طرابلس تدفع ثمن تعنت الدبيبة وحسابات باشاغا الخاطئة

  • 5/21/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لا تزال محاولة رئيس الوزراء الليبي المكلف من البرلمان فتحي باشاغا دخول العاصمة طرابلس من أجل اتخاذها مقرا لمباشرة مهام عمله، وما ترتب على ذلك من مواجهات مسلحة بين جماعات متناحرة موالية له وأخرى محسوبة على رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة، تلقي بمفاعيلها السلبية على الساحة الليبية. وكانت تلك المحاولة، التي أسفرت عن سقوط قتيل واحد على الأقل وعدد من الجرحى، قد أعادت مشهد الاشتباكات العنيفة إلى قلب طرابلس بعد نحو عامين من الهدوء النسبي وأثارت مخاوف الكثير من الليبيين والأطراف المعنية بالشأن الليبي. ويرى متابعون أن الدبيبة سيتخذ من المواجهة المسلحة الأخيرة ذريعة لإصدار قرارات أكثر جرأة من أجل إحكام القبضة على طرابلس، رغم التزام قائد الأركان محمد الحداد وعدد من الكتائب المسلحةِ الحيادَ. وهذه المرة الثالثة منذ مارس الماضي التي يحاول فيها باشاغا دخول طرابلس برا دون أن يتمكن من ذلك لأن تصدي القوات الموالية لحكومة الوحدة، وفي مقدمتها قوة الردع المشتركة بقيادة عبدالغني الككلي (غنيوة)، أفشل هذه المحاولات. ويشير المتابعون إلى أن الدبيبة بعد المواجهة الأخيرة سيركز كليّا على ضرب وتحجيم الفصائل الموالية لباشاغا في طرابلس وفي مقدمتها كتيبة النواصي التي يقودها مصطفى قدور، نائب رئيس جهاز المخابرات، والتي تسيطر على أجزاء حساسة في قلب العاصمة، بينها مقرات رسمية، ويقع مطار معيتيقة الدولي ضمن نطاق نفوذها في منطقة سوق الجمعة. الهدف التالي للدبيبة قد يكون العمل على طرد كتيبة النواصي من المناطق الحساسة وسط طرابلس، أو احتوائها مجددا وكانت كتيبة النواصي أصدرت بمجرد وصول باشاغا إلى طرابلس بيانا مؤيدا له. وسرعان ما أدى ذلك إلى هجوم عنيف من قبل القوات الموالية للدبيبة، وعلى رأسها قوة الردع المشتركة، على مقر كتيبة النواصي وسط طرابلس، قبل أن يعود الهدوء بانسحاب باشاغا. ويقول المتابعون إن الدبيبة بدأ بالفعل اتخاذ خطوات نحو ضرب الشخصيات العسكرية الموالية لباشاغا في العاصمة، حيث سارع إلى إقالة أسامة الجويلي من مهام مدير إدارة الاستخبارات العسكرية. ويعد الجويلي من الشخصيات العسكرية القوية في المنطقة الغربية والمتحالفة مع باشاغا؛ حيث يقود كتائب الزنتان (170 كلم جنوب غرب طرابلس)، وأيضا المنطقة العسكرية الجبل الغربي. وكذلك الأمر بالنسبة إلى مصطفى قدور، قائد كتيبة النواصي، الذي أقيل من منصبه نائبا لرئيس جهاز المخابرات. لكن حكومة الوحدة لا تملك القدرة على تنحية قدور من قيادة كتيبة النواصي، نظرا إلى ولاء عناصرها لشخصه وليس للدولة، ما يوضح سبب صعوبة إقامة مؤسسة عسكرية احترافية. وطالت الإقالات أيضا وكيل وزارة الثقافة والتنمية المعرفية خيري المختار، ما يؤشّر على أن خطط التطهير التي بدأها الدبيبة لن تقتصر على القيادات العسكرية بل تشمل أيضا المدنيين. ويرى المتابعون أنه بعد الانتهاء من إقالات القيادات القريبة من باشاغا فإن الهدف التالي لرئيس حكومة الوحدة قد يكون العمل على طرد كتيبة النواصي من المناطق الحساسة وسط طرابلس أو احتوائها مجددا. ويعتقد الكثيرون أن المغامرة التي أقدم عليها رئيس الوزراء المدعوم من البرلمان ستكون لها تأثيراتها على وضعه في الداخل والخارج. وكان من بين أهم الأسباب التي دفعت كلا من قائد الجيش المشير خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب بطبرق عقيلة صالح، وكذلك مصر وروسيا، إلى دعم باشاغا تأكيده على قدرته على دخول طرابلس دون قتال، وأن القوة الفاعلة على الأرض تدعمه. لكن مرور نحو شهرين ونصف الشهر دون أن يحقق باشاغا هذا الهدف من شأنه إضعاف موقفه أمام حلفائه المحليين والدوليين. ولا يستبعد أن تفضي المفاوضات الجارية في القاهرة بين وفديْ مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة بشأن التوافق على قاعدة دستورية، إلى الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة بديلة عن حكومتي باشاغا والدبيبة. الهدوء لن يستمر طويلا الهدوء لن يستمر طويلا وهذا ما لمح إليه خالد المشري، رئيس مجلس الدولة (نيابي استشاري) عندما قال في حوار مع قناة محلية الأسبوع الجاري “الحكومتان لا تريدان الذهاب إلى الانتخابات حتى بعد خمس سنوات، وحكومة الدبيبة لا تستطيع إجراءها، لأنّ نفوذها مقتصر على طرابلس وبعض المدن. لذلك علينا التوافق على قاعدة دستورية وحكومة مصغّرة هدفها إجراء الانتخابات فقط”. وإن كان الدبيبة حسم موقفه بعدم تسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة، رغم صعوبة الوصول إلى حكومة منتخبة في شرق وغرب البلاد، فإن موقف باشاغا سيكون صعبا إذا خسر دعم عقيلة صالح وحفتر. وإذا اضطر باشاغا إلى مباشرة عمل حكومته من سرت، فسيجعله ذلك تحت رحمة الجيش الليبي، وبعيدا عن كتائبه في المنطقة الغربية. إن وصول الخلاف السياسي إلى مواجهات مسلحة يزيد الضغط على السياسيين، وعلى رأسهم مجلسا النواب والأعلى للدولة، للخروج باتفاق سريع لإنهاء الأزمة قبل انفلات الأوضاع واتجاهها إلى الأسوأ. وقد دعت عدة دول، بينها الولايات المتحدة وفرنسا، الأطراف الليبية إلى نبذ العنف. كما أن الليبيين، بعد إحدى عشرة سنة من الحرب الأهلية، تعبوا من الاقتتال، بدليل عدم مشاركة عدة كتائب مسلحة في القتال بطرابلس، وطالبت بضرورة إيجاد حل سياسي. وكانت كتائب أمنية وعسكرية بالمنطقة الغربية دعت “جميع الأطراف السياسية إلى التوافق السريع على قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات”. وقد تعجل هذه الضغوط الداخلية والخارجية إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، رغم التعقيد الذي تواجهه في ظل وجود حكومتين متنافستين.

مشاركة :