ترتفع أصوات كثيرة تطالب الجزائر بفتح الحدود مع تونس. ويستند هذا المطلب إلى الروابط التاريخية بالدرجة الأولى، وإلى تأكيدات المسؤولين الجزائريين باستمرار، وعلى رأسهم الرئيس عبدالمجيد تبون، بأن الجزائر تقف في صف تونس وتدعمها ولن تسمح بأي تدخل خارجي، وأنها تراقب انتقالها السياسي وتترك للفرقاء في تونس حسم خلافاتهم، وهذا كلام جيد ويبعث على الارتياح. لكن المسؤولين في “الشقيقة الكبرى” يعرفون أن تونس في وضع اقتصادي وسياسي صعب للغاية، وأنها تحتاج إلى من يقف معها خاصة على المستوى الاقتصادي، ولذلك تتجدد الدعوات إلى فتح الحدود بمناسبة أو دون مناسبة. فتح الحدود يعني دخول مئات الآلاف من الجزائريين إلى تونس لإنعاش الموسم السياحي في وقت تحتاج فيه تونس إلى العملة الصعبة، وتحتاج إلى تحريك عجلة اقتصاد معطلة بسبب كورونا، وبسبب الصراع السياسي، وتلكؤ حكومات ما بعد الثورة وإلى الآن في إجراء الإصلاحات العاجلة. وجود الجزائريين يحرك عجلة الاقتصاد بأنواعه، وفي المدن والمحافظات الحدودية، وعلى السواحل، ويدعم القطاع الصحي ويعطي قبلة الحياة للمصحات تماما مثلما يفعل الليبيون. وميزة السياحة الجزائرية أنها لا تتوقف خلال السنة، ولا تكتفي بالإنفاق في المصحات الخاصة أو الفنادق بل تمس كل الاقتصاد. المسؤولين في "الشقيقة الكبرى" يعرفون أن تونس في وضع اقتصادي وسياسي صعب للغاية، وأنها تحتاج إلى من يقف معها خاصة على المستوى الاقتصادي، ولذلك تتجدد الدعوات إلى فتح الحدود بمناسبة أو دون مناسبة كما أن فتح الحدود ينعش المناطق الحدودية التونسية في ضوء امتيازات أعطتها الدولة الجزائرية لسكانها بالدخول والخروج والشراء بأسعار تفاضلية، فضلا عن وجود تهريب واسع للبنزين، وتهريب أنواع أخرى من السلع الحياتية ساعد على تحسين أوضاع تلك المناطق التونسية التي همشتها الدولة طيلة عقود. ما الذي يجعل الجزائر التي قامت بكل هذا لأجل تأمين حدودها الشرقية تنقلب مئة وثمانين درجة، وتتمسك بإغلاق الحدود، وتتلكأ في تسليم قرض كانت الحكومة التونسية في حاجة إليه لتسوية أزمة الرواتب، كما تعلم التونسيين أن يستعدوا لخلاص الديون الطويلة العريضة التي هي من مخلفات تزويدهم بالغاز بأسعار تفاضلية من الأنبوب الذي يعبر بلادهم نحو إيطاليا. فضلا عن تلويح آخر بزيادة الأسعار تماشيا مع أسعار السوق، في بلد لم يقدر على خلاص الديون السابقة فكيف سيقدر على شراء الغاز بأسعار أعلى في قمة أزمته المالية. اليد الجزائرية الكريمة تتوقف فجأة وتصبح يدا عصية تطالب بالديون وتغلق الحدود، وهي ترى أن جارتها في وضع معقد سياسيا واقتصاديا. هذا ما جعل الناس يتساءلون: ما السر، ما الذي جرى لتتغير الجزائر؟ وهناك تأويلات كثيرة، لكنها تلتقي عند نقطة واحدة هي أن الجزائر فشلت في أن تجلب الرئيس قيس سعيد إلى صفها، في وقت يظهر فيه الرجل تقاربا واضحا مع مصر وفرنسا ليس فقط على المستوى الثنائي، ولكن على مستوى مقاربة القضايا الإقليمية، خاصة الموقف من ليبيا وتركيا، والتشدد في الموقف من قضايا الإسلام السياسي. زمن التوافق ولى بمعنى آخر، فإن قيس سعيد اختار الضفة الأخرى المقابلة لتحالفات الجزائر وأجندتها. فقد وجهت له اتهامات من حكومة عبدالحميد الدبيبة في ليبيا بدعم حكومة فتحي باشاغا والسماح للأخير بعقد اجتماعات كثيرة في تونس لترتيب مرحلة ما قبل دخول العاصمة طرابلس. كما تحدثت تقارير عن رفض قيس سعيد زيارة الدبيبة إلى تونس في وقت بدا فيه الأخير ملوحا باتفاقيات كثيرة ووازنة مع تونس.. والسبب أن الدبيبة محسوب على الإسلاميين وتركيا. وتتخوف أوساط تونسية من أوضاع صعبة بعد زيارة الرئيس الجزائري إلى تركيا وعقده صفقات لافتة أمنت بشكل لافت دخول الجزائر إلى المحور التركي، وهو ما قد يجعل أول التزامات “الشقيقة الكبرى” هو التضييق على جارتها الشرقية التي ستصير مطوقة غربا وجنوبا، في وقت لم يقدر فيه “أصدقاؤها” على دعمها ماليا واستثماريا لمساعدتها على الخروج من أزمتها في مرحلة بدا فيها أن الجميع يتجه إلى “تصفير الأزمات” إقليميا. ومن الواضح أن الجزائر ستعود بوضوح إلى موقفها في مرحلة ما بعد “الربيع العربي” الذي تفهمت من خلاله وجود الإسلاميين في ليبيا وتونس وفتحت أمامهم أبواب زيارتها ولقاء كبار مسؤوليها. قد يكون “تفهما حذرا” وقتها لأن المنطقة كانت على أبواب تغييرات كثيرة خاصة بعد التدخلات الخارجية في ليبيا، لكن الآن سيرتقي “التفهم” إلى دعم وربما إلى انحياز بعد أن تراجع الحلف الرافض للإسلاميين وانسحب في أغلبه، والذين بقوا لا تعدو مواقفهم أن ترتقي إلى تسجيل حضور مثلما هو الأمر مع مصر وفرنسا. صار حلف الإسلاميين الأكثر حظوة في السيطرة على ليبيا، سواء أكان الشخص من الإخوان، أم من الجبهة المقابلة، مدعوما من مصر أو فرنسا، أو من الولايات المتحدة وبريطانيا.. في المقابل تردد تركيا ما قاله هارون الرشيد ذات يوم “أمطري حيث شئت فإن خراجك لي”، ومن ضمن هذا الخراج الجزائر التي ستجد نفسها قد صارت جزءا من خطة تركية أوسع وأكثر قدرة على التمدد لكونها تتحرك وفق أجندة بعيدة المدى.
مشاركة :