المشكلة أن الاحتياطي الفيدرالي عندما يبيع سندات الخزانة، فإنه بذلك يستنزف فعليا السيولة من الأسواق بأسعار تحددها الأسواق الخاصة بصرف النظر عن المعدلات التي تحددها السياسات. وعلى هذا فقد قفزت أسعار الفائدة على سندات الخزانة لعشرة أعوام بالفعل من 1.9 إلى 2.7 في المائة في الشهر الماضي، ولم يبدأ الاحتياطي الفيدرالي إلا بالكاد أولى جولات مبيعات الأصول الثلاثة الأكثر تواضعا "47.5 مليار دولار شهريا بين حزيران (يونيو) وآب (أغسطس) من هذا العام". في الوقت ذاته، قد نشهد وقوع أخطاء كثيرة من المنظور المالي. لنتأمل هنا حقيقة مفادها أن 24 تريليون دولار من الديون السيادية الأمريكية هي ديون عامة بمتوسط أجل استحقاق خمسة أعوام. وهذا يعني زيادة بنحو نقطتين مئويتين في أسعار الفائدة على مدار الأعوام الخمسة المقبلة ستضيف ما يقرب من 500 مليار دولار إلى عبء خدمة ديون الحكومة الفيدرالية الحالي الذي يبلغ 352 مليار دولار. وعلى هذا، فإن عجز الميزانية الفيدرالية الحالي الذي يبلغ ثلاثة تريليونات دولار سيزداد بنحو 20 في المائة، وهذا يعوض زيادة عن المدخرات من مدفوعات الأثر الاقتصادي بعد نهاية جائحة كوفيد - 19. من المؤكد أن التكلفة الإضافية لأول تريليون دولار من سندات الخزانة التي يبيعها بنك الاحتياطي الفيدرالي قد تكون من الوارد إدارتها بنجاح. لكن يجب أن نضع في الحسبان العواقب المرتبطة بأسعار الفائدة والميزانية نتيجة لبيع الاحتياطي الفيدرالي ثلاثة تريليونات دولار أخرى للعودة إلى مستويات 2020، فضلا عن سبعة تريليونات دولار أخرى للعودة إلى مستويات 2009. هذا فضلا عن مزاحمة الإنفاق غير التقديري: فقد تصبح أقساط الفائدة على الدين الفيدرالي أكبر بند منفرد في الإنفاق الوطني، وإن كان من المنتظر أيضا أن ترتفع بشكل كبير تكاليف الضمان الاجتماعي، والرعاية الصحية، والدفاع الوطني في العام المقبل. في غياب زيادات ضريبية لا يمكن التسامح معها سياسيا، من المنتظر أن يسجل العجز المالي وإجمالي الدين في الولايات المتحدة ارتفاعات غير مسبوقة. في الوقت ذاته تضخمت سوق السندات غير المرغوب فيها لتتجاوز ثلاثة تريليونات دولار مستحقة، وهي تنحرف بشدة نحو مصدري السندات الأقل جودة. مع حلول آجال استحقاق هذه الإصدارات، ينبغي لنا أن نتوقع رؤية عدد كبير من الشركات الحية الميتة التي تجب إعادة هيكلتها لأنها عاجزة عن إعادة التمويل بأسعار فائدة أعلى. لكن هذا يفترض حدوث أي إحكام مادي على الإطلاق. يبدو أن الاقتصاد يتجه نحو الركود قبل أن تصل الزيادات في سعر الفائدة الرسمية إلى نقطة مئوية كاملة، وقبل أن يبدأ حتى الإحكام الكمي. الآن، يتعثر نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، ومن الواضح أن وضع تشغيل العمالة أقل وردية مما يبدو. ولا يعبر معدل البطالة الرئيس المنخفض "3.6 في المائة" عن حقيقة مفادها أن 62.2 في المائة فقط من الموظفين المؤهلين يبحثون عن وظائف. ويبدو أن الوظائف المتاحة لا تجد من يريدها. علاوة على ذلك، مع تقدم تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي وغير ذلك من البرمجيات، فإنها ستحل على نحو متزايد محل العمال اليدويين غير المهرة والمختصين المهرة. وقد تصبح وظائف المصرفيين والتجار والمستثمرين والمحامين في "وول ستريت" عرضة للخطر قريبا. يجب أن يعدوا أنفسهم محظوظين بالقدر الكافي لأنهم ما زالوا في وظائفهم، حتى إن كان ذلك يعني العودة إلى المكاتب. إن الإبحار عبر هذه الرياح المعاكسة والبحار الهائجة يتطلب انكسار عديد من الأمواج برفق. ومن المفيد بكل تأكيد أن يتوقف صناع السياسات عن البحث عن أسرع وأسهل وسيلة للخروج، وأن يعقدوا العزم بدلا من ذلك على العمل بشكل استراتيجي على الأهداف الاقتصادية والسياسية على المستويين الوطني والعالمي. خاص بـ «الاقتصادية» بروجيكت سنديكيت، 2022.
مشاركة :