رحبت الولايات المتحدة، أمس، بإجراء انتخابات نيابية في لبنان «بدون حادث أمني كبير»، ودعت الطبقة السياسية إلى أن «تشكل سريعاً» حكومة قادرة على «إنقاذ الاقتصاد وإعادة الثقة» في هذا البلد الذي يشهد أزمة غير مسبوقة. وقال الناطق باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، في بيان: «نهنئ اللبنانيين بمشاركتهم في عملية الاقتراع، رغم الظروف الصعبة»، مشيداً أيضاً بقوات الأمن لحفاظها على الأمن. وأضاف: «نشاطر القلق الذي عبر عنه شركاؤنا في المجموعة الدولية حيال موضوع الاتهامات بشراء أصوات، ومحسوبيات وحالات ترهيب». وتابع: «نحض النواب والقادة السياسيين في البلاد على الإصغاء إلى دعوة اللبنانيين من أجل التغيير، والعمل، بجدية وبشكل عاجل، على الإجراءات اللازمة لإنقاذ الاقتصاد». وخسر «حزب الله» وحلفاؤه الأكثرية في البرلمان اللبناني الجديد بنتيجة الانتخابات النيابية التي جرت يوم الأحد الماضي، والتي سجّلت دخول مرشحين مستقلين معارضين منبثقين من الانتفاضة الشعبية التي حصلت في 2019، إلى البرلمان للمرة الأولى، بحجم لم يكن متوقعاً. والانتخابات هي الأولى بعد انهيار اقتصادي صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850، وبعد انفجار مروّع في 4 أغسطس 2020 في مرفأ بيروت، أودى بأكثر من مئتي شخص، ودمّر أحياء من العاصمة، ونتج من تخزين كميات ضخمة من مواد خطرة من دون إجراءات وقاية. جاء ذلك فيما، أقر مجلس الوزراء اللبناني خطة للتعافي المالي في جلسته الأخيرة، وتنص على أن الحكومة ستقوم بإلغاء «جزء كبير» من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف التجارية وحل المصارف غير القابلة للاستمرار بحلول نهاية نوفمبر 2022. وأقر مجلس الوزراء اللبناني الخطة التي اطلعت عليها «رويترز» في جلسته الأخيرة، قبل ساعات من تحويل الحكومة إلى تصريف الأعمال عقب الانتخابات البرلمانية. وتشمل الإصلاحات الواردة في خريطة الطريق خططاً لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وإعادة بعض مدخرات المودعين بالعملة الصعبة وهي ضمن إجراءات أساسية لإفراج صندوق النقد الدولي عن تمويل مطلوب. وتوصل لبنان في أبريل إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي للاستفادة من تسهيل الصندوق الممدد لمدة 46 شهراً، وطلب لبنان بموجبه الوصول إلى ما يعادل نحو ثلاثة مليارات دولار. وتتوقع الخطة إجراء مراجعة كاملة للوضع المالي للمصرف المركزي بحلول يوليو. وجاء في الخطة: «سنلغي بدايةً، جزءا كبيراً من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف، وذلك لتخفيض العجز في رأسمال مصرف لبنان». كما جاء في الخطة: «تحديد حجم احتياجات إعادة رسملة المصارف كل على حدة، وإعادة صياغة ميزانياتها، ونعمل على إجراء تقييم لخسائر كل مصرف على حدة، وتحليل لبنية الودائع وهيكلية الودائع لأكبر 14 مصرفاً (وهو ما يمثّل 83 في المئة من الأصول) سوف تجريه لجنة الرقابة على المصارف بمُساعدة شركات دولية مرموقة، تشمل مشاركة مراقبة من الخارج. وسوف ينجز هذا التقييم بحلول نهاية أيلول 2022.» كما ستتم إعادة رسملة داخلية كاملة للمصارف من خلال «مساهمات كبيرة» من مساهمي المصارف وكبار المودعين. وقالت