لم تزل وسائل الإعلام والتثقيف الصحي تحذر الناس من أضرار الدهون ومخاطرها حتى أصبحت شبحاً يطارد الجميع، حتى من يتسمون بندرتها في أجسامهم، وظهر سباق محموم للتخلص من الدهون من دون مناقشة ولا فهم، وتبارت وسائل التواصل الاجتماعي في تقديم الوصفات المنزلية، ومن الصرعات الأكثر انتشاراً حيث باتت ضيف شرف على طاولات المكاتب والبيوت، كحلّ سحري لراغبي النحافة، قنينة ماء منكّهة بشرائح الليمون، وعود من القرفة، أو شرائح الخيار، فهل تلك الوصفات غفل عنها الأطباء حتى يلجأوا الى عمليات تصغير المعدة للسيطرة على الوزن؟ نوضح من خلال هذا التحقيق أهمية الدهون في الجسم وأسباب تراكمها والطرق الصحية لحرقها. الدهون علم واسع، فشق منها مهم وحيوي لجسم الإنسان، وآخر ضار في حالة الإكثار منه وتراكمه واكتنازه بالجسم، هكذا بدأ د. محمد نبيل الشوبري استشاري أمراض الجهاز الهضمي والكبد في كلية الخليج الطبية وتابع قائلاً: الشق الحيوي للدهون هي الفيتامينات المهمة للجسم، مثل E وA وD وK، والهرمونات، والدهون البروتينية ومشتقاتها الفسفورية، التي تغير ملامح الدهون، لتكون ذائبة في المحاليل، أو غير ذائبة. فالدهون من العناصر الأساسية في تكوين جدار كل من الخلايا، وأعضاء الجسم البشري، وحفظ الأعضاء، كما أنها تعد أكبر مخزون للطاقة في الجسم، حيث يتم عن طريقها نقل بعض الإشارات، وبعضها يساعد على التمثيل الغذائي للدهون وحرقها، مثل الكرنيتين، والبولي برينول. ويسبر د. محمد نبيل الشوبري أغوار تلك الآلية لحرق الدهون في الجسم قائلاً: تتم عن طريق ما يسمى بالتأكسد B، الذي يحدث في الخلايا عن طريق الميتكوندريا، الذي يعطي طاقة عالية، ليتم الحصول على منتجات الدهون للجسم، من خلال الدهون الثلاثية، والكوليسترول، والدهون الفسفورية، كما توجد منتجات مهمة للجسم، وهي كما ذكرنا سابقاً الفيتامينات الدهنية (A،E،D،K)، أوميغا 6، أوميغا 3، التي يتم الحصول عليها عن طريق ما نتناوله من غذاء، والموجودة في الزيوت النباتية، مثل دوار الشمس، والذرة، وفي المكسرات، ونبات الصويا، وزيت السمك فهو مهم للغاية، فتلك المنتجات تساعد على النمو، والتمثيل الغذائي، وترفع المناعة، وتمنع السرطانات، وأمراض القلب، وهناك بعض الدراسات التي لا يعول عليها كثيراً، جاء فيها عدم وجود علاقة بين السمنة، ومستوى التغذية بالدهون، وبينها وبين الأورام، أو الإصابة بأمراض القلب. ويضيف: ولكن في حقيقة الأمر بعض الدهون عامل رئيسي حال ارتفاعها في الدم والجسم، الى جانب عوامل أخرى، تؤدي للإصابة بالعديد من الأمراض، منها على سبيل المثال، السكر العصبي، الاكتئاب، وأمراض السكري، كما يشير الى عدم ممارسة الرياضة حيث يلعب دوراً كبيراً في سرعة ظهور تلك الأمراض، لنستخلص من ذلك أن الحياة منظومة متكاملة تعتمد على التغذية السليمة، وممارسة الأنشطة، الى جانب الهوايات النافعة للتمتع بصحة جيدة وبنية سليمة. ويؤكد د. أحمد فخري الحميري اختصاصي القلب في المستشفى الكندي التخصصي، المضمون نفسه قائلا: تعتبر الدهون مكوناً أساسياً من مكونات الجسم، يتم تكوينها في الكبد وتدخل في بناء جدار الخلايا، وتكوين الهرمونات، كالاستروجين، والتستستيرون، إضافة الى دورها الفعال في تكوين العصارة الصفراء، التي تساهم في هضم الطعام، والجدير بالذكر أن للدهون ثلاثة أنواع، هي الكوليسترول الضار، فهو سبب رئيسي لحدوث الأزمات القلبية، والجلطات الدماغية، والنوع الثاني الكوليسترول المفيد للجسم، حيث يقيه التعرض للأزمات القلبية، والجلطات الدماغية، وأخيراً الدهون الثلاثية التي تشارك في تكوين الانسدادات