تونس - تستعد تونس لاستئناف تصدير الفوسفات ولو بكمية أدنى بكثير مما كان يفترض، فيما يتزايد الطلب العالمي على هذه المادة التي تستخدم في صناعة الأسمدة الزراعية بسبب الحرب التي تخوضها روسيا في أوكرانيا. وارتفعت أسعار الأسمدة الزراعية بنحو ثلاثة أضعاف منذ نهاية فبراير/شباط ومن المتوقع أن تواجه الأسواق العالمية شحا في مادة الفوسفات بسبب تداعيات الحرب بين دولتين من كبار مصدري الأسمدة الزراعية. وأشعل الغزو الروسي لأوكرانيا أسعار النفط والغاز والحبوب والأسمدة الزراعية وسط تحذيرات خبراء دوليين من تهديدات جدية للأمن الغذائي العالمي وخاصة في الدول الإفريقية التي تعتمد على معظم احتياجاتها الغذائية والزراعية من كل من موسكو وكييف. وفي المقابل فإن الحرب حفزت في الوقت ذاته كثيرا من الدول على الاتجاه لتعزيز إنتاجها الزراعي الذاتي وتأمين السيادة الغذائية وتفادي الوقوع مستقبلا عرضة للتوترات الجيوسياسية، لكن هذا الأمر سيستغرق وقتا للتخلص من التبعية الغذائية للخارج. وتعرض قطاع الفوسفات الحيوي لضربة موجعة بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011، حيث فقدت تونس معظم الأسواق مع تراجع الإنتاج من نحو 8 ملايين طن سنويا إلى 600 و800 ألف طن سنويا في أحسن الأحوال. وتحولت من ثالث منتج عالمي للفوسفات إلى دولة مستوردة فقد اضطرت في عام 2020 لأول مرة لاستيراد هذه المادة. وتسببت الاحتجاجات الاجتماعية والإضرابات العمالية في تعطيل إنتاج الفوسفات الذي كان يشكل مصدرا مهما لإيرادات البلاد بالعملة الصعبة، لكن استئناف الإنتاج قد يبعث بإشارات ايجابية لجهة تعزيز الإيرادات وأيضا لتغطية احتياجات السوق المحلية. ويعاني قطاع الزراعة في تونس من نقص في الأسمدة التي أصبح استيرادها مكلفا بالنسبة للمزارعين بينما تعيش البلاد أزمة مالية طاحنة. واستئناف الإنتاج والتصدير من جديد خاصة في ذروة تداعيات حرب روسيا في أوكرانيا على القطاعات الزراعية في العالم يشكل فرصة لتونس لالتقاط الأنفاس واستعادة مكانتها في الأسواق العالمية والاستفادة أيضا من ذروة الأسعار وهو ما من شأنه أن يساعد الدولة التونسية على تخفيف حدة الأزمة المالية، بينما يبقى الهدف الأساس العودة لمستوى الإنتاج لما قبل ثورة يناير/كانون الثاني 2011 أي 8 ملايين طن سنويا. وقد يبدو بلوغ هذا الهدف أمرا صعبا، لكن الاتجاه الحالي لتهيئة الظروف لاستقرار سياسي قد يساعد على المضي في إستراتيجية إحياء القطاعات المتعثرة وإصلاح ما أفسدته منظومة الحكم السابقة التي حكمت البلاد طيلة عشر سنوات. وتوقع مسؤول في شركة فوسفات قفصة المملوكة للدولة، تصدير 300 ألف طن هذا العام و600 ألف طن في العام المقبل وهي شحنات أقل بكثير مما كانت تصدرها تونس لأسواق عالمية في 2010. وأضاف أن تونس التي تستأنف تصدير الفوسفات هذا العام لأول مرة منذ 11 عاما تشهد طلبا من البرازيل وتركيا وباكستان وإندونيسيا وفرنسا. كما تأمل الوصول إلى أكثر من 300 ألف طن هذا العام و600 