يؤدي سوء تعامل واشنطن مع تدفق المهاجرين على حدودها الجنوبية إلى خلق أزمة تتعلق بحقوق الإنسان للمجتمعات الإقليمية. فمع عدم وجود طريقة للعبور بشكل قانوني إلى الولايات المتحدة، لا يزال عشرات الآلاف من المهاجرين يعيشون في ظل ظروف سيئة داخل عدد من المدن الحدودية في المكسيك. فمع وجود أنظمة مهاجرين ضعيفة بالفعل واقتصادات واهنة، تكافح مدن مثل رينوسا ونويفو لاريدو في ولاية تاماوليباس بشرق المكسيك لاستيعاب المهاجرين غير الشرعيين الذين رفضتهم أو طردتهم الولايات المتحدة، تاركة طالبي اللجوء هؤلاء عرضة بشكل متزايد لظروف غير آمنة وغير صحية وغير مستدامة. وبدورهم قال الخبراء إنه لحل أزمة الحدود الملحة، يجب على الحكومة الأمريكية النظر إلى ما وراء الحدود، واتخاذ سياسات هجرة متماسكة، والعمل بالتنسيق مع الدول الأخرى لمعالجة المشكلة من جذورها، خاصة في وقت يشهد تفشي جائحة كوفيد-19. -- رحلة هجرة مغلفة بعدم يقين بعد ستة أشهر من القلق وعدم اليقين في بلدة رينوسا الحدودية المكسيكية، لا تزال روزالينا، وهي امرأة من هندوراس لم تذكر سوى اسمها الأول، على مفترق طرق. هل يجب أن تستمر في السعي لتحقيق هدف دخول الولايات المتحدة مع ابنتها أم تقلل من خسائرها وتعود للوراء؟ قالت لصحفيي وكالة أنباء ((شينخوا))، وهي تحبس دموعها وتجلس على مقعد مؤقت مكون من كتل لتستريح قليلا من ألم تشعر به في إحدى ساقيها نتيجة المرض والحوادث المؤسفة التي واجهتها في رحلة الهجرة، إن ما دفعها إلى هذا الحد هو الأمل في لم شملها مع زوجها وطفليها الآخرين الذين يعيشون بالفعل في الولايات المتحدة. روزالينا هي من بين المهاجرين البالغ عددهم حوالي ألفين الذين نقلوا مؤخرا إلى مركز سيندا دي فيدا لإيواء المهاجرين الكائن في المدينة بعد أن عاشوا في مخيم مؤقت في ساحة في رينوسا في شمال تاماوليباس. وذكرت أن بلدها الذي ولدت فيه يشهد مستوى عاليا من العنف والجرائم، الأمر الذي دفع الكثير من الناس إلى الرحيل. وقالت "غادرنا للبحث عن حياة أفضل ولكي نكون مع عائلتنا". وإجمالا، يعيش حاليا حوالي 9 آلاف مهاجر في رينوسا وحدها داخل مراكز إيواء أقيمت خصيصا لهم، أو في مستوطنات مؤقتة منتشرة في جميع أنحاء المدينة، أو ببساطة في الشوارع، حسبما قال العمدة كارلوس بينا لـ((شينخوا)). تم تصميم مركز سيندا دي فيدا، الذي يقع على بعد أقل من 50 مترا من نهر ريو غراندي الحدودي، لإيواء 600 شخص. ولكن بسبب موجات المهاجرين القادمين من أمريكا الوسطى والمتجهين شمالا وبسبب ما يقيده من الإجراءات القانونية، أصبح المركز مكتظا للغاية. ومنذ بداية السنة المالية 2022، التي بدأت في أكتوبر، احتجزت سلطات الهجرة الأمريكية أكثر من 1.2 مليون من المهاجرين غير الحاملين لوثائق، العديد منهم خاطروا بحياتهم لعبور نهر ريو غراندي، وفقا للبيانات الصادرة عن هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية. -- انتهاك لحقوق الإنسان تسعى روزالينا وغيرها ممن تقطعت بهم السبل في رينوسا إلى دخول الولايات المتحدة بشكل قانوني، لكن الإجراءات تأخرت أو توقفت بسبب المادة 42، وهي لائحة من عهد دونالد ترامب تسمح لسلطات الهجرة الأمريكية بمنع المهاجرين من دخول البلاد وترحيلهم بسرعة إلى المكسيك أو بلدانهم الأصلية على أساس منع انتشار كوفيد-19. وقال العمدة إن هذا الإجراء أدى إلى تواجد المهاجرين من أمريكا الوسطى بتركيز هائل في رينوسا، الأمر الذي "يؤثر بشكل كبير" على مستويات الرعاية الصحية والاقتصاد والجريمة في المدينة. وفي هذا الصدد، أشار رودولفو كاسياس، الأستاذ والباحث في كلية أمريكا اللاتينية للعلوم الاجتماعية، إلى أن عددا كبيرا من المهاجرين الذين يحاولون العثور على وظائف في الولايات المتحدة يُجهدون قدرة المجتمعات المحلية بطول طريق الهجرة على حماية حقوق المهاجرين بشكل صحيح. "حتى لو كان هناك أكبر قدر من الاستعداد لرعاية واحترام حقوق الإنسان في مواجهة الأعداد المتزايدة من المهاجرين، فلا توجد بنية تحتية، ولا يوجد موظفون، ولا توجد برامج، ولا يوجد ما يكفي من كل ما ينبغي أن يتوافر من أجل القيام بذلك"، هكذا قال كاسياس. وانتقد تطبيق المادة 42، خاصة في ظل غياب أي إصلاح حقيقي لتعزيز الهجرة الآمنة والمنظمة، قائلا "لم يتم وضع آليات جديدة لعبور واستقبال التدفقات المتزايدة من المهاجرين". إن رينوسا ليست فريدة من نوعها بأي حال من الأحوال. فهناك مدن حدودية مكسيكية أخرى تواجه نفس القضية، بما في ذلك تيخوانا في ولاية باجا كاليفورنيا بشمال غرب البلاد وتاباتشولا في تشياباس بجنوب البلاد. وقد قال إنريكي لوسيرو، مدير منظمة الاهتمام بالمهاجرين في تيخوانا، وهي وكالة رسمية مسؤولة عن مساعدة المهاجرين، لـ((شينخوا)) مؤخرا إنه مع استمرار وصول المهاجرين، فإن الافتقار إلى التنسيق أثناء تنفيذ المادة 42 جعل المدينة الحدودية تتحول إلى "عنق الزجاجة". -- طريقة لمعالجة الأزمة وفقا لنصيحة الخبراء، فإن الطريقة الفعالة للحد من الهجرة المتزايدة وحل الأسباب الجذرية للأزمة الإنسانية على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك تكمن في بذل جهود مشتركة لتخفيف حدة الفقر وتوفير المزيد من الفرص للعمل والتعليم. فقد ذكر كاسياس إن قوانين الهجرة لا يمكن أن تهدف ببساطة إلى الاحتواء، خاصة أن عددا كبيرا من المهاجرين يتطلب موارد وفيرة، مضيفا أن تزايد تدفق المهاجرين هو علامة كبيرة على وجود تباطؤ اقتصادي وقضايا أخرى في البلدان التي ولدوا فيها. وشاطره لوسيرو الرأي قائلا إن هناك حاجة ماسة إلى "ضخ استثمارات كبيرة" لتوليد فرص عمل في المجتمعات الفقيرة "للإبقاء على الأشخاص الذين قد يصبحون في المستقبل مهاجرين" لكن الولايات المتحدة "تبدو غير مستعدة" للعمل مع المكسيك وحكومات إقليمية أخرى لتحقيق ذلك. وهناك حل آخر يتمثل في تسهيل عبور العمال المؤقتين أو الموسميين للحدود لتلبية الحاجة إلى العمالة المهاجرة في الولايات المتحدة. فالقيود الأخيرة المفروضة على الهجرة أدت، وفقا لما ذكره الإعلام الأمريكي، إلى نقص ملحوظ في العمالة في القطاعات التي توظف المهاجرين تقليديا، مثل الزراعة والبناء وتعبئة اللحوم، ما أدى إلى ارتفاع في الأسعار لا يبرره التضخم أو مشكلات سلسلة التوريد. ووفقا للتقديرات، فإن عدد المهاجرين في الولايات المتحدة يقل بمقدار مليوني مهاجر عما كان سيكون عليه لو كان تدفق المهاجرين ظل باقيا على نفس حجمه قبل الجائحة. وقد أعلنت الحكومة الأمريكية مؤخرا أن المادة 42 لن يتم تنفيذها اعتبارا من 23 مايو، لكن محكمة فيدرالية في لويزيانا قدمت أمرا تقييديا مؤقتا بشأن القرار الخاص بتمديد تطبيقها إلى أجل غير مسمى. بالنسبة لروزالينا، هذا يعني أنها ربما لن تكون قادرة على تحقيق لم الشمل مع أسرتها في أي وقت قريب لكي يبنوا معا نوع الحياة الذي لم يتمكنوا من بنائه في وطنهم.
مشاركة :