والتضيقات الشريانية. يضيف د. فخري: لذا تشكل زيادة تلك الدهون خطورة الإصابة بالأزمات القلبية، والجلطات الدماغية، عن طريق ترسبها في بطانة الشرايين، التي تؤدي الى نقص في تروية القلب والدماغ، كما يعتبر الكوليسترول صاحب الدور الأساسي في عملية تصلب الشرايين، مؤدياً الى ارتفاع ضغط الدم، وتعود تلك الزيادة لأسباب غذائية نتيجة الإفراط في تناول الدهون، وزيادة الوزن، وقلة ممارسة النشاطات الرياضية، التي تساهم بشكل كبير في حرق الدهون، إلى جانب أسباب وراثية، ربما تؤدي الى زيادة تكوين الكوليسترول أو خلل في تصريفه، ومن الأسباب الأخرى المؤدية لارتفاع الدهون في الجسم، بخلاف نتائجه الثانوية لأمراض أخرى كالسمنة المفرطة، داء السكري، خمول الغدة الدرقية، ارتفاع معدل الكورتيزون في الجسم، والعجز الكلوي المزمن. ولعل السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان ما هي الأعراض المصاحبة لارتفاع الدهون في الدم؟ يقول د. أحمد فخري: ليس هناك أعراض محددة، لذا ينصح بإجراء فحص دوري سنوي لنسبة الدهون في الدم، للفئة التي لديها تاريخ مرضي في العائلة بارتفاع نسبة الدهون في الجسم، أو لأسباب مرضية، ويتطرق بالحديث عن طرق العلاج فيقول: نعول كثيراً على زيادة الوعي الصحي، فارتفاع الدهون في الدم ليس بالمرض المزمن، فمن السهل السيطرة عليه بطرق عدة، أولاها تغيير نمط الحياة، بالاعتماد على التمارين الرياضية المنتظمة، التي من شأنها رفع نسبة الكوليسترول المفيد للجسم، مع اعتماد نظام الطعام الصحي المتوازن، بالابتعاد عن الأغذية الدسمة، التي تحتوي على كميات كبيرة من الأحماض الأمينية المشبعة، وفي حالة عدم الاستجابة للحمية الغذائية، مع الحالات المتقدمة يتم اللجوء لأنواع مختلفة من الأدوية الفعالة، التي يتم اختيارها حسب الحالة الطبية. حلم الرشاقة يدفع الكثيرين ممن تساورهم الرغبة في تحسين مظهرهم، بتخفيض وزنهم الزائد، للركض وراء كل ما هو جديد في عالم التنحيف، وتخفيض الوزن، من دون مراعاة للصحة العامة، وظهرت في الآونة الأخيرة الكثير من الصرعات، التي يتم تداولها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها وصفات حرق الدهون المنزلية، وفي هذا الإطار يتحدث د. محمد يونس أخصائي التغذية قائلاً: تعيد تلك الوصفات الى أذهاننا ما كان يتم تداوله قديماً، من وصفات العطارين للعلاج، أو لأغراض الصحة العامة، مما ليس له أي اساس علمي من الصحة، فالوصفة الأكثر انتشاراً بخلط بعض المواد الغذائية مثل الليمون، التفاح الأخضر، الخيار، الكرفس، الملفوف، الأناناس، الى جانب التكميلي منها مثل القرفة، الكمون، الزنجبيل، فاستخدام تلك الوصفات في عمل مشروبات، يتم تناولها وفق نظام معين، بهدف تخسيس مناطق معينة من الجسم، وتعديل قياساتها، وتقليل الشهية، هي محض خيال، يستغل منه البعض حالات الاكتئاب، التي يصاب بها البعض من جراء وزنهم الزائد، والملل من الإخفاق في اتباع حميات غذائية بأنظمتها المتعددة، إلى جانب عدم القدرة على ممارسة الرياضة نظراً لضيق الوقت لدى البعض. ويردف د. محمد يونس: رغم ذلك لا ننكر فوائد تلك المواد الغذائية، فهي مصدر للفيتامينات والمعادن، والألياف التي تفيد الجسم بشكل عام، بل إن بعضها يستخدم لعلاج بعض المشكلات الصحية، مثل غلي حبوب الكمون لمعالجة انتفاخ القولون، والأناناس لتحسين الهضم لاحتوائه على انزيم البروميلين، والقرفة لطرح السوائل الزائدة خارج الجسم، والزنجبيل لإدارة مستويات السكر في الدم، لمساعدة مرضى السكري، كما يساعد على طرد الغازات، وعلاج اضطرابات المعدة، وعسر الهضم، والمساعدة