المسرحية اللبنانية نضال الأشقر: عمل المرأة في الفن اختيار

  • 5/22/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بالكثير من التحدي حفرت المسرحية اللبنانية نضال الأشقر خطواتها في دروب الفن. تعلمت المسرح في بيئتها وهي طفلة ثم في إنجلترا، لتعود إلى وطنها والوطن العربي لتقدم مشاريع فنية مهمة دفعت فيها عقودا من عمرها الذي لا يتجاوز كونه مجرد رقم، لكنه مفعم بإبداعاتها التي خولتها أن تصير جزءا ومعلما من تاريخ الفن المسرحي في لبنان والوطن العربي. لم يكن ضيف ملتقى الإبداع الذي يقيمه المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق اعتياديا، فقد دعت جلسته التي انعقدت مؤخرا الفنانة اللبنانية نضال الأشقر، التي حضرت بألقها الفني والفكري السياسي في جو أكاديمي مسرحي، حضرت فيه الفنون والسياسة وقضايا المجتمع. كان مصادفا أن زيارتها كانت في الوقت الذي يعيش فيه لبنان عاصفة انتخابية جديدة تضعه على مفترقات طرق. فهي ليست فنانة فحسب، بل سياسية ولو في المستوى الفكري فحسب، إذ تنتمي إلى فكر يتبنى قضايا بيئته ومحيطه، وتنظر إلى وطنها الأم لبنان وسوريا كلها بالكثير من الحب والخير الأمل. وقد بدأ اللقاء بترحيب الدكتور تامر العربيد عميد المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق بالممثلة، ثم أدار اللقاء بهدوء الإعلامي سعد القاسم. سياسة ومسرح كانت السياسة مسرح نضال الأشقر الأول في الحياة، وهي تعيش في بيت زعيم سياسي لبناني هو أسد الأشقر، الذي ينتمي إلى ذهنية فكرية سياسية ترى سوريا أمة طبيعية متكاملة. كانت الفنانة تعيش طقوسا غريبة في طفولتها، فهي تشاهد أشخاصا من خارج بيتها، يعيشون فيه، تقابلهم ويطلب إليها ألا تحكي عنهم، امتزج عندها الحقيقي بالخيالي وبدأت اللعبة. وعرفت لاحقا بأن من بين الأشخاص هؤلاء، الرجل المتخفي في بيت أهلها، وما هو إلا رئيس سوريا السابق أديب الشيشكلي وغيره من كبار القادة السياسيين في البلدين. المسرحية المكتوبة على الورق هي أدب مسرحي وقيمة فكرية، لكنها تصبح عرضا مليئا بالحياة بتقديمها على الخشبة عرفت الأشقر حجم المغامرة والتشويق الذي كانت تعيشه. إذ نشأت في بيت عرف السياسة والأدب و التاريخ، وكنزت منه الكثير من المعرفة الخاصة التي كونت فكرها. تقول نضال الأشقر في حديثها للطلاب الذين حاوروها لساعات “نحن لا نقدم الحياة الحقيقية، بل نقدم حقيقة الحياة، فللمسرحيين بدايات خاصة بهم ونهايات كذلك. في المسرح تنشأ حياة موازية، لا نقدم فيها مسرحا وثائقيا، بل نقدم مسرحا مفعما بالأمل والحلم. ونفعل ذلك من خلال الارتجال الذي هو ركن أساس في عملنا، كوننا نقدم مشاهد مسرحية تقارب النصوص الأدبية التي يقدمها كتاب المسرح ونصنع فيها الحياة. التمثيل هو فن الإقناع، ونحن نقدم عملنا للجمهور لنقنعه بأن لدينا حكاية ممسرحة ستقدم له شكلا جديدا في حياته”. لا ترى الأشقر أن السينوغرافيا يمكن أن تقدم الكثير للعرض المسرحي، فالممثل هو الأهم. فجسد الممثل وأدواته الصوتية والحركية هي التي تحدد طبيعة ما يجب أن يكون على الخشبة. الفراغ على خشبة المسرح هو الأصل الذي تنطلق منه في تقديم عرضها، وقطع الإكسسوار التي تكون موجودة على الخشبة هي عناصر تكمل ما يقدمه الجسد. وتشدد على أن الحوار ذاته لا يجب أن يطغى على لغة الجسد فما يمكن أن يقال بلغة الجسد يجب أن يكتفى به، ولا نضيف الكلام إلا في الحالات التي نكون مضطرين إلى ذلك. يسألها طالب عن المسرح الأقرب إلى قلبها، فتجيب ” إنه المسرح الجيد، أشاهد كل أطياف المسرح، ولكننّي أشاهد الجيد منه، أنا أكره الإسفاف ولا يمكنني متابعة مسرح يقدم هذه الصيغة“. وعن سؤال حول المشروع المسرحي الذي