دخل الصراع الروسي - الفرنسي على النفوذ في مالي مرحلة حاسمة، حيث زادت حدة الاتهامات المتبادلة بين الطرفين فيما تميل الكفة تدريجيا لصالح موسكو التي ترى فيها باماكو بديلا مناسبا للتواجد العسكري الفرنسي على أراضيها. وفيما تتهم موسكو باريس بانتهاك سيادة مالي، تستغل فرنسا الحرب في أوكرانيا لتذكير روسيا بالانتهاكات الحاصلة هناك. وآخر فصول هذا الصدام الروسي – الفرنسي في مالي، نشر الجيش الفرنسي عبر وسائل إعلام غربية صورا التقطتها طائرة مسيرة، قال إنها لمرتزقة روس يدفنون جثثا قرب قاعدة عسكرية في بلدة غوسي (شمال)، بهدف اتهام الفرنسيين بترك مقبرة جماعية وراءهم. بينما يزعم الجيش المالي أنه أول من اكتشف المقبرة الجماعية في غوسي في الحادي والعشرين من أبريل الماضي، بعد سيطرته على القاعدة العسكرية إثر انسحاب الجنود الفرنسيين منها في التاسع عشر من ذات الشهر. صدام متواصل الوضع ينبئ بأن مالي مقبلة على مواجهات أكثر عنفا وضراوة بين الجيش المالي المدعوم من روسيا وفاغنر والجماعات المسلحة الوضع ينبئ بأن مالي مقبلة على مواجهات أكثر عنفا وضراوة بين الجيش المالي المدعوم من روسيا وفاغنر والجماعات المسلحة ما أثار غضب المجلس العسكري المالي، ليس فقط اكتشاف المقبرة الجماعية بالقرب من قاعدة غوسي، وإنما ما اعتبره اختراق فرنسا لسيادة بلاده، والتجسس على أراضيها دون إذن. وليست هذه المرة الأولى التي تتهم فيها باماكو الطيران الفرنسي باختراق أجوائها دون إذن مسبق، ما جعلها تقرر “الإنهاء الرسمي لاتفاقية التعاون الدفاعي المبرمة مع فرنسا في 2014″، وكذلك “النهاية القانونية للاتفاقيات في 2013 و2020 بشأن عملية برخان الفرنسية، وعملية تاكوبا الأوروبية”، ابتداء من الثاني من مايو الجاري. واعتبرت فرنسا أن قرار مالي “غير مبرر”، خاصة وأنها قررت في يونيو 2021 سحب قواتها من البلاد بشكل تدريجي إلى غاية أغسطس 2022. وحظي الموقف الفرنسي بدعم أوروبي، حيث أعلنت ألمانيا في الرابع من مايو إنهاء مشاركتها في مهمة التدريب التابعة للاتحاد الأوروبي في مالي (تاكويا)، لكنها أعربت عن استعدادها لمواصلة مهمة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في البلاد وفقا لشروط معينة. وقالت وزيرة الدفاع الألمانية كريستينا لامبريشت “في ظل الحكومة الانتقالية الحالية في مالي هناك خطر من أن الجنود الماليين الذين دربتهم ألمانيا يمكن أن يقاتلوا مع القوات الروسية ويرتكبوا انتهاكات قاسية لحقوق الإنسان.. لا يمكننا دعم مثل هذا النظام بعد الآن”. روسيا الحليفة الجديدة للسلطات الانتقالية في مالي اتهمت باريس بالتضليل ودعتها إلى احترام سيادة مالي وتعيد مقبرة غوسي الجماعية التذكير بمجزرة مورا بمنطقة موبتي (وسط)، التي وقعت ما بين الثالث والعشرين والحادي والثلاثين من مارس الماضي، والتي خلفت 300 قتيل، أغلبهم مدنيون، على يد قوات مالية ومرتزقة يعتقد أنهم يتبعون شركة فاغنر الروسية، بحسب منظمة “هيومن رايتس ووتش” (حقوقية). بينما تقول رواية مالي إن قواتها قضت على 203 إرهابيين، واعتقلت 51 آخرين، في عملية واسعة استخدمت فيها 5 مروحيات نقل جنود ومروحيات قتالية، في مورا، حيث تنشط جماعة ماسينا، التي يتحدر أغلب عناصرها من قبائل الفولاني، والمتحالفة مع تنظيم القاعدة. وعقد مجلس الأمن الدولي جلسة مغلقة حول مالي في الثالث من مايو، بطلب من روسيا، بعدما اتهمت مالي فرنسا بالتجسس عليها، في رسالة وجهتها لـ193 دولة عضو في الأمم المتحدة. وكان النقاش داخل المجلس حادا، بعدما اتهمت السلطات الانتقالية المالية فرنسا بانتهاك سيادة أجوائها، بينما نفت فرنسا ذلك، واعتبرت أن التقاط طائرتها المسيرة لصور في غوسي كان وفقا لما نص عليه اتفاق 2013، بحسب إذاعة فرنسا