في تقوية الجهاز المناعي، لمقاومة الأمراض المختلفة، وكذلك تقليل الغثيان الصباحي للحوامل، وعلاج لأمراض المسالك التنفسية العليا مثل الكحة والتهاب الحلق. ويضيف د. يونس: أما الليمون فيحتوي على فيتامين C، حيث يعمل على تنظيف الجسم من السموم، والتفاح متعدد الفوائد فهو مصدر للألياف الذائبة وغير الذائبة، التي تساعد على صحة الجهاز الهضمي، وكذلك للفيتامينات، والملفوف غني بفيتامين C والألياف، لذلك يعد جيداً في عمل الشوربات، ولكن لا يفضل الإفراط في تناوله لاحتوائه على عنصر الكبريت، الذي يتسبب بتهيج القولون. أما القرفة فهناك اختلاف على مفهوم استعمالها، فالقرفة التي تساعد على زيادة معدلات الحرق بنسبة طفيفة، تسهم في رفع التمثيل الغذائي بحيث يتم حرق 50 أو 60 سعراً حرارياً إضافياً، وليس الآلاف من السعرات الحرارية، هذا هو المقصود بالقرفة، وليس غلاف القرفة الذي يتم تناوله، إذ إنه يحتوي على الكومارين، وهي مادة تسبب تلف الكبد، عند كثرة استخدامها، وبالتالي ينصح بتقليل استهلاكها. كما ينصح د. يونس بعدم اتباع الخلطات غير معروفة المصدر، والتي لا تستند إلى أي أساس علمي صحيح، فهناك دراسات تحذر من خلط بعض المواد مثل الزنجبيل مع القرفة، وهما عنصران مهمان في معظم الخلطات المعروفة، والمقترحة لحرق الدهون، لأن هذا الخلط يؤدي الى تكوين مواد تعتبر ضارة بالصحة على المدى البعيد، ورغم كونها دراسات ليست مؤكدة بشكل نهائي، ولكن يمكن الأخذ بها في الاعتبار، خصوصاً اذا كانت النتائج المرجوة من هذه الخلطات وهمية وغير صحيحة. فالأساس في تخفيض الوزن، هو الحميات الغذائية المتوازنة، المصحوبة بشرب الماء بشكل جيد، جنباً الى جنب مع الرياضة، التي تساعد على زيادة الحرق، واتباع التمارين المختلفة التي تركز على مناطق معينة في الجسم، بهدف تنسيق شكل الجسم. كما يشير إلى أن الحميات القاسية التي يتبعها البعض، خصوصاً الفتيات والسيدات قبل المناسبات المهمة، بغرض تخفيض الوزن بشكل سريع، طرق غير صحية، فأضرارها أكثر من فوائدها، فنزول الوزن بشكل غير صحيح، ينجم عنه سوء التغذية، وهدم العضلات، وخسارة الجسم للسوائل، ما يعتبر فقداناً مزيفاً للوزن، فتصبح النتيجة عكس المطلوب، فالتخفيف بشكل مفاجئ وغير تدريجي، لا يؤدي الى تحسين شكل الجسم، بل الى مشكلات غير مرغوبة، مثل ترهل الجلد، وشحوب البشرة، وفقدان الطاقة لأداء المهام اليومية، وعدم خفض الوزن بالشكل المطلوب، فضلاً عن نقص الفيتامينات الذي ينجم عنه تساقط الشعر، واسوداد منطقة تحت العين، ما يعطي مظهراً مرضياً للشخص الذي يتبع تلك الأنظمة غير الصحية. وينتقل د. محمد يونس بالحديث إلى الحميات الغذائية المتوازنة التي يعتمدها أطباء التغذية، فهي تحافظ على التوازن الصحي للجسم، وإمداده باحتياجاته الغذائية المطلوبة، مع إنقاص كمي ونوعي للسعرات غير المرغوب فيها، يرافقه شرب الماء، كي يساعد على تسريع العمليات الحيوية، وتنقية الجسم من السموم، ومخلفات حرق الدهون، وترطيب الجسم بشكل عام، والبشرة بشكل خاص، لإعطاء المظهر الصحي الحيوي، الى جانب ضرورة ممارسة الرياضة، لما لها من فوائد جيدة على الجسم والصحة، وحتى نكمل المثلث الصحي لإنقاص الوزن، والحصول على الشكل المرغوب المناسب للفئة العمرية، والحالة الصحية، من دون الاندفاع وراء الأوهام التي لا تنفع ولكنها تضر بالجسم. الجميع يبحث عن الوزن والجسم المثالي، وهنا تكمن أهمية معرفة كل شخص لشكل جسمه، هكذا تستهل د. لما النائلي اخصائية التغذية حديثها قائلة: لدينا أربعة أشكال متنوعة للأجسام، شكل التفاحة، شكل الإجاصة، شكل الساعة الرملية، وشكل المستطيل، فشكل التفاحة، عندما يكون الجزء العلوي (الأكتاف والصدر) من الجسم، ومحيط البطن، أكبر من الجزء السفلي أي عند الوركين، وشكل الإجاصة، هو عندما تكون منطقة الوركين، أعرض من الجزء العلوي للجسم، مع خصر نحيف، وشكل الساعة الرملية، عندما يتساوى الجزء العلوي في الحجم مع الأوراك ولكن الخصر يكون نحيفا، أما الشكل المستطيل، الذي تتوازى أجزاء الجسم أي الجزء العلوي، والخصر والوركين. تضيف د. لما: لذا من يقول بوجود وصفات لتنحيف مناطق معينة من الجسم خيال محض، يفتقر الى أسس علمية، بينما يمكننا تقليل الدهون في الجسم بحسب الشكل الذي ننتمي إليه، ومن هذا المنطلق يمكن الانتقال من شكل التفاحة الكبيرة إلى شكل التفاحة الأقل حجماً، وهو الذي يليق بنا أكثر. وتشير د. لما النائلي الى أساس الحفاظ على جسم رشيق، ووزن صحي وسليم، هو ممارسة الرياضة بانتظام، واتباع أسس غذائية صحية ومتوازنة، فهنالك بعض الأطعمة التي تسمى بالسوبر فودز، وهي غنية بمضادات الأكسدة، والفيتامينات، والمعادن، والمواد المغذية، التي تساهم في تحسين مناعة الجسم، وتقوي فعالية الخلايا، مثل السلمون، السبانغ، اللوز، الزنجبيل، الشمندر، الشاي الأخضر، الشوفان، اللبن اليوناني، الكايل، الكينوا، التوت، البروكولي، الكرات، بذور الشيا، وبذور الكتان التي تحتوي على الكثير من الأوميغا3، الى جانب سبيرولينا وهو من الطحالب المعزز للصحة (يجفف ويصبح مسحوق السبيرولينا)، الذي يتألف من البروتين الكامل 62 ٪، ما يعني أن كل ملعقة (٧ غرامات) من هذا المسحوق، تعطي 4 غرامات من البروتين الكامل، وبهذا يتم الحصول على جميع الأحماض الأمينية الأساسية، مثل الميتيونين، والسيستيين، والليزين، التي لا يستطيع الجسم إنتاجها، كذلك فالسبيرولينا تمنح الجسم جرعة رائعة من الفيتامينات ب، بيتا كاروتين، وفيتامين إي، المنغنيز، الزنك، النحاس، الحديد، والسيلينيوم، والأحماض الدهنية الأساسية، والمواد المضادة للأكسدة، كما ان لهذا المسحوق دوراً في تطهير الكبد، وخفض الكولسترول، وتنظيم نسبة السكر في الدم، وتقليل الالتهاب، وتعزيز جهاز المناعة، وحتى تثبيط الحساسية. وتضيف د. لما: توجد وصفة تحتوي على السبيرولينا ومواد مغذية كثيرة أخرى، تتكون من موزة واحدة ناضجة، كوب واحد من التوت المجمد، كوب واحد من السبانخ، كوب واحد من الكرنب، 3/4 كوب من الماء أو حليب اللوز أو ماء جوز الهند، ملعقة واحدة كبيرة من بذور شيا، ملعقة صغيرة واحدة من السبيرولينا، كما بالإمكان إضافة حبتين من التمر، لإضفاء بعض الطعم الحلو، نضع كل المقادير معاً في الخلاط، ولجعلها أقل سماكة، يمكن أن نضيف بعض الماء، أو حليب اللوز أو ماء جوز الهند. تردف د. لما النائلي: هناك وصفة أخرى لعشبة القمح فهي من القلويات الممتازة، ولديها خصائص مشابهة للدم، ما يجعلها سوبر فودز تساعد بشكل كبير على المحافظة على الشباب والحيوية، كما تعمل على تنظيف الدم، وأجهزة الجسم، والنظم الليمفاوية، عن طريق تحييد السموم التي تتراكم في أجسامنا، مع ضعف كمية فيتامين (أي) وفيتامين سي، كما تحتوي على جميع الأحماض الأمينية الأساسية، ما يجعلها مصدراً للبروتين الكامل، وهذه كلها في سلاسل أقصر، ما يعني أن الجسم قادر على معالجتها بشكل أكثر كفاءة. وتضيف: عشبة القمح، لا يمكن تناولها نيئة، لأنها تحتوي على نسبة عالية من الألياف، ما يجعلها صعبة الهضم، إلى جانب أن لديها نكهة عشبية قوية، يمكن أن تكون غير محببة لدى البعض، لذا يمكن إضافة أوراقها في العصير، وهنالك أيضاً مسحوق عشبة القمح السهل المزج في الماء أو عصائر الفاكهة.
مشاركة :