ألف طن العام المقبل. وقال المدير المركزي للإنتاج في تصريح لوكالة تونس افريقيا للأنباء، إن إنتاج شركة فوسفات قفصة بلغ في الربع الأول من العام الحالي 1.3 مليون طن من الفوسفات التجاري على الرغم من توقف نشاطها بإقليم الرديف (جنوب تونس) منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بسبب الاعتصامات التي نفذها عدد من المعطلين عن العمل المطالبين بالحق في التشغيل. وتكبدت شركة فوسفات قفصة خسائر مالية كبيرة وعجزت عن تحويل قرابة 1.4 مليون طن من الفوسفات التجاري نحو مصانع المجمع الكيميائي التونسي. ورغم ذلك تضاعف إنتاج تونس من الفوسفات إلى 1.3 مليون طن في الربع الأول من 2022 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي رغم البداية المتعثرة للإنتاج مطلع العام الجاري حيث لم تتمكن في الأسابيع الأولى منه من تحقيق ما رسمته من أهداف، مسجلة نقصا تساوي نسبته 23 بالمئة بالمقارنة مع الإنتاج المتوقع منذ بداية العام. وزاد تعطل الإنتاج بإقليم أم العرايس المحاذي لإقليم الرديّف، في تعكر الوضعية، بما يعني أن الشركة حُرمت مما لا يقل عن 50 ألف طن من الفوسفات التجاري في الشهر الواحد من إقليم الرديف، وما لا يقل عن 40 ألف طن من إقليم أم العرايس في الشهر الواحد أيضا. ويحول محتجون دون عمليات تصدير مخزون كبير من الفوسفات إلى الخارج فضلا عن حوادث طالت حركة نقل الفوسفات بواسطة قطارات الشحن ما أثر على نسق تزويد مُصنّعي الأسمدة بمادة الفوسفات. ويُعتبر قطاع المناجم أحد أهم القطاعات الحيوية التي تساهم في الحد من عجز الميزان التجاري التونسي، حيث احتلت تونس إلى حدود سنة 2010 المركز الخامس من حيث إنتاج الفوسفات، والمركز الثاني من حيث إنتاج مشتقات الفوسفات. غير أن حجم العائدات المتأتية من مبيعات الفوسفات ومشتقاته شهد تراجعا هاما بعد الثورة نتيجة الحراك الاجتماعي والاعتصامات بالحوض المنجمي الذي عطل الإنتاج والنقل والذي كانت له انعكاسات سلبية كبرى على التوازنات المالية للشركة وللدولة. وتبعا لذلك، شهد إنتاج الفوفسات تراجعا ملحوظا خلال الفترة الفاصلة بين سنتيْ 2011 و2020 مقارنة بسنة 2010. وقد بلغ إنتاج الفوسفات خلال سنة 2021 مستوى 3.726 مليون طن مقابل 2.830 مليون طن سنة 2020 مسجلا بذلك تحسنا نسبيا بـ 32 بالمئة مقارنة بسنة 2020 وتراجعا قدره 54 بالمئة مقارنة بنسق الإنتاج العادي لسنة 2010 (8 ملايين طن) كما سجل إنتاج مشتقات الفوسفات من حامض فسفوري وأسمدة تراجعا هاما نتيجة نقص كميات الفوسفات المنقولة إلى مصانع التحويل، فيما أدّى النقص في إنتاج ونقل الفوسفات إلى تراجع حاد في صادرات المشتقات خلال الفترة 2011- 2021 مقارنة بسنة 2010 مما انجر عنه فقدان القطاع لبعض الحرفاء الاستراتيجيين وخسارة تموقعه في بعض الأسواق العالمية. وتضع شركة فوسفات قفصة إنتاج 5.5 ملايين طن هدافا خلال هذا العام وهو هدف يبقى رهين الوضع الاجتماعي الذي يشهد احتقانا متزايدا بين الفينة والأخرى.
مشاركة :