الدولية. واتهمت روسيا الحليفة الجديدة للسلطات الانتقالية في مالي، باريس بالتضليل، ودعتها إلى احترام سيادة مالي، واشتبهت في وجود تلاعب في المقبرة الجماعية في غوسي على غرار المقابر الجماعية في بلدة بوتشي في ضواحي العاصمة الأوكرانية كييف، التي اتهمت القوات الروسية بارتكابها عقب الانسحاب منها. وردت عليها باريس بتذكيرها بالسيادة الأوكرانية، في إشارة إلى العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ودعت إلى إجراء تحقيق مستقل حتى يتم التعرف رسميا على هؤلاء الرجال الموجودين في مقبرة غوسي الجماعية. حيث تحولت جلسة مجلس الأمن المغلقة إلى تبادل الاتهامات بين فرنسا وروسيا حول انتهاك سيادة مالي وأوكرانيا، وارتكاب مجازر في البلدين. ومطالبة باريس بكشف هوية الجثث في مقبرة غوسي الجماعية راجعة إلى اشتباهها في أنهم قتلوا في مناطق أخرى، خاصة أن القوات المالية التي تحقق في الواقعة لم تكشف بعد هوية الجثث. مصير غامض انشغال روسيا بالحرب لم يمنعها من مراقبة مصالحها في مالي انشغال روسيا بالحرب لم يمنعها من مراقبة مصالحها في مالي في يونيو المقبل ستقرر الأمم المتحدة ما إذا كانت ستجدد مهمتها لحفظ السلام في مالي، التي يبلغ قوامها 14 ألف جندي وشرطي، أم ستنهيها، في ظل توتر العلاقات الفرنسية – المالية بشكل حاد. كما من المنتظر أن تنسحب القوات الفرنسية من مالي في أغسطس المقبل كما أعلنت باريس عن ذلك مسبقا وتصر على بقائها إلى غاية هذا الموعد، أو في مايو الجاري، كما طلبت باماكو بذلك عقب إنهائها الاتفاقيات الدفاعية مع فرنسا بضع القوات الأممية في شمال البلاد في مأزق. فالقوات الأممية ورغم تعدادها الكبير نسبيا، إلا أنها ليست قوات قتالية بإمكانها مواجهة الجماعات المسلحة سريعة الحركة ومطاردتها في صحراء شاسعة، بل قد تصبح عرضة لهجماتها. وأغلب القوات الأممية من ألمانيا ومن دول غرب ووسط أفريقيا الخاضعة للنفوذ الفرنسي، ما قد يجعل إنهاء مهمة حفظ السلام أمرا غير مستبعد، خاصة بعد إتمام انسحاب القوات الفرنسية التي توفر لها الدعم العسكري واللوجيستي. ألمانيا أعلنت إنهاء مشاركتها في مهمة التدريب التابعة للاتحاد الأوروبي في مالي مساندة للموقف الفرنسي لكن ألمانيا لم تعلن بعد سحب عناصرها من القوات الأممية، وإن قررت سحب جنودها وضباطها في قوة تاكوبا الأوروبية، ما يؤكد أن مصير القوات الأممية في مالي لم يحسم بعد. وهذا الوضع الغامض، حذر منه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، لأن مالي “قد تنهار” إذا سحبت المنظّمة الدولية القبعات الزرق منها، مقترحا “تشكيل بعثة عسكرية أفريقية بتفويض قوي من مجلس الأمن الدولي”. ويشبه هذا المقترح القوات الأفريقية في الصومال المدعومة من مجلس الأمن، والتي توفر لها الأمم المتحدة الدعم المالي واللوجيستي. وهو إشارة إلى إمكانية سحب الدول الأوروبية عناصرها من القوات الأممية في مالي. بالمقابل، تعول باماكو على الدعم العسكري الروسي في مواجهة الانفلات الأمني في الوسط، وربما في مرحلة لاحقة بالشمال. إذ رغم انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا إلا أن ذلك لم يمنعها من تزويد مالي بعتاد عسكري ثقيل، بينه مروحيتين قتاليتين في مارس الماضي، و4 مروحيات في أكتوبر 2021. كما أرسلت روسيا نحو 800 عنصر من فاغنر، بحسب إعلام أوروبي، للتدريب وللمشاركة في العمليات القتالية ضد الجماعات المسلحة. وهذا الوضع ينبئ بأن مالي مقبلة على مواجهات أكثر عنفا وضراوة بين الجيش المالي المدعوم من روسيا وفاغنر والجماعات المسلحة بمختلف توجهاتها بمن فيهم متمردو الطوارق في الشمال، وما جرى في مورا عنوان عريض لما قد يحدث في قادم الأيام. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :