غيـــض مـــــن فيــــض

  • 12/14/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

أهداني الأستاذ القدير، والأديب الأريب، والمعلم الفاضل، والمربي المرشد محمد بن عبدالله العيد كتابه القيم الذي أسماه (غيض من فيض الأيام)، فألفيت هذا الكتاب مرجعاً تاريخياً يحكي حقبة من زمن الماضي البسيط، ولا شك أن أستاذنا قد بذل جهداً مشكوراً في رصد الأحداث الاجتماعية والمناسبات الدينية والتاريخية الجميلة في ذلك الزمن، وهذا الكتاب يؤرخ بقلم أديب ملامساً أوتار القلوب، وآسراً لهوى الأفئدة، في حقبة لم أعشها ولم أتنفس شذى عبيرها، ولكن الكاتب نهد بين ظلها، وشب بين معاطفها ولامس وجدان مشاعرها، فنقلها نقلاً جميلاً بدقة في الوصف مع وضوح العبارة وعدم الاستطراد في مواطن لا تستدعي ذلك، فتربع هذا الكتاب بارزاً بين العديد من الكتب. فالكتب التي تقرأ كثيرة هي، ولكن لا تلامس وجدانك، ولا تعانق إحساسك فهي مجرد أحداث تسرد. والكاتب في الفصل الأول حين يحدثك عن رؤية النور ونقطة الانطلاق، فإنك تجد أن الأم هي المدرسة التي على يديها يتربى الأبناء، أمًا تلتهب مشاعرها وقلبها حباً لأولادها ولكن هذا الحب المتدفق لا يمنعها من أن تترك ابنها يلهو ويلعب كما يشاء، ولكن كان التعليم وغرس القيم والآداب الفاضلة هو ما تنشده الأسرة. وأن الأم رغم بساطتها وعدم تعليمها التعليم الحديث لصعوبة الحياة إلا أن الأم تحمل مخزوناً من العلم الذي ورثته من ألم الزمان، ومجالس الذكر الذي هو فيض من البركات والنفحات، كما أن ارتداءها للباس التقوى، هو خير علم، وأرقى قلادة يتزين بها الإنسان، وهو المعين العذب الذي لا ينضب. طفل عاش حياته البسيطة، كأي طفل عاش في تلك الحقبة، كان يبحث عن أمنياته ومستقبله، فكان يحلم وينمو حلمه معه، يكبر في السن فيزداد الحلم كبراً. كان بقايا جدار البيت الذي ولد فيه، والذي أطلت في صورته النظر كثيرا لما يحمله من عبق الماضي كان جدار البيت ليس له حدود لحلم الطفل، كبر الطفل، خرج إلى المدرسة، لعبه مع والدته.... إلخ ولما كبر حقق حلمه، فأقر عين أمه التي كانت تراه مستقبل حياتها. اخترق حلمه، وتميز عن البقية الباقية بدماثة أخلاقه، ووفور عقله. فنهل من العلم، وازداد تعلقاً به وكان نهماً في القراءة، حيث المتعة والسعادة.. لم يقف التلميذ وسط الطريق، ولم يعرف أن العقبات تمنعه من مواصلة طريقه، بل كان يتجاوزها ويتعدى. كان للهجات الأم، ودعاؤها المتواصل أكبر الأثر في نجاحه، كما أن البر بالأم هو سلم الترقي في الحياة، وبوادر التوفيق وفتح أبواب الخير والصحة. أجدني أقف عند الكاتب عن حياة الطفولة، وأسترسل في ذكرها لأنها المحطة الأولى في حياة الإنسان، لها مذاق خاص فإن صقلت وهذبت انفتحت أبواب الخير وسعد الإنسان بحياته. يستطرد الطفل بذكر بيته الذي أودع فيه ذكرياته، وقلب الأم يحوم حولهم، وعينها التي تكلؤهم، والبراءة وحسن النوايا، والتعاون والمحبة، وكذلك الكتاب التي هي المحطة الأولى. ومما استوقفني كثيراً تلك البيوت العامرة بمحبة الله ومحبة رسوله الكريم، حيث الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، هذا الاحتفال الذي بدأ يتلاشى من بيوت الناس إلا من تعلقت أفئدتهم ومحبتهم لرسول الله فتقرأ السيرة العطرة، يتعلم منها الأطفال سيرة نبيهم الكريم وأزواجه ونسبه وغير ذلك، وحيث تقرأ القصائد الجميلة ذات الألحان الندية، فيطرب لها السامع وتشنف الآذان لذكرها، والإنشاد يجد فيه الإنسان ضالته، ويشبع نهمه، فالوجدان تتحرك بمثل هذا الإنشاد والذي يسمعه في المولد، والناس لا غنى لهم عن الإنشاد في السفر والحضر، فهو مسلٍ للنفس، ومفرح للقلب، أما وقد زهد الناس في هذا الإنشاد، بل وأعرضوا عنه بسبب فتاوى قاصرة، وعقول متحجرة، فقد مال الناس إلى سماع الغناء الذي فيه ما فيه. الكتاب شيق جميل، فيه ذكريات وتاريخ، وعِبر ومواعظ، وهو خلاصة فكر إنسان عاش تلك الحقبة البسيطة ليعيشها لكنها كبيرة بمواقفها ورجالها. لا شك أن القارئ لهذا الكتاب سيعيش حياة الماضي الرائع البسيط. ومثل تلك الكتب والأسلوب العذب، فلتملأ مكاتبنا بها، ومثل هذا الكتاب فلنفتخر به ونتعلم من خبرته وليكن مرجعاً للباحثين في قطاع التعليم، وليدرس لأبنائنا الطلبة، وفق الله الكاتب ومتعه الله بالصحة والعافية. ] عبدالناصر محمد الشيخ عبدالله الصديقي

مشاركة :