قلبت أسعار النفط اتجاهها الهبوطي إلى الصعود حيث قاوم ضغط ثلاثة عوامل رئيسة، بدعم من اقتراب الاتحاد الأوروبي حظر واردات الخام الروسي، والتفاؤل بأن الصين ستشهد تعافيا كبيرا في الطلب. وكانت الأسعار قد تراجعت في وقت سابق من جلسة أمس بسبب جني الأرباح بعد ارتفاعات سابقة نتيجة مخاوف تحيط بالمعروض النفطي العالمي جراء العقوبات والحظر الأوروبي للخام الروسي، والبيانات الاقتصادية الضعيفة في الصين، إضافة إلى الزيادة المحدودة في الإنتاج العالمي. وتتجه الأنظار إلى قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل لبلورة الموقف النهائي من آليات تطبيق الحظر الأوروبي على النفط الروسي واحتواء الخلافات بين الدول الأعضاء. وقال لـ"الاقتصادية" محللون نفطيون إن توقعات انخفاض الطلب كانت هي أهم أخبار الأسبوع لأسواق النفط، حيث خفضت عدة تقارير توقعات الطلب في 2022 كما أدى ارتفاع التضخم واضطرابات سلسلة التوريد إلى خسائر واسعة وتنامي التوترات في السوق المتقلبة. وأكد المحللون أنه في الوقت نفسه لم يقدم حظر النفط الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على روسيا ولا عمليات الإغلاق الصينية بسبب وباء كورونا أي تطورات جديدة وكلاهما سيستمر في التأثير في أسواق النفط في الأيام المقبلة. وقال روبرت شتيهرير مدير معهد فيينا الدولي للدراسات الاقتصادية، إن المعروض النفطي من دول "أوبك+" يواجه مخاطر التقلص المستمر بسبب انخفاض الإنتاج الروسي واستمرار ضعف الأداء في أنجولا ونيجيريا واضطرابات الموانئ التي أثرت في كازاخستان حيث كان الناتج الجماعي لدول "أوبك+" 2.7 مليون برميل يوميا دون المستوى المستهدف وهو ما يزيد من فرص ارتفاع الأسعار بوتيرة قوية مع تراجعات محدودة بسبب جني الأرباح. وذكر أن الموقف الأوروبي من حظر النفط الروسي زاد توترا وألقى ظلالا واسعة على السوق النفطية خاصة بعد إعلان ألمانيا أنها تخطط لوقف استيراد النفط الروسي بحلول نهاية العام حتى لو فشل الاتحاد الأوروبي في الاتفاق على حظر على مستوى الاتحاد الأوروبي في مجموعة العقوبات التالية. من جانبه، أوضح ردولف هوبر الباحث في شؤون الطاقة ومدير أحد المواقع المتخصصة أن السوق تترقب اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل لمناقشة الجولة التالية من العقوبات حيث طرح دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي تأخيرا في الحظر التدريجي للنفط بعد اعتراض المجر إذ إنها خطوة ستكون ضارة للغاية باقتصادها وينطبق الأمر نفسه على سلوفاكيا. وذكر أنه في المقابل تصر الحكومة الألمانية على المضي قدما في خطتها الوطنية كجزء من العقوبات الأوروبية على روسيا لتدخلها عسكريا في أوكرانيا بينما لم تعلن الحكومة الألمانية عن الدول المنتجة التي ستعوض النقص في الإمدادات إلى أكبر الاقتصادات الصناعية في الاتحاد الأوروبي. من ناحيته، قال ماثيو جونسون المحلل في شركة "أوكسيرا" الدولية للاستشارات إن العوامل الجيوسياسية ستستمر في لعب دور بارز في أسواق الطاقة كما يتعين على الحكومات في الوقت نفسه التعامل مع أعلى معدلات التضخم والتحوط لتداعيات الحرب في أوروبا الشرقية ومحاولة التخفيف من أعباء أزمة تغير المناخ. ولفت إلى أن الجمع بين الإصدارات المنسقة لاحتياطيات البترول الاستراتيجية وحظر واردات الخام والمنتجات الروسية وإلغاء مبيعات التأجير الفيدرالية ترك السوق في حالة تخبط وغياب التماسك كما انعكس عدم اليقين والتقلب في السياسة بشكل مباشر على أسعار الطاقة ولكنه سهل