قدمته في حياتها تجيب “بعد أن انطلقت نحو دراسة المسرح في إنجلترا في الهيئة الملكية للمسرح، وعزمت على أن أكون مسرحية، طلب مني أن أبقى في إنجلترا وأقدم عروضا مسرحية مختلفة، لكن إيماني بأن وطني لبنان أحق بأن أكون فيه جعلني أعود وأبدأ مشروعي المسرحي”. وتتابع “الفن الإنجليزي لديه من الخبرات والطاقات الكثير، وبلدنا أحوج ما يكون إلى خبرات فنية تبعث فيه روحا جديدة في الفن. أنا بدأت رحلة البحث عن المسرح في مجتمع ليس فيه تقاليد دعم كبير له. فالمسرحي عليه أن يجتهد بنفسه بصناعة أفكار وتأمين فرق عمل ومكان عرض. المسرح يكلف كثيرا، لهذا فإن الإنتاج لا يراعيه كبير اهتمام، فلا بد من جهات مختلفة بأن تقدم له العون فيما يطلبه من تمويل”. المرأة وفن الجماعي التمثيل هو فن الإقناع ◙ التمثيل هو فن الإقناع عن دور المرأة في المسرح وما يمكن أن تقدمه تقول الأشقر “المرأة التي تعمل بالفن تكون حالة نادرة، ينظر إليها بالكثير من الاحترام، وعندما تعمل بالمسرح تكون المهمة أصعب، الأهم من كل هذا كونها أنثى. لا شك أن عمل المرأة في الفن اختيار خطير، يؤثر على حياتها الشخصية والمهنية، اللتين تتداخلان معا ولا يمكن الفصل بينهما، للحياة الفنية الكثير من المتطلبات التي تفرض نفسها على المرأة، وكذلك الحياة الشخصية، مع مرور الوقت سيكون هنالك نوع من التوازن الذي تخلقه الفنانة ذاتها ولكن المثابرة على تحقيق الأحلام من منظور المرأة هو طموح كبير في أساسه“. ترى نضال الأشقر أن المسرح فعل يجمع طاقات إبداعية مختلفة. فهو فن جماعي إذ تقول “المسرح ليس فنا ذاتيا، بمعنى أن يقعد المبدع بذاته ليكتب قصيدة أو يرسم لوحة. فالمسرح فن جماعي يقوم على جهود فريق متكامل من المبدعين، فهو يبدأ بنص، ثم فريق الإخراج والتمثيل وغير ذلك من تفاصيل. لا يمكن أن يكون هنالك عرض مسرحي بجهد فردي كما في التأليف الشعري أو الرسم. خبرات الجميع وإبداعاتهم معنية بخروج العمل المسرحي على خير ما يرام. وبمقدار ما يكون العمل الجماعي متكاملا يكون العرض متجانسا وأقرب للنجاح“. وتأكيدا منها على وجود المسرح في حياة المجتمع في لبنان، أوجدت نضال الأشقر منذ سنوات مسرح المدينة. الذي يعتبر مشروعا مسرحيا على مستوى لبنان والوطن العربي. عرفت الأشقر المغامرة والتشويق منذ فترة الطفولة إذ نشأت في بيت عرف السياسة والأدب والتاريخ وألهمها الكثير عن هذا المسرح وبمناسبة بمرور عشرين عاما على ولادته، أنتج فيلم سينمائي حمل عنوان “مدينتان”، وقدم تجربة مسرح المدينة. أخرج الفيلم ابنها عمر نعيم، الذي يعمل في مجال السينما في الولايات المتحدة. تتداخل في الفيلم عوالم السياسية والفن. ففيه مدينتان، واحدة هي مسرح المدينة التي تضم مجموعة من الموهوبين والشغوفين بالفن والحياة، وعلى التوازي بيروت التي يصورها الفيلم مدينة مضطربة سياسيا واجتماعيا. من خلال ملمح ساخر هو وجود بطاقة بيضاء في صندوق الاقتراع للمجلس النيابي. وهو الدليل على عدم اقتناع الناخب بأيّ من الموجودين في هذا التجمع السياسي، وهو الأمر الذي يخالف مفهوم الفن الذي يختار فيه الجمهور عرضه ويقوم بزيارة المسرح لقناعته بالعرض المسرحي المقدم وإيمانه بفنه. يقدم الفيلم الكثير من تفاصيل عمل مسرح المدينة والحياة الثقافية التي يقدمها، ومدى تأثيره على الجمهور، ويقدم شهادات لمسرحيين عملوا في المشروع وقدموا منجزا مسرحيا في لبنان اتسم بالتميز منهم روجيه عساف وفؤاد نعيم. سعادة تناسبنا ◙ لا يمكن أن يكون هنالك عرض مسرحي بجهد فردي ◙ لا يمكن أن يكون هنالك عرض مسرحي بجهد فردي لم يكن المسرح المنبر الإبداعي الوحيد الذي عملت فيه الأشقر، بل إلى جانبه اعتلت منابر في السينما والتلفزيون. تقول في ذلك “عندما دخلت عالم الفن كان خياري الأول هو المسرح، لأنني أعتقد أنه الفن الوحيد الذي ينشئ علاقة واحدة ومتبادلة بين الجمهور وبين العرض المسرحي. أشعر عندما أقدم عرضا مسرحيا بأن ثمة قطعة قماش أوجدها مع الجمهور، أنا أضيف خيطا وهو يضيف خيطا آخر، لنخرج في نهاية العرض لتكون لدينا قطعة كاملة من القماش تعاونا كلنا على صناعتها”. وتضيف “في بقية الفنون لا تتاح هذه الصيغة حيث يكون الفن موجودا بكامله بعيدا عن الجمهور. لذلك كان خياري الأول المسرح، فيه أقدم الرؤى التي أحلم بها. والأحلام التي نتمنى تحقيقها في الحياة، كما نحب وليس كما هو الواقع. في المسرح نقدم عالمنا الذي نحب أن نعيش فيه والسعادة التي تناسبنا“. في تناول دقيق لمسألة النصوص المسرحية والتفريق بينها وبين الأعمال المسرحية تقول “المسرحية التي تكون مكتوبة على الورق، تكون أدبا مسرحيا، وهي قيمة فكرية كبيرة، لكنها تصبح عرضا ومليئة بالحياة عندما يقدمها مخرج ما مع فريق عمله”. وتوضح “المخرج في المسرح هو من يقوم ببناء عمارة العرض المسرحي كله، من نص وتمثيل وديكور وغيره. والفكر المسرحي يخرج من نطاق الأدب عندما يقدم في عمل على منصة. عندئذ نقول إن المسرحية صارت عرضا. المخرج وفريق العمل يقومون بعمل توليفة إبداعية لتقديم هذه الأفكار الإنسانية في عرض مسرحي نابض بالحياة يحبه الجمهور. وضروري هنا أن يلتفت إلى مسألة المتعة التي يجب ألا تغيب عن ذهن فريق العمل وأولهم المخرج، فالجمهور آت لكي يتمتع أولا بمشاهدة عرض مسرحي يقدم من خلاله الفائدة”. عمل المرأة في المجال الفني يؤثر على حياتها الشخصية والمهنية اللتين تتداخلان معا ولا يمكن الفصل بينهما تؤكد الفنانة نضال الأشقر على أن العمر لا يشكل أيّ عائق في تقديم الإبداع. تقول “أبلغ الآن ثمانين عاما، وأنا ما زلت أمتلك كل الطاقة في سبيل إيجاد أحسن حالات العمل المسرحي، أنا ما زلت حتى اللحظة أتابع العمل المسرحي. أشاهد عروضا وأقرأ أخرى، بل وأكتب الآن نصا جديدا اسمه ‘شارع الحمرا‘. وهو يتحدث عن هذا الشارع الجميل الذي جمع في الماضي قامات إبداعية عربية كثيرة. نزار قباني وبدر شاكر السياب وأدونيس وأنسي الحاج وغيرهم. كان شارعا حافلا بالحياة والأدب والفكر والإبداع، يجب أن يعرف الجمهور المسرحي الشاب كيف كان يعيش الناس في هذا الشارع وهو الذي يشكل نقطة مضيئة في تاريخ لبنان الحديث“. ويذكر أن نضال الأشقر تعتبر قامة مسرحية لبنانية شهيرة، أوجدت لنفسها عبر العشرات من السنين مكانة متميزة في المشهد المسرحي والسينمائي العربي. فبعد تخرجها من الأكاديمية الملكية البريطانية للمسرح قدمت العديد من المسرحيات منها “السرير الرباعي الأعمدة” إخراج شكيب خوري و”رومولوس الكبير” إخراج ريمون جبارة و”الحلبة” إخراج فؤاد نعيم وكتابة بول شاوول. كذلك قدمت الأشقر في الإخراج المسرحي عروض “طقوس الإشارات والتحولات” تأليف سعدالله ونوس الذي قدمت له أيضا مسرحيته “منمنمات تاريخية”، وأخرجت كذلك مسرحية ”3 نسوان طوال” لإدوارد ألبي. وفي محاولات ليست بالكثيرة قدمت في التلفزيون عددا من المشاركات الهامة منها “جارية من نيسابور” و”نساء عاشقات” و”زنوبيا ملكة تدمر” و”حرب البسوس” و”رماد وملح”، وقدمت في عام 1979 دورها التلفزيوني الأشهر شجرة الدر. وفي السينما قدمت “الأجنحة المتكسرة” و”السيد التقدمي” وفيلم “سيدة فرنسية” و”ساحة فاندوم” كما حازت على جوائز الوسام الوطني للفنون والآداب برتبة فارس ووسام الثقافة العالي من قبل رئيس الجمهورية التونسية وجائزة مهرجان القاهرة للمسرح التراثي وجائزة مهرجان قرطاج مرتين كما كرمت في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي.

مشاركة :