أدى غياب الملكة «إليزابيث الثانية» عن الافتتاح الرسمي الأخير لجلسات برلمان المملكة المتحدة، في 10 مايو 2022، إلى زيادة النقاش بين المعلقين والمراقبين الغربيين حول الاتجاه المستقبلي للملكية البريطانية، وما إذا كان يجري ببطء نقل المسؤوليات إلى «ولي العهد»، الابن الأكبر للملكة ووريثها، الأمير «تشارلز»، أمير ويلز، من الملكة الحالية. ومع حضور الأمير «تشارلز»، حفل الافتتاح جنبًا إلى جنب مع وريثه المستقبلي، الأمير «ويليام»، وإلقاء الخطاب الملكي التقليدي أمام البرلمان، والذي يحدد جدول الأعمال التشريعي للحكومة للعام المقبل؛ فإن المشهد يُشير إلى أن فترة انتقالية جارية بالفعل. وفي ظل العديد من المشكلات الصحية، التي تؤثر في الملكة -96 عامًا- والتي أجبرتها على إلغاء حضور أحداث رسمية خلال عام 2021، فإن غيابها عن حضور أهم واجبات العام «دستوريًّا»، يدل على عدم قدرتها على تحمل المسؤولية إزاء مهامها في الأشهر الأخيرة. ومع الإعلان الرسمي عن غياب الملكة قبل يوم واحد فقط من إقامة الحدث السنوي، لم يكن مفاجئًا نقل واجبات ذلك اليوم إلى الأمير «تشارلز»، أطول ملك طال انتظاره في التاريخ البريطاني. ومع ذلك، كان هذا قرارًا مهمًا، حيث علقت «كارولين ديفيز»، في صحيفة «الجارديان»، بأنها «المرة الأولى منذ قرنين من الزمان التي ألقى فيها وريث العرش الخطاب في هذا المشهد الأكثر احتفالية»؛ وكانت آخر مرة قد حضرها الأمير «ريجنت»، نيابة عن الملك جورج الثالث». وتجدر الإشارة أيضًا إلى الجوانب العملية والتشعبات القانونية لقرار الملكة بعدم الحضور، بسبب سوء الحالة الصحية. وأوضح «مارك لاندلر»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، كيف كان شاغل منصب مستشار الملكة، هو من تلا خطاب الملكة إليزابيث، إبان تغيبها عامي 1959 و1963، والذي حل محله اليوم «دومينيك راب، وزير العدل في حكومة «بوريس جونسون»، وهو شخص اعتبر، أنه سيكون «شخصًا أقل ملاءمة» من أحد أفراد العائلة المالكة لإلقاء الخطاب في مجلس اللوردات». ولكي يؤدي الأمير «تشارلز»، واجبات الملكة التقليدية في البرلمان، كان على الملكة إصدار مرسوم قانوني يمرر هذه المسؤولية مؤقتًا، مع ملاحظة «لاندلر»، أن «مثل هذا التفويض للواجبات الملكية لم يصدر من قبل عن الملكة، التي تعهدت منذ جلوسها على العرش بقيامها بمهامها حتى وفاتها». وبالتالي، فإن ظهور الأمير «تشارلز»، بصفته الممثل الأعلى للعائلة المالكة في البرلمان، قد أثار تساؤلات من المعلقين والمحللين حول نقل المهام والمسؤوليات إليه. وكتبت «ديفيز»، أن هذا الحدث مَثَّل «أكثر المظاهر العامة والرسمية لعملية الانتقال»، وهو الأمر الذي «كان يجري بهدوء داخل قصر باكنغهام عدة سنوات». وبالمثل، وصفته «ريانون ميلز»، من قناة «سكاي نيوز»، بأنه «لحظة حاسمة للملكية»، والتي سيتم النظر إليها على أنها «فرصة مناسبة للتدليل على أوان عصر الانتقال»، كما وصفت «كاميلا توميني»، من صحيفة «التليجراف»، الحدث بأنه «مُصمم لإعطاء لمحة عن المستقبل الملكي». ويُعد إضفاء الطابع الرسمي على «نقل الوصاية على العرش»؛ حيث يكون الأمير «تشارلز» في الأساس صاحب سيادة في كل شيء ما عدا الاسم؛ مسألة أخرى ذات أهمية دستورية. ومع ذلك، يبدو أن العديد من المراقبين الغربيين مقتنعون بأن هذا الوضع آخذ في التطور، وإن كان ذلك بشكل غير رسمي. واعتبر «لاندلر»، أن الملكة الآن بصدد التنازل عن «مسؤولياتها لابنها الأكبر ووريثها وهي علامة واضحة على أن النظام الملكي البريطاني، قد اقترب من تفعيل الوصاية، وإن لم يتخذ شكلًا قانونيا بعد». وأوضح «بيتر هانت»، من شبكة «بي بي سي»، أن «الملك المنتظر»، يؤدي بوضوح واجبات النظام الملكي من «دون ارتداء التاج بعد»، مع تأكيد أيضًا أن «التغيير يتم من دون ضجة». علاوة على ذلك، أشار «إد أوينز»، في صحيفة «الجارديان»، إلى أن عدم حضور الملكة «إليزابيث» افتتاح البرلمان، بالإضافة إلى حالات الغياب الأخرى في المناسبات الرسمية، هو دليل على أنها «ليست على