تناولنا في الحلقة الماضية أهمية قيام الهيئات العليا للمدن، وتركز الحديث حول أهميتها لتفعيل إشكالات (الإدارة المحلية)، بالذات تنسيق وإدارة الخدمات، فهذا سيكون في صالح سكان المدينة، لأنه: يسرع في تقديم الخدمات الأساسية، ويحسن إدارتها وصيانتها وتشغيلها. وأيضا يساعد على تنمية الموارد المالية عبر معالجة حالة الهدر في تنفيذ المشاريع، ويقضي على (ظاهرة الحفر والدفن) التي لا تنتهي في أحيائنا السكنية. الاهتمام بإدارة الخدمات والتأكد من جودتها مهم وضروري أن يكون في أولويات الهيئات حتى تكون أداة مؤثرة وممكنة في التنمية المحلية، وحتى لا تكون مجرد توسيع للقطاع العام. الذي نرجو أن يكون في قائمة أولوياتها ويحظى باهتمام وعناية قيادات هذه الهيئات وجهازها التنفيذي هو الجانب التنموي الإستراتيجي. في كل من الأحساء والطائف ثمة قيمة مضافة لاقتصاد المنطقة ولاقتصادنا الوطني. ما نتمناه من الهيئتين الجديدتين هو العمل على تحقيق وإنجاز مشروع نوعي للمحافظتين في السنوات القريبة، خصوصًا المشاريع النوعية المطروحة في أغلب برامج الرؤية. ففي البرامج أهداف إستراتيجية نوعية، وفي المحافظتين إمكانات كبيرة لم تستثمر. أولا الطائف، هذه المحافظة الجميلة ارتبطت بأمور أساسية تستحضرها ذاكرتنا الجماعية وهي السياحة، والزراعة، والسوق التاريخي (عكاظ). بالنسبة للسياحة.. كانت الطائف هي المصيَف التاريخي لبلادنا في العقود الماضية، وهذه الميزة استقطبت أنشطة تجارية واستثمارية في الماضي، ولكنها لم تتطور وتستوعب الطلب المتزايد على السياحة المحلية. هذا يتطلب من الهيئة العليا للطائف تبني (إنشاء مدينة سياحية) تتضمن الأنشطة التي عُرفت بها الطائف مثل سوق عكاظ، مهرجان الورود والفواكه وغيرهما مما تميزت به الطائف. ورد الطائف أصبح علامة تجارية مميزة بعد الاستنفار الإيجابي الذي شهدناه في السنوات الماضية للاستفادة من زراعة الورود، وبداية الاهتمام كانت مع إطلاق المهرجان الزراعي والسياحي والثقافي عام 1426هـ، وتميزت المحافظة بهذا المهرجان نظراً لتوفر نحو 860 مزرعة ورد غالبيتها في منطقتي الهدا والشفا. هذه المزارع أغلبها تملكها عائلات اشتهرت بصناعة الورود، بعضها مستمر وبعضها خرج وثالث يترنح. نحتاج استعادة هذه الصناعه وتطويرها وتمكينها وتحويلها إلى أنشطة استثمارية مربحة لهذه العائلات حتى تحافظ وتنمي خبرتها في صناعة الورود، وفي هذا مكاسب اجتماعية اقتصادية. هذه المدينة سوف تساعد على توطين صادرات الورود. هذا التوجه للصناعة يوجد القاعدة القوية لتطوير صناعة العطور في المملكة. وقرب الطائف من الأماكن المقدسة يقدم فرصة لتسويق منتجات الصناعه كهدايا للحجاج والمعتمرين. والوضع مع الورد ينسحب على زراعة الفواكة، فالطائف اشتهرت بأنواع من الفواكه الموسمية مثل المشمش والخوخ، والتين الشوكي الشهير المعروف بـ(البرشومي)، إضافة إلى الرمان والسفرجل والتوت والعنب. وهذه الفواكه أصبحت الآن، مع الورود، عنصر جذب سياحي واستثماري. بالنسبة لمحافظة الأحساء، بالإضافة إلى الموقع الإستراتيجي اللوجستي المهم، أيضا تميزت الأحساء بجودة منتجاتها الزراعية بالذات تمورها. فالأحساء تعد أكبر واحة زراعية على مستوى السعودية، وتضم ثروة زراعية كبيرة، إضافة إلى قرابة 3 ملايين نخلة تنتج نحو 120 ألف طن من التمور سنويًّا. ولا ننسى موروثها التاريخي والثقافي، مثل ميناء العقير الذي يُعد من المواقع التاريخية المهمة في السعودية بصفته أول ميناء بحري فيها. أيضًا فيها المواقع الأثرية مثل الحصون التاريخية والجوامع والينابيع والقنوات المائية التي تم تسجيلها في منظمة اليونسكو بوصفها أحد مواقع التراث العالمي. في الأحساء أمام الهيئة العليا للعمل فرصة لانشاء (تجمع صناعي متخصص في صناعة التمور) في المدينة الصناعية في سلوى. هذه المدينة بحجمها الكبير (300 كيلومتر مربع)، وبموقعها المتميز تقدم الفرصة لقيام مدينة سعودية لصناعة التمور وتسويقها وتصديرها بدل التشتت الواسع لتجميع وتغليف التمور الذي يهدر مكتسباتنا الوطنية من زراعة التمر. وتتيح فرصة دمج صناعة التمور بالأنشطة السياحة. المدينة الصناعية في المحافظة هدفها الأساسي هو تنمية الصناعات الغذائية وتسويقها. الصناعات الغذائية المولدة من التمور هي نقطة الضعف الكبرى في بيئة الصناعة الوطنية، ولم تجد اهتمام حكومي يعظم الاستفادة منها، وهي جانب سلبي في مشواره الصناعة السعودية، رغم توفر المواد التحويلية الأساسية لقيام صناعات غذائية رئيسية. فالمملكة تحتل المركز الثاني عالمياً بإنتاج التمور حيث بلغ إنتاجها لعام 2020 ما يقارب 1.55 مليون طن، حصة الصادرات منها 215 ألف طن، أي ما يشكل 14 % من إجمالي الإنتاج المحلي للتمور. كما تعد المملكة من أعلى الدول نمواً للصادرات بمعدل نمو سنوي بلغ 11 %. نتمنى أن لا يتكرر هذا الوضع مع صناعة السياحة. وهذا الذي يجعلنا نعول على قيام مدينة لصنعة السياحة في الطائف فمكونات وشركاء النجاح متوفرة. قيام هذه المدن المتخصصة في: صناعة الورود والفواكه، وفي صناعة التمور، وفي صناعة السياحة في المحافظتين له انعكاسها ايجابي مباشر على توسيع الاستثمارات في المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وأيضا تولد فرص عمل في الصناعة والخدمات المساندة لها. هنا نرى أهمية دخول صندوق الاستثمارات العامة لتمويل هذه المبادرات التنموية الإستراتيجية، وكذلك الصناديق المتخصصة الحكومية الأخرى، والصناديق الوقفية لتمويل هذه المشروعات الإستراتيجية. أية توجهات تدعم التنمية المكانية في المناطق نفرح بها لأن هاجسنا هو تدعيم الجبهة الداخلية وتحقيق السلام الاجتماعي.
مشاركة :