الخطة إنها ستعمل على «حماية صغار المودعين إلى أقصى حد ممكن في كل مصرف قابل للاستمرار»، لكنها لم تحدد الحد الأدنى للمبلغ المطلوب حمايته، خلافاً لمشاريع الخطط السابقة. وأضافت أن الحكومة ستوحد سعر الصرف الرسمي، وتنهي وجود أسعار صرف مختلفة. وأدى الانهيار إلى عدم تمكن المودعين من الحصول على مدخراتهم، وفقد العملة المحلية أكثر من 90 في المئة من قيمتها. ورفضت جمعية مصارف لبنان مسودة سابقة للخطة في فبراير الماضي، قائلة إنها ستؤدي إلى فقدان الثقة في القطاع المالي. وكانت البنوك اللبنانية مقرضاً رئيساً للحكومة لعشرات السنين، إذ ساعدت في تمويل دولة شاب ممارساتها الإسراف والفساد وتعرضت للانهيار المالي في عام 2019. من جانبه، قال سعادة الشامي، نائب رئيس الوزراء اللبناني، إن إقرار مجلس الوزراء لخطة التعافي المالي، أمس، «خطوة للأمام»، لكن البرلمان يجب أن يصدق سريعاً على عدد من التشريعات اللازمة. وتابع قائلاً: «بمجرد انعقاد البرلمان الجديد، نأمل أن نتمكن من إقرار تلك الإجراءات سريعاً، لكن كما تعلمون لا نستطيع أن نفرض ذلك على البرلمان». وأضاف الشامي: «يمكن أن نطرح ما نرى على الورق، لكننا يجب أن نضمن أن أياً كان ما التزمنا به سينفذ في المستقبل». وتابع قائلاً: «لا يمكنني أن أتنبأ ما إذا كانوا سيفعلون ذلك أم لا، وما إذا كانت هناك إرادة سياسية لفعلها». ميقاتي يؤكد حماية حقوق المودعين أفاد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، أمس، بأن رئيس البلاد ميشال عون طلب استمرار الحكومة الحالية إلى حين تشكيل حكومة جديدة، في أعقاب الانتخابات النيابية الأخيرة. وفي كلمة متلفزة، قال ميقاتي إن الانتخابات «جرت بشفافية مطلقة»، مضيفاً: «أجريت رغم عدم توافر الحبر بماكينات الطباعة»، في إشارة إلى الصعوبات اللوجستية. وأكد رئيس الحكومة اللبنانية أن حكومته تعمل على وقف الانهيار الاقتصادي، وحماية حقوق المودعين في البنوك اللبنانية، وطالب مصرف لبنان المركزي بوضع المعايير المطلوبة لضمان نمو الاقتصاد. وطمأن ميقاتي اللبنانيين بالقول إن «مرحلة التعافي التدريجي للاقتصاد المنهار ستبدأ في أسرع وقت ممكن»، لافتاً إلى أن أي تأخير في خطة التعافي المالي ستكون كلفته عالية على اللبنانيين. وفي خطابه، شدد رئيس الوزراء اللبناني أن «لا إنقاذ من دون اتفاق مع صندوق النقد الدولي». فرنسا تأسف للمخالفات في الانتخابات أعربت وزارة الخارجة الفرنسية، أمس، عن أسفها للمخالفات والحوادث التي رصدتها البعثة الأوروبية في الانتخابات النيابية اللبنانية. وقدمت بعثة مراقبة الانتخابات التابعة للاتحاد الأوروبي استنتاجها الأولي في 17 مايو ببيروت. وقالت الخارجية الفرنسية: «نأسف للخروق التي لاحظتها بعثة المراقبة»، مطالبة بإلقاء الضوء على المخالفات التي شهدتها الانتخابات النيابية اللبنانية. وأضافت إن «خطورة الأزمة التي يمر بها لبنان تدعو لاتخاذ إجراءات عاجلة». ودعت باريس السلطات اللبنانية إلى تعيين رئيس للوزراء، وتشكيل حكومة جديدة في أسرع وقت ممكن، من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة لانتعاش البلاد اقتصادياً، لا سيما على أساس الاتفاق الموقع مع صندوق النقد الدولي.
مشاركة :