أيضا على المنتجين الالتزام ببساطة بخططهم الأصلية ووفر دعما لتدفقاتهم النقدية وعائدات المساهمين إلا أن العرض الإجمالي لا يزال ضيقا للغاية وتحمل المستهلكون عبئا ثقيلا. بدورها، ذكرت نايلا هنجستلر مدير إدارة الشرق الأوسط في الغرفة الفيدرالية النمساويه أن معنويات السوق سلبية وضعيفة حيث يعتقد معظم الخبراء أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيخوض هذه الحرب مع أوكرانيا على المدى الطويل وهو ما يزيد من توقعات التضخم والركود في الاقتصاد العالمي. وأشارت إلى أن المعنيين بصناعة الطاقة حول العالم يتطلعون إلى معرفة ما إذا كان الاتحاد الأوروبي قد توصل إلى توافق في الآراء بشأن حظر جميع واردات النفط الخام الروسي وما هو توقيت ذلك وبحث مدى إمكانية الوثوق والاعتماد على الإمدادات الأمريكية كبديل حيث تستمر معدلات استخدام المصافي في الولايات المتحدة في الارتفاع مع تنامي الطلب في موسم القيادة الصيفي مرجحة استمرار الأسعار القياسية للنفط على المدى القصير. وفيما يخص الأسعار، ارتفع النفط أمس بعد أن حظي بالدعم مع اقتراب الاتحاد الأوروبي من حظر واردات الخام الروسي، والتفاؤل بأن الصين ستشهد تعافيا كبيرا في الطلب بعد إشارات إيجابية على انحسار جائحة كورونا في المناطق الأكثر تضررا. وكانت الأسعار قد تراجعت في وقت سابق من الجلسة بفعل جني المستثمرين للأرباح، وإجراءات الإغلاق واسعة النطاق في الصين وبيانات اقتصادية صينية ضعيفة أثارت المخاوف من ركود عالمي. وبحسب "رويترز"، ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 1.34 دولار أو 1.2 في المائة إلى 112.89 دولار خلال التعاملات أمس، في حين زادت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 2.22 دولار، أو 2.1 في المائة، إلى 112.71 دولار للبرميل. وقال مسؤول في شنغهاي أمس إن المدينة تهدف إلى معاودة الفتح على نطاق واسع والسماح باستئناف الحياة الطبيعية لسكانها البالغ عددهم 25 مليون نسمة اعتبارا من الأول من حزيران (يونيو) بعد انحسار الإصابات. ومع ذلك، تشير التقديرات إلى أن 46 مدينة في الصين تخضع للإغلاق مما أثر في التسوق وإنتاج المصانع واستخدام الطاقة. في غضون ذلك، سجلت العقود الآجلة للبنزين الأمريكي أعلى مستوى لها على الإطلاق أمس الإثنين، إذ أدى انخفاض المخزونات إلى تأجيج مخاوف الإمدادات. كما وجدت أسعار النفط بعض الدعم حين أعرب دبلوماسيون ومسؤولون من الاتحاد الأوروبي عن تفاؤلهم بشأن التوصل إلى اتفاق بشأن حظر مرحلي للنفط الروسي على الرغم من مخاوف بشأن الإمدادات في أوروبا الشرقية. وقالت باربارا لامبريشت محللة الطاقة لدى كومرتسبنك إن انخفاض أسعار النفط قبل صعودها "يرجع أساسا إلى البيانات الاقتصادية الصينية الضعيفة، إذ تؤثر إجراءات الإغلاق بشكل مباشر في ثاني أكبر سوق في العالم". وأظهرت أحدث بيانات صينية انكماش مبيعات التجزئة في نيسان (أبريل) بنحو 11 في المائة مقارنة بمستواها قبل عام، في حين انخفض إنتاج المصانع 2.9 في المائة على أساس سنوي. من جانب آخر، ارتفعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 112.37 دولار للبرميل الجمعة مقابل 109.30 دولار للبرميل في اليوم السابق. وذكر التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أمس أن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق ثالث ارتفاع على التوالي وأن السلة خسرت نحو دولارين مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 114.37 دولار للبرميل.
مشاركة :