مقال رأي: الولايات المتحدة الاستثنائية تظل استثنائية في عمالة الأطفال

  • 5/17/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

سردت مجلة ((كوزموبوليتان)) في عدد شهر سبتمبر عام 1906 قصة زعيم قبلي من الأمريكيين الأصليين قام بجولة في نيويورك. عندما سئل هذا الرجل عن الشئ الذي وجده أكثر إثارة للدهشة في هذه المدينة الحديثة، أجاب ببطء بثلاث كلمات "الأطفال الصغار يعملون". من المؤكد أن دهشة هذا الزعيم القبلي كانت ستزداد لو كتب له زيارة الولايات المتحدة اليوم. فعلى الرغم من إدعاءاتها بدعم حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، إلا أن الولايات المتحدة تسمح بعمل الأطفال في الزراعة دون شرط الحد الأدنى للسن. وفي الواقع، يعتبر القانون الأطفال مستعدين للعمل في الوظائف الزراعية الخطرة عندما يبلغون سن 16 عاما. وللأسف، يعتبر الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاما ويعملون في الحقول أكثر عرضة للوفاة بأربعة أضعاف مقارنة بأماكن العمل الأخرى، وفقا لوزارة العمل الأمريكية. قد يجادل البعض بأن عمالة الأطفال في الزراعة محمية قانونا بموجب قانون معايير العمل العادل، لكن لم يطرأ أي تغيير جوهري على هذا القانون منذ اعتماده في عام 1938 رغم التطور السريع في التكنولوجيا والأتمتة والأدلة المتزايدة على المخاطر المهنية. ووفقا لإحصاءات وزارة العمل، فإن الزراعة تعد واحدة من أكثر الوظائف فتكا في الولايات المتحدة، فهي أكثر فتكا بمرتين من إنفاذ القانون، وبخمس مرات من مكافحة الحرائق، وبـ73 مرة من الخدمات المصرفية الاستثمارية في وول ستريت. وعلى الرغم مما يساق من مبررات بما فيها تعزيز القدرة على التحمل وتطوير أخلاقيات عمل جيدة، إلا أن التعرض لحوادث النقل والمشاكل الميكانيكية والملوثات والسموم يهدد حياة الأطفال الكادحين في الحقول. وتتفاقم المخاطر أمام أطفال المزارع مع ساعات العمل الطويلة، التي لا تقتصر على القانون الفيدرالي أو قانون الولاية، إذ يعمل الأطفال في بعض الولايات 72 ساعة في الأسبوع أو أكثر من 10 ساعات في اليوم. وفي عام 2012 وحده، أصيب ما لا يقل عن 1800 طفل أمريكي أثناء الزراعة. وبين عامي 2003 و2016، حدثت أكثر من نصف الوفيات المسجلة بين الأطفال في مكان العمل في الولايات المتحدة في حوادث مرتبطة بالزراعة. ويشكل عمال المزارع أقل من خُمس القوى العاملة من الأطفال في أمريكا، ومع ذلك فقد كانت حالات الوفاة بين هؤلاء في الفترة من 2003 إلى 2013 أكثر من جميع الأطفال العاملين الآخرين مجتمعين. وعندما يتعلق الأمر بتخفيف معاناة الأطفال العاملين في الزراعة، فإن العدو الأكبر هو الولايات المتحدة نفسها. فقد اقترحت وزارة العمل بالفعل قوائم عمل خطرة محدثة في المزارع في عام 2011، كانت ستخرخ الأطفال من معظم أعمال التبغ، إلا أن هذا الاقتراح قد أثار ردة فعل غاضبة من مجموعات المصالح، الذين جادلوا بأن تكلفة العمالة سترتفع بشكل كبير في الإنتاج الزراعي، ونجحوا في إقناع وزارة العمل في النهاية بالتراجع عن مخططها الجديد. ولا يستطيع الأطفال العاملون في المزارع، الذين يبلغ عددهم حوالي 500 ألف، أن يضغطوا من أجل الإصلاح بمفردهم لأنهم لا يحق لهم التصويت، الذي يعتبر الأداة الوحيدة التي يمتلكها الجمهور للتأثير على أجندة الحكومة، ناهيك عن تشكيل دائرة انتخابية يمكن للسياسيين الطعن فيها في الانتخابات. ولا يقتصر عدم الالتزام بإنهاء عمالة الأطفال على حدود الولايات المتحدة. فمن بين جميع الدول الأطراف في منظمة العمل الدولية، صدقت الولايات المتحدة على اتفاقيات دولية أقل مقارنة بمعظم الدول الأخرى. واحدة من تلك الاتفاقيات التي لم توقع عليها الولايات المتحدة هي اتفاقية الحد الأدنى للسن، والتي تنص على أن "الحد الأدنى للسن ... يجب ألا يكون أقل من سن إكمال التعليم الإلزامي، ويجب ألا يقل في أي حال عن 15 عاما". من الواضح جدا أن مستقبل أمريكا يفسح المجال أمام المصالح المباشرة للأثرياء والأقوياء. ولا يتمتع كل طفل بطفولة نموذجية. ولا يزال الكثير من الأطفال يعانون من اختفاء طفولتهم. ومع ذلك، يبقى عدد قليل من الدول والحكومات لم يفعل شيئا لأكثر من 80 عاما. وإذا كان هذا هو ما يعنيه "كونك استثنائية"، فإن الولايات المتحدة تفي بوعدها فيما يتعلق بعمالة الأطفال.

مشاركة :