ما يرام بما يكفي لأداء الدور المتوقع منها»، وبدلاً من التنازل عن العرش، «سعت إلى التراجع بلطف عن أداء واجباتها العامة». ومن خلال تفهمه للنقاط المذكورة أعلاه، بشأن مسألة الوصاية على العرش، وصف الأمير «تشارلز» بأنه «سيكون وصيًا للعرش»، ومن هنا «يمكننا أن نتوقع رؤيته بشكل متزايد، في حين تتوارى الملكة عن الأنظار، رويدًا رويدًا»، حيث «يكاد يقترب عهدها من نهايته، ويبدأ عهد آخر». وعلى الرغم من ذلك، لا يتفق العديد من المعلقين مع فكرة كون الأمير «تشارلز»، وصيًا للعرش؛ لأن ذلك يتطلب تفعيل قانون «ريجينسي»، الذي لا يمكن تفعيله في الوقت الحالي، إلا إذا أصيبت الملكة بـ«عجز»، مؤكدين أن الملكة «إليزابيث»، ستظل قادرة على أداء واجباتها الرسمية، والأكثر سيطرة على العائلة المالكة. ومن جانبه، أوضح المؤرخ الدستوري البريطاني «فيرنون بوجدانور»، أن مثل هذا الإجراء سيتطلب إقرار «ثلاثة من خمسة من كبار الشخصيات رفيعة المستوى» -أي الوريث، رئيس مجلس اللوردات، رئيس مجلس العموم، ورئيس المحكمة العليا، رئيس محكمة الاستئناف في إنجلترا وويلز، والمعروف برئيس القضاء المدني، أن «الملكة غير قادرة بشكل دائم على أداء واجباتها»، وأنه حتى الآن «لا يوجد دليل على أن هذا هو الحال». وعند النظر إلى بروتوكولات المملكة المتحدة المعقدة، فيما يتعلق بالواجبات والأدوار التقليدية للتاج الملكي، وصف «بوجدانور»، حضور أمير ويلز الافتتاح الرسمي للبرلمان، بأنه «ابتكار دستوري» ليس إلا». وطالما ظل هذا الإطار التقليدي الطويل الأمد للنظام الملكي كما هو، «سيكون أي حل لتطويره إجراءً مقبولاً». وفي تأكيد هذا، أشارت «كارلا آدم»، في صحيفة «واشنطن بوست»، أنه على الرغم من وجود الأمير «تشارلز»، والأمير «ويليام»، في حفل الافتتاح الرسمي للبرلمان، واعتبار الأمر «لحظة صادمة»، فإن الملكة إليزابيث، «لا يبدو أن لديها أي نية للتنحي طواعية»، كون الصلاحيات الخاصة الممنوحة لوريثها تعد «إجراءً مؤقتًا»، و«ليس دائمًا». وأضاف «بوجدانور»، أنه «نظرًا إلى تطور التكنولوجيا الحديثة» -لا سيما مؤتمرات الفيديو عن بعد- «يمكن للملكة الاستمرار في أداء وظائفها الدستورية من دون أن تكون موجودة فعليا»، بينما أكدت «توميني»، بالمثل، أنها «لا تزال تتمتع بالسيطرة الكاملة لملكاتها العقلية»، وستجري اجتماعات مع كل من رئيس الوزراء، والمجلس الملكي الخاص قريبًا. ومع وضع ذلك في الاعتبار، خلص «روبرت لاسي»، في صحيفة «الجارديان»، إلى أن الملكة «مدركة إلى حد كبير لما يدور حولها»، وفي تقييمه، «إننا بعيدون جدًا عن مسألة الوصاية». وبينما أُشير إلى أن هذا الحضور «لم يكن إعلانًا بوصاية الأمير»، فقد أكدت «توميني»، أن فكرة أن الملكة «قد لا تنفذ أهم التزاماتها الملكية مرة أخرى»، تعتبر فكرة «لا يمكن تقبلها»، ومن جانبها، أوضحت «ميلز»، أيضًا أنه رغم التأكيدات أنها «مازالت تحتفظ بسيطرتها الحازمة على العائلة المالكة، ورفض أي «إشارة إلى وجود وصاية جديدة على العرش»، فإن الصور التي التقطت بالبرلمان «بدت صعبة للغاية». على العموم، أثار غياب الملكة «إليزابيث» عن افتتاح البرلمان، وحضور وريثها بدلا منها، مع غيابها بالفعل عن حضور عدد من الأحداث الأخيرة، مثل قداس ذكرى يوم الكومنولث، جراء مشكلات صحية، شكوكا عديدة حول عدم قدرتها على القيام بواجباتها، وأن عملية سياسية يجري التحضير لها، وأن البروتوكولات الأخيرة قد تم وضعها بالفعل لضمان استمرار الانتقال السلس للواجبات والمسؤوليات للعائلة المالكة، والتي تعد كفيلة بتسهيل المرحلة الانتقالية لأطول عهد ملكي في البلاد. وبالنسبة إلى مستقبل النظام الملكي في المملكة المتحدة على المدى الطويل أيضًا، فإنه رغم المشكلات المتعددة في السنوات الأخيرة، التي تهدد بتقويض مكانته في المجتمع البريطاني، فقد أكدت «ميلز»، أن الملكة «لا ترغب في فعل أي شيء لإحداث حالة من الشك والخوف لذبذبة هذا النظام»، ولكنها أيضًا «لديها ثقة في أولئك الذين سيحلون مكانها في يوم من الأيام».
مشاركة :