عوض الإنصات إلى تنديد السوريين بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتدهورة، أقر النظام السوري قانونا جديدا للجرائم الإلكترونية ببنود فضفاضة للغاية يسهل تأويلها، مما يمنح أجهزة الأمن سلطة أوسع لملاحقة كل من تسول له نفسه انتقاد نظام بشار الأسد، ليجد نفسه عرضة لسنوات طويلة من السجن ويغرّم بخطايا مالية يعجز عن دفعها. بعد شهور من الشائعات، أصدر النظام السوري مؤخرا تشريعا واسع النطاق بشأن الجرائم الإلكترونية، والذي يتجاوز ما هو ضروري للحفاظ على الإنترنت آمنا. فعلى الرغم من معالجة قضايا مثل التنمر الإلكتروني والاحتيال، خُصِصت أقسى العقوبات القانونية والمالية التي أدخلