في مختلف أنحاء العالم أكثر من تريليون دولار، فيما يواجه نحو تريليوني دولار من السندات والديون التي سوقتها شركات الطاقة والتعدين منذ عام 2010 موجة من تخفيض التصنيفات الائتمانية وسط تزايد حالات التخلف عن السداد. ويمثل شبح التعايش مع أسعار النفط عند مستوياتها الحالية وألا ترتد إلى مستوى 60 دولارا للبرميل على الأقل تحديا رئيسيا لكثير من الشركات والاقتصادات المكشوفة بفعل عوامل ليس أقلها أنها تتأهب لرفع أسعار الفائدة الأمريكية الأسبوع الحالي. ويقدر بنك "جولدمان ساكس" الذي يتوقع هبوط أسعار النفط في الأجل الطويل أن أي تفكير في انتعاش أسعار النفط أو حتى استقرارها في 2016 يجانبه الصواب، وأن الخام الأمريكي قد يفقد ما يقرب من 50 في المائة من سعره ليصل إلى 20 دولارا للبرميل. وقال البنك لعملائه "إن ثمة خطرا أن يتسبب اعتدال الطقس في الشتاء أو تباطؤ النمو في الأسواق الناشئة واحتمال رفع العقوبات الدولية على إيران في زيادة أخرى في المخزونات"، مضيفاً أن "هذه العوامل تشير ضمنا إلى أن المخاطر في الأجل القريب على التوقعات تميل إلى جانب الهبوط، وإذا تجاوزت أسعار النفط القدرة التخزينية واللوجستية فهم يعتقدون أن أسعار النفط قد تتراجع إلى مستوى تكلفة الإنتاج عند 20 دولارا للبرميل".
مشاركة :