احتفى العدد الجديد من نشرة اللجنة الدولية للمتاحف الإثنوغرافية بالتراث الثقافي العربي، حيث ضم مشاركات لمتخصصين عرب، شكلت إضاءات مهمة للتراث الثقافي، خاصة في كل من الإمارات ومصر والكويت وتونس والمغرب وفلسطين وسلطنة عمان وسوريا، فمن مصر نتعرف على متحف شرم الشيخ، والذي يعد واحدا من أحدث المتاحف المصرية التي تم افتتاحها، ومن فلسطين المتحف الفلسطيني، ومن الإمارات متحف الشندغة بدبي، ومن سلطنة عمان نتعرف على التراث الحرفي في متاحفها الحكومية والخاصة، ومن المغرب نتعرف على فن التبوريدة، ومن تونس عرض لواقع وآفاق مستقبل متاحف التراث التقليدي، هذا بالإضافة إلى أن العدد ضم قراءات في الوضع الراهن والآفاق المستقبلية للمتاحف عربيا وعالميا. المتحف الفلسطيني تكشف حنين صالح مسؤولة الإعلام والعلاقات العامة في المتحف الفلسطيني أنه استكمالا لعمله في الحفاظ على الإرث المادي الفلسطيني، وعلى توثيق الذاكرة الفلسطينية المرتبطة بهذا الإرث، نجح المتحف الفلسطيني أوائل هذا العام باستعادة مجموعة مكونة من 240 قطعة تراثية من بينها 82 ثوبا تاريخيا مطرزا من الولايات المتحدة، لتنضم هذه المجموعة القيمة إلى مجموعة المتحف الفلسطيني الدائمة. وكانت هذه المجموعة التاريخية قد ارتحلت من فلسطين إلى الولايات المتحدة الأمريكية قبل ثلاثة عقود، إذ تم اقتناؤها وحفظها من قبل سيدات فلسطينيات وعربيات ـ أمريكيات، من لجنة الحفاظ على التراث الفلسطيني، في العاصمة الأميركية واشنطن. وتقول مدير عام المتحف الفلسطيني، د.عادلة العايدي "ما يميز التطريز الفلسطيني إنه ممارسة يومية تميزت بها المرأة الفلسطينية على امتداد جغرافيا فلسطين وفي مختلف المراحل التاريخية، هذه المجموعات من التطريز التي يعرضها المتحف الفلسطيني، تختلف عن مجموعات قد تعرض متاحف حول العالم تضم ثياب تاريخية للعائلات المالكة أو للطبقات الأرستقراطية، بل هي أثواب في أغلبها للفلاحات الفلسطينيات في عملهن اليومي وفي أفراحهن وأحيانا أخرى أحزانهن. تشكل هذه المجموعة والتي نجح المتحف في استعادتها أداة هامة لرواية التاريخ الاجتماعي الفلسطيني. أثواب الانتفاضة شرعت نساء مخيم قلنديا وقرى الخليل، فيصنع "أثواب الانتفاضة" خلال انتفاضة عام 1987، وفي الوقت الذي كان يصادر الاحتلال الأعلام الفلسطينية، ويمنع رفع أي رموز وطنية، بدأت النساء بتطريز العلم والخارطة وغيرها من الرموز على أثوابهنوحين ارتدت النساء تلك الأثواب، جعلن من أجسادهن سبل مقاومة، فمن يستطيع انتزاع العلم في المظاهرات، لا يستطيع انتزاع الثوب عن أجساد من يرتدينه. متحف شرم الشيخ يناقش د. شنودة رزق الله من وزارة السياحة والآثار دور المتحف في الحفاظ على هوية المجتمع تطبيقا على العرض المتحفي لمتحف شرم الشيخ بمصر، حيث يلفت إلى أن ما يتفرد به متحف شرم الشيخ أنه معرض إثنوغرافي يلقى الضوء على مجتمع بدو سيناء ويوثق الهوية المجتمعية لهم، فيعرض لخيام من شعر الماعز والأزياء التراثية لبدو سيناء "ثوب سيدة سيناء، والبرقع، والمجوهرات والحلي والاكسسوارات. ويؤكد أنه على الرغم من أن محتوى تراث سيناء في المتحف قد يحتاج إلى تحسين في المستقبل حتى يكونأكثر شمولا، بحيث يتضمن تراث المزيد من القبائل البدوية، إلا أن عرض المتحف الحالي يمكن اعتباره بداية جيدة لإظهار التراث والهوية المجتمعية المحلية في المتاحف في مصر اليوم. متحف الشندغة تسعرض منى القرق مدير إدارة المتاحف، هيئة دبي للثقافة والفنون انطلاقة متحف الشندغة وتلقي الضوء على طبيعته وما تحتويه أقسامه من تراث ثقافي إماراتي، تشير إلى أن المتحف يدعو الزائرين لاستكشاف التراث العمراني الفريد لدبي والذي تم الحفاظ عليه لتصور الطريقة التي نمت وتطورت بها المجتمعات التقليدية الإماراتية. تأثرت العمارة التقليدية في دبي والتي يعود تارخيها لأواخر القرن التاسع عشر بالتصاميم الإسلامية، إلى جانب التطبيقات الدارجة ومواد البناء المحلية بالإضافة إلى أساليب البناء الإقليمية والظروف البيئية فضلا عن احترام التقاليد الدينية والاجتماعية. تتميز طرز العمارة بالبساطة والغرض الوظيفي وكذلك المتانة والتكيف المناخي. كانت الأبنية المبكرة مصنوعة من الحجر وأوراق وجذوع النخيل ويتم طلاؤها بالطين بدلا من طبقة الملاط. لكن في وقت لاحق تم استخدام مواد بناء أقوي مثل الحجر المرجاني والذي يتم جلبه من البحر، بالإضافة إلى الجص من محاجر الملح الواقعة في خور دبي، إلى جانب بعض الأخشاب المستوردة من الهند، وقد تم استخدام الحجر المرجاني المجفف وأحجار الشاطئ بكثرة في بناء الأبنية التقليدية في دبي "الهياكل والجدران" وخاصة في المباني المشتركة الأربعة للإمارة مثل أبراج المراقبة، والمساجد والأسواق والمنازل. وتضيف أن متحف الشندغة يركز في مهمة الجمع الميداني على المقتنيات الأثرية والإثنوغرافية ليس فقط من دبي وإنما من كافة أراضي الإمارات العربية المتحدة. يقوم المتحف أيضا بجمع المقتنيات المتعلقة بالتاريخ الاجتماعي والاقتصادي الخاص بالشعب الإماراتي مع التركيز بشكل خاص على دبي. كما يضم المتحف أيضا مجموعة من عينات التاريخ الطبيعي وذلك لتسليط الضوء على المواد الخام للأدوية والغذاء وما إلى ذلك من تلك المناطق التي استوردت منها دبي هذه المواد الخام. يطمح المتحف من خلال تحقيق الأهداف التعليمية من خلال الأنشطة التعليمية التي تمارس في جناح اكتشاف الأطفال. التراث الحرفي العماني تقول رحمة الفارسي استشاري التراث الثقافي بسلطنة عمان "تعرض العديد من المتاحف الحكومية والخاصة في سلطنة عمان في قاعاتها التراث الحرفي لعمان بشكل جذاب، فعلى سبيل المثال لا الحصر تسلط قاعة الأرض والانسان في المتحف الوطني الضوء على التراث الحرفي لعمان. حيث تعد الصناعات الحرفية العمانية تجسيدا ملموسا للدولة وشعبها في الماضي والحاضر؛ وذلك لأنها توثق مختلف أنماط الحياة في السلطنة، وتعبر كذلك عن القيم الثقافية التي تشتهر بها؛ والتي من ضمنها الإسلام، وكرم الضيافة، والجود، والترابط الاجتماعي، وتعرض هذه القاعة المخصصة لأرض عمان وشعبها؛ كيف أن جغرافية الأمكنة، والموارد المتوفرة قد شكلت العديد من الثقافات؛ وذلك على المستويين المحلي والوطني على حد سواء. وتركز هذه القاعة أيضا على أهمية الموارد المائية في عمان، وما تفرضه حياة الصحراء على سكانها، إضافة إلى ثراء الواحات، وعزلة الجبال، وكذلك توضح التعددية الثقافية في المناطق الساحلية. إن المسار من الحاجة إلى الفن موضح هنا؛ وذلك من خلال عرض الأزياء التقليدية والحلي، وكذلك الأسلحة المستخدمة في المناسبات الرسمية، وغيرها من الصناعات الحرفية؛ والتي تلبي الحاجات الأساسية للبقاء، إضافة إلى كونها من الأولويات الفردية والجماعية، والتي تعكس مظاهر الزينة، والهوية، والتعابير الدينية. فن التبوريدة المغربية يقول الشرقي دهمالي نائب رئيس المنظمة العربية للمتاحف، مدير متحف الاتصالات بالمملكة المغربية أن "لعب البارود" أو "التبوريدة" هو تقديم استعراضي للفرسان المغاربة يعود تاريخه إلى القرن السادس عرش. هذه الملحمة الاستعراضية نجدها مستوحاة من الأحداث التي رافقت أزمنة الحروب القديمة في المغرب خاصة تلك التي تكون ضد الغزاة الأجانب. كما أن تجسيد هذا الفن الخاص بالفروسية يشكل تعبيرا ملموسا عن العلاقة العميقة والقوية بني الإنسان والحصان في بعدها الإنساني والديني، حيث نجد أن الإسلام قد كرم الخيل وجعلها "زينة" لمن يركبها. يحتفي هذا الفن الاستعراضي كذلك بالمكونات المادية للصناعة التقليدية المغربية، حيث يرتدي الفرسان ملابس خاصة تتكون من الجلباب "الجلابة"، و"السلهام"، والنعل الجلدي المنمق، وعصابة الرأس "الرزة". أما الخيول فهي منمقة بقطع حريرية مطرزة وبسروج مغربية تقليدية مزينة بتطريز يدوي. وتختلف ملابس وإكسسوارات الفرق من منطقة لأخرى، حيث نجد مثًلا أن فرسان مناطق الصحراء المغربية يتميزون بارتداء الزي الصحراوي المغربي ويقومون بإطلاق بارود البنادق في الأرض وليس نحو السماء. وكاعتراف دولي بعراقة هذا الفن الاستعراضي المغربي قامت منظمة اليونسكو بإدراج "التبوريدة" المغربية في قائمة التراث العالمي غيري المادي في 16 ديسمبر/كانون الاول 2021.
مشاركة :