لا يترك الشاعر اللبناني أسعد جوان اللغة إلاّ بعدما يطمئن على راحتها ونومها المحتشد بالأحلام الصاخبة. لا يترك اللغة، بل يغادرها ويعود إليها بنظرة جديدة، لذلك وصفه البعض بأنه ظاهرة شعرية بامتياز، فهو يكتب ويتحرك ويتكلم من داخل مفهوم القصيدة والشعر في الحياة، لا يكفّ عن البوح المتواصل مهما كلّفه الأمر من مشقات. أكثر من عشرين كتاباً شعرياً ونثرياً في جعبة الشاعر حتى الآن، ودخل أخيراً في موسوعة غينيس، بإصداره عشرة كتب، دفعة واحدة، في سنة واحدة.. شاعر نشيط وله صولات وجولات مع الثقافة والعمل الثقافي والأدبي، وصالون العشرينارتبط باسمه، منذ ربع قرن، حيث كان لولب هذا الصالون واستطاع من خلاله أن يقدّم الكثير للثقافة كاتباً للقصيدة المتميزة والمتنوعة متنقلاً بين الفصحى والمحكية اللبنانية، مخاطباً بها الإنسان والكائنات والأماكن، وللمرأة النصيب الأكبر في قصيدته. } أدخلك الشعر موسوعة غينيس العالمية، لماذا تم اختيارك كشاعر أو ككاتب إلى هذه الموسوعة العالمية المميزة؟ تم اختياري إلى غينيس بعدما أنجزت وأصدرت عشرة كتب خلال سنة واحدة. قد أكون الوحيد في العالم حتى هذه اللحظة الذي حقق ذلك، خصوصاً أن هذه الكتب مشغولة بعناية الباحث والمبدع والمتابع الذي لا يهدأ، وقد صُنفتُ الأول في هذا المجال الثقافي. } هل كان لديك الوقت الكافي لهذه المهمة الشاقة التي تحتاج لصبر وراحة بال؟ كرّست كل وقتي لهذه الكتب. لم ألتفت إلى شيء آخر خلال السنة التي أمضيتها مع القلم والأوراق والحبر. كنت أنقّب وأبحث وأكتب وأتابع على مدار الوقت وفي الليل وفي النهار. شعرت بالسعادة الكبيرة أثناء هذه المهمة التي اعتبرتها من واجبي ومن الضروري مواصلتها. ثم لا تنس أنني تفرغت كلياً للكتابة منذ سنوات كثيرة، وهذا ما يجعلني أنجز الكثير من الكتب. } ماذا تحتوي كتبك (العشرة) من أفكار ومواضيع؟ كتب متنوعة شعراً ونثراً وتتناول أعلاماً من الثقافة اللبنانية والعربية، أمثال الراحل الكبير منصور الرحباني، والشاعر الغائب نزار قباني، والأديب الكبير جبران خليل جبران، وغيرهم من الأدباء الكبار الذين أغنوا الثقافة والقصيدة واللغة بأدبهم. لدي اليوم ودائماً الكثير من المخطوطات الشعرية الجاهزة للنشر. في داخلي أفكار وأحداث وأحاسيس تحتاج إلى مخرج ومتنفس، وليس السبيل إلى ذلك إلا من خلال الكتابة، لتبقى في متناول الزمن القادم.. أشعر وأتحسس أن الزمن ألزمني الكتابة إلى أبعد حد، وأتمنى أن يسعفني عمري المتبقي كي أكمل هذه المسيرة التي اخترتها لنفسي. الكتاب هو الروح التي لا تغيب بعد غياب صاحبها، وما الكبار الذين غابوا إلا خير دليل على هذا المجد العظيم. } الشاعر أسعد جوان لماذا تكتب؟ أكتب لأن الكتابة هي أولى وأهم واجبات الحياة بالنسبة ألي. الكتابة هي فعل ونشاط إنساني وعاطفي وموقف واضح من الحياة. لا يمكنني التعبير والبوح والاعترف إلا من خلال الكتابة. حين أنجز ما أريد في الكتابة أشعر بأنني وصلت إلى مرحلة تالية من العمر، فأقفز إلى المرحلة التالية- الأخرى. الكتابة عندي هي فعل مؤجل ومستمر في آن معاً. } هل تكتب في أوقات معينة، ما طقوس الكتابة لديك؟ الكتابة قائمة في حياتي بشكل يومي، وتلازمني أكثر من ظلالي وطعامي وقوتي اليومي. وأرى دائماً أنني مقصّر في تقديم واستخراج ما لدي من طاقات تتحرك في داخلي، وفي أعماق حياتي. } يقال إنك شاعر متهم بالكتابة ضد المرأة.. إلى أي مدى حقيقة هذا الاتهام؟ ربما فسّر الأمر بأنني أكتب ضد المرأة، وهو تفسير خاطئ حتماً. ولكني أبادر للسؤال، من هي هذه المرأة التي كتبت عنها؟ وأسارع للجواب، لقد كتبت عن المرأة السيئة التي لا تعطي أهمية لذاتها ولا تفقه معنى أنوثتها ولا تعرف كيف تسلك الحياة. المرأة التي كتبت عنها هي المرأة الغبية الضائعة في متاهة الأسى وترى بعين واحدة، وأحياناً لا ترى أبداً. توجد في الحياة امرأة جميلة وذكية، وفي المقابل توجد امرأة تعيسة ولا قيمة لها، وربما ليست من صنف النساء، هي امرأة من الناحية البيولوجية ليس أكثر، وأنا أكتب لأميّز بين هذين الصنفين. دعنِ أقلْ المرأة بالنسبة إلي هي وهج الحياة ووجهها المشرق. } برأيك من هي المرأة الجميلة والذكية التي تنال رضاك أو رضى قصيدتك؟ ما أكثرهن اللواتي يمكن الحديث عن جمالهن. الجمال الذي أقصده هو جمال الروح والعاطفة، وبالتأكيد يحضر جمال الشكل داخل هذا الجمال. المرأة التي يمكن الحديث عنها بحب وفرح هي المرأة المعطاءة التي تقدم الخير للإنسان، وتعتني بالحياة من كل جوانبها. أقصد هنا المرأة الأم التي تقدم حياتها لأولادها وعائلتها، وأقصد المرأة الطافحة بالحنان الذي يغذي الروح ويجعلها أكثر حرية. المرأة يجب أن تكون جميلة الروح والقلب والمظهر. } من هي الحبيبة برأيك؟ بالتأكيد هي الإنسانة الراقية التي تعطي للحياة معناها الحقيقي. الحبيبة هي السعادة والجمال والفرح الذي يخيم على الوجود. وأيضاً الحبيبة هي الشريك الصادق والمخلص للإنسان الذي يسعى لبناء اللحظة الجميلة دائماً. أيضاً وأيضاً المرأة الحبيبة هي الطاقة التي تدفع الرجل إلى صناعة الأمل والكبرياء من خلال وعيها وجمالها وسحرها.. وقبل أن تسألني أين تجد مواصفات هذه الحبيبة أقول لك: ربما أتحدث عن الوهم أو المستحيل، لم تعثر الحياة بعد على كل هذه المواصفات، وربما لن تعثر. أتمنى العكس، وهذه هي مأساة الحياة بكل بساطة. لا توجد امرأة تمثل الوعي العاطفي والإنساني بكل أبعادة وتأثيراته المتنوعة. أين هي المرأة الذهبية بروحها كي أطير إليها فوراً؟ } بكلامك كأنك تنفي المرأة من الحياة، أو تحاول طردها؟ لا لا لا، العكس هو الصحيح تماماً: أنا أدعو المرأة النبيلة إلى مائدة الحياة، وأتمنى أن تأتي ذات لحظة. أنا لا أطرد المرأة من الحياة أبداً بقدر ما أسعى إلى استحضارها في الزمن الذي يجب أن تحضر فيه، ولكن ماذا بوسعي أن أفعل في حالة كهذه إذا كانت لا تريد أن تأتي، أو أنها تأخرت عن موعدها الحضاري؟ } وماذا عن الشعر بالنسبة لك اليوم؟ سيبقى الشعر سيد الحياة، سيد اللغة. ملاك نحتاجه في كل وقت لا يمكننا العيش خارجه. وستبقى القصيدة هي المفردة والجملة والنص الطويل الذي ننشر في داخله وعلى أطرافه جمال أيامنا، وصورنا الجميلة. } الشعر خلاصك؟ لولا اللغة، لولا الشعر، لولا القصيدة، لما عرفت طعم الحياة.. لقد أمسكتني القصيدة من يدي وأخذتني إلى راحة بالي وعمري. شكراً للشعر، شكراً للقصيدة، شكراً للغة.
مشاركة :