يقر مسؤولون عمانيون بوجود استسهال في التعاطي مع الانتقادات التي توجهها جهات ومنظمات دولية حول واقع الحريات وحقوق الإنسان في السلطنة، مشيرين إلى ضرورة التحرك ووضع آليات علمية تقطع مع السطحية السائدة في معالجة مثل هذه الملفات، التي تمس صورة البلاد وسمعتها. وأثار تقرير صدر مؤخرا عن منظمة "مراسلون بلا حدود" جدلا واسعا في عمان، حيث اعتبر البعض أن التقرير غير موضوعي، وشابته الكثير من المغالطات، ولا يأخذ في الاعتبار الواقع المحلي للسلطنة، بقدر ما يركز على ملف حرية الصحافة والتعبير من منظور شمولي. وكان التقرير أشار إلى ضغوط سياسية تواجهها وسائل الإعلام العمانية، خلال تطرقها إلى قضايا تتعلق بالفساد، وإلى مبالغة في إضفاء الطابع الإيجابي على الأحداث خلال التغطيات الإخبارية، بغية نقل صورة جيدة عن البلاد. ووفق متابعين، لم تخل ردود الفعل على التقرير من تشنج، فضلا عن كونها لا تستند إلى براهين لتفنيد ما جاء في التقرير الذي صنف عمان في مرتبة متأخرة في مؤشرات حرية الصحافة والتعبير، واقتصر المنتقدون على عرض نصوص دستورية وقانونية تتحدث عن ضمانات لهذه الحقوق والحريات. ويقول المتابعون إن ردود الفعل المسجلة بدت بعيدة كل البعد عن معالجة المخاوف المعلنة حيال الواقع الحقوقي داخل السلطنة، ما يعني الإبقاء على هذا الملف مفتوحا، وأن يتم استخدامه كورقة توظف من قبل بعض الجهات للضغط على عمان. جمال بن سالم النبهاني: لا يجب أن نتعامل مع ملف حقوق الإنسان معاملة سطحية ويلفت هؤلاء إلى أن هذه الردود لا تطمس حقيقة وجود وعي متزايد لدى المسؤولين في عمان، حول ضرورة التعاطي بشكل مغاير مع ملف الحريات وحقوق الإنسان، وأن يتولى أخصائيون في هذا المجال عملية الرد على الجهات الدولية، وألا يتم استسهال العملية مثلما يجري حاليا. ويقول في هذا الإطار المستشار جمال بن سالم النبهاني، مدير دائرة التشريع بوزارة العدل والشؤون القانونية، "مسألة حقوق الإنسان مسألة شائكة فيها طابع قانوني، ولكن الجانب السياسي والجانب الآخر موجودان، وهي ليست مسألة قانونية بحتة لأن المجتمع الدولي لا يتحدّث عن المجتمع العُماني من منظور وطني، بل من مجتمع دولي، والعُمانيون هم أعلم بالحقوق والحريات العامة التي يتمتعون بها". ويلفت النبهاني "إلى نقطة مهمة يجب أن نعيها جميعا في تعاملنا الحذر مع موضوعات حقوق الإنسان، وهي أن الرد على تقارير الدول يحتاج إلى معرفة آليات الرد واتخاذنا إجراءات سريعة، حيث إن من أبرز الاختصاصات التي أُنيطت باللجنة العُمانية لحقوق الإنسان الرد على هذه التقارير والملاحظات التي ترد من المنظمات الدولية بشأن حقوق الإنسان وحريته في سلطنة عُمان، وهي الجهة المعنية التي تتعاطى مع هذا الملف ويجب أن تتعاطى معه بما يتوافق مع الأنظمة الدولية، لأن هذا الموضوع لا يجب أن نتعامل معه معاملة سطحية". ويؤكد المسؤول في وزارة العدل العمانية “أهمية تعاطي السلطنة مع المنظمات الدولية والتقارير ذات حقوق الإنسان، وهذه من أهم المسائل الفنية التي تتطلب خبرات تخصصية للرد على هذه التقارير، وأيضا في إعداد تقارير تتعلق بحقوق الإنسان"، مشيرا إلى "أنّ موضوع حقوق الإنسان أصبح علما قائما بذاته وأن التعامل مع مسألة حقوق الإنسان يحتاج إلى توازن، ويجب علينا أن نتعامل معها بشكل مهني ومحترف يرقى ويليق بحقوق الإنسان". ويرى أن “الواقع العملي لحقوق الإنسان في سلطنة عُمان أفضل مما نعكسه للآخرين، ولدينا أشياء إيجابية ومنجزات يفخر بها العُماني والمقيم في سلطنة عُمان، لكنها غير واضحة على المستوى الدولي، وأن الحقوق والحريات العامة في السلطنة فيها من التوازن والتي تأتي بنهج نصّ عليه النظام الأساسي للدولة". وبدت تصريحات المسؤول العماني إقرارا بوجود تقصير يستوجب معالجته في التعاطي مع التقارير الدولية حول ملف الحريات والحقوق، بما يمهد لمعالجة مختلفة لهذا الملف بعيدا عن ردود الفعل التي ليست لها أي فاعلية في إسكات المنظمات والجهات الدولية.
مشاركة :