«الشرق الأوسط» في مهرجان دبي السينمائي الدولي (3): دبي تجمع مخضرمي السينما العربية مع نجومها الشباب

  • 12/12/2015
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

عندما حطت المخرجة الهندية ديبا مهتا في مطار دبي قبل أربعة أيام كانت تباشر ثاني زيارة رسمية لها لمهرجان دبي، إذ سبق لها وشاركت في دورة 2005 عبر فيلمها «بوليوود - هوليوود». بعد عشر سنوات تعود كرئيسة للجنة التحكيم المؤلفة من خمسة أعضاء، إذ يصاحبها كل من المخرجة الإماراتية نجوم الغانم والممثل المصري خالد أبو النجا والمخرجة العراقية ميسون الباجه جي والمخرج الأسترالي توم زويرسكي. المهمّة دقيقة وإن كانت ليست صعبة على خبراء في حقولهم مهما تعددت آراؤهم. مهتا، التي تعيش وتعمل في مدينة تورونتو حاليًا، كانت خبرت لجان تحكيم مختلفة حول العالم، بما فيها تلك التي شاركت في مهرجاني «كان» و«مراكش»، وهي تعلن، عن صواب، كيف أن المهرجانات تختلف، فتقول لمجلة «سكرين» اليومية هنا: «السمعة السريعة في مهرجان مثل كان وتورونتو قد ترفع الفيلم وقد تهدمه». هذا ما هو ليس في متناول اليد هنا في حاضرة مهرجان دبي. الجوائز تتوزع على أكثر من قسم. ليس هناك من أنفاس تلاحق المخرجين وترفعهم عنوة أو تودي بهم. هناك مسابقة عادلة شديدة التمسك بمبدأ ديمقراطية التصويت والعمل بها. في بعض الأحيان، كالدورة التي ترأسها المخرج الأميركي مايكل شيمينو، هناك خلافات تستعر بين الأعضاء، لكن ما حدث عام 2007 لم يتكرر بعد ذلك، وإن فعل فقد بقي في حدود فقاعات ضئيلة. ما ينظر إليه أعضاء لجنة التحكيم التي ترأسها ديبا مهتا (وهناك لجنتان لمسابقتين أخريين) في هذه الدورة هو الحكم بين 19 فيلمًا عربيًا، كل منها يشكل نقطة ضوء على صعيد ما. الفوز يعني الكثير لأفلام متنوعة حيث تلتقي إبداعات مختلفة بعضها، بالضرورة أفضل من بعض. لكن نسبة لعدم وجود سوق عربية تساند الأفلام الفائزة أو غير الفائزة التي تمر في أي من مهرجاناتنا العربية، فإن الخسارة تبقى شخصية، كذلك الربح أيضًا. ومع غياب السوق ومع طبيعة المهرجان الإدارية والتنظيمية وطبيعة اهتمامات مسابقاته فإنه لا مجال لـ«سمعة سريعة» ترفع أو تهدم الفيلم، لأن المعيار هنا ليس كغيره في أي مكان. أكثر من ذلك أن المودة والألفة وحسن المعاملة التي تشمل الجميع بتوازن مفقود في المهرجانات العربية الأخرى على هذا النحو تمنح المهرجان مراتب عليا، وتؤمن له تلك الأرضية الصلبة التي يتمتع بها كل سنة. يتجلّى هذا في الكثير من النواحي الإدارية والاحتفالية، من بينها ذلك الاهتمام الكبير بمنح جوائز التكريمات إلى المنتخبين للمناسبة، وهم الممثل المصري عزت العلايلي والممثل الهندي نصر الدين شاه والممثلة الفرنسية كاثرين دينوف. على المنصّة المزهوة دائمًا بألوانها وشخصياتها، قام الشيخ منصور بن محمد بن راشد آل مكتوم بتسليم الممثل المصري عزت العلايلي جائزة تكريمه، ووقف الممثل الذي لمع تحت إدارة مخرجين كثيرين خلال عقود عمله التي تتجاوز الأربعين سنة، محييا الجمهور وشاكرًا هذه اللفتة التي تعيده إلى الحدث من جديد. الممثل الجزائري سامي بوعجيلة هو أيضًا من بين الذين يشملهم التكريم، لكنه مشغول حاليًا بكونه عضو لجنة التحكيم في مهرجان مراكش، وربما استطاع القدوم لتسلم تكريمه قبل نهاية هذه الدورة في السادس عشر من هذا الشهر. مهرجان دبي أقيم ليبني سينما جديدة ويهتم في الوقت ذاته بالسينما النوعية الحاضرة. لذلك فإن أفلام مخرجين مخضرمين وذوي تجارب واسعة مثل محمد خان («قبل زحمة الصيف»)، ومي المصري («3000 ليلة»)، وحكيم بلعباس («ثقل الظل»)، تتلاقى على نحو غير متنافر مع أفلام مخرجين جدد مثل نورا كيفوركيان («23 كيلومتر») وليلى بوزيد («على حلة عيني») وفارس نعناع («شبابك الجنة») ورفقي عساف («المنعطف»)، وهالكوت مصطفى («كلاسيكو») وسواهم. وما يقال عن هذه المسابقة يقال أيضًا عن المسابقتين الموازيتين، مسابقة «المهر الإماراتي»، التي يرأسها المنتج والمخرج الدنماركي كيم مانوسون، ومسابقة «المهر القصير والخليجي القصير»، التي مُنحت رئاستها للآيسلندي فردريك ثور فردركسون. والمهر القصير والخليجي القصير نهج جديد قد يحتاج إلى اسم آخر موحد («المهر الخليجي القصير») مثلاً، ويبدو أن مسابقته التي تنضوي على ثلاثين فيلما، تشمل مسابقة «المهر القصير» التي كانت تقام منفصلة، ومسابقة الأفلام الخليجية القصيرة، التي كانت مهرجان «الخليج»، الذي توقف في العام الماضي بعدما كان المهرجان المتخصص بعرض كل الإنتاجات الخليجية دون سواها. هذه، إذن، ثلاث لجان تحكيم يرأس كل منها أجنبي، ما يطلق العنان لسؤال حول لماذا تسند هذه المهام هذا العام لثلاثة أجانب من دون أي عربي في القمة؟ (لم يكن الحال كذلك في بعض الأعوام السابقة ومنها العام الماضي). ليس هناك من جواب جاهز، والمسألة قد لا تعدو أكثر من صدفة، أو نسبة للخوف من جدال لاحق عادة ما يدور بين المشاركين والمتنافسين العرب الذين قد يأخذون على رئيس لجنة التحكيم، إذا ما كان زميلاً عربيًا، ما قد يفسرونه بالتحيّز إذا ما خرج البعض خاسرًا. في رحى كل ذلك أتت ترشيحات الغولدن غلوبس لتثير نسمة من القبول المريح، كون عدد ملحوظ من الأفلام المرشحة وشخصياتها هي من تلك المعروضة هنا، ومن بينها فيلم «غرفة» الذي افتتح المهرجان، و«سبوتلايت» الذي فاز بثلاثة ترشيحات كأفضل فيلم درامي، وأفضل إخراج (توم ماكارثي)، وأفضل سيناريو (ماكارثي وجوش سينجر). باقي الأفلام الأخرى وجدت طريقها إلى مهرجان دبي وإلى ترشيحات الغولدن غلوبس الـ73 «شباب» و«بروكلين» و«ارتجاج» و«موستانغ». هناك تيمات كثيرة في هذه الدورة، من بينها الأفلام التي تتحدث عن الهجرة، وتلك التي تتناول الإسلام، والأخرى التي تدور حول الوضع في سوريا، وذلك بالإضافة إلى الأفلام التي تعاود طرح القضية الفلسطينية من زوايا كثيرة، كونها ما زالت ماكثة على كاهل المنطقة والعالم بلا حل. عندما يأتي الأمر إلى الوضع السوري فإن وجود فيلم سوري في مسابقة «المهر العربي»، بدوره نتاج تمويل مشترك من جهات سورية ولبنانية وإماراتية وتركية بعنوان «جلد»، وبوجود فيلم يمثل بريطانيا عنوانه «قصة حب سوريا» في برنامج «ليالي عربية»، يقدّم المهرجان في هذه الدورة نموذجين لما يمكن اعتباره أعمالاً تطرح الوضع السوري الحالي من جوانب مختلفة، من دون الابتعاد عن السياسة ذاتها. بالطبع لا يفوتنا نموذج ثالث كان حصد جائزة مهرجان القاهرة السينمائي الأخير، وهو «بانتظار الخريف» لجود سعيد، الذي ينتمي إلى الداخل أكثر من النموذجين الآخرين، إن لم يكن بموضوعه الأكثر تآلفًا مع الواقع المعيش على نمط عريض، فمن حيث إنه يمثل، إلى حد كبير، وجهة النظر الرسمية في مجريات الأمور الواقعة داخل ذلك الوطن الذي يعيش حربًا طاحنة منذ خمس سنوات. كما في كل وضع مشابه، هناك ثلاثة أنواع من الأفلام يمكن أن يُمارسا من قِبل السينمائيين الراغبين: النوع المؤازر لوجهة نظر الدولة، والنوع المعارض لها، والنوع الذي يريد أن يهرب من المسؤوليتين الأولى والثانية بشق طريق يبدو الأمر فيه كما لو كان تخلصًا من أعباء كل ما يدور، حتى وإن أدّى ذلك إلى تهميش الفيلم نفسه. وعلى نحو طبيعي، تكاثرت الأفلام التسجيلية (أو غير الروائية) المصنوعة في داخل سوريا أو في خارجها خلال السنوات الثلاث الأخيرة. فيلم رشيد مشهراوي «رسائل من اليرموك» هو أحد أفضلها ويربط بين كيف يعيش الفلسطينيون وقع المأساة السورية في مخيم اليرموك وبين كيف عاشوا الوضع ذاته خلال الحقب التي أطاحت بقراهم وبلداتهم الفلسطينية، ومثل «مشوار» للمخرج ماير الرومي المبتعد عن الجاهز من المواقف لكن من دون أن يخطو إلى السذاجة. إنه دراما عاطفية ذات رقّة ورغبة في تجاوز المألوف من الحكايات: سائق تاكسي شاب (عمّار الحاج أحمد) وفتاة عاشقة (ألكسندرا قهوجي) يقرران السفر إلى طهران في رحلة بعيدًا عن دمشق، فيركبان القطار في رحلة إلى الساحل ومن ثم في باخرة تعبر اليم بعيدًا، ثم يعودان إلى العاصمة المثقلة بأحزانها من دون أن تتقدّم علاقتهما أو تطرد. أراد المخرج ميار الرومي توظيف الرحلة كتجربة وجدانية لها سوابق ومثقلة بمتاعب مختلفة. كل شخصيات الفيلم القليلة تعاني من ذلك الثقل الاجتماعي الملقى عليها، وفي المقدّمة بطلا الفيلم اللذان يدركان أن الوجهة الصحيحة لعلاقة كهذه تحت عبء التقاليد الاجتماعية صعبة. في هذا الإطار ما قدّمه مهرجان دبي في الدورة قبل الماضية عندما عرض محمد ملص فيلمه «سلم إلى دمشق» الذي تميّز بقدرته النقدية، مستخدمًا سلاح الرمز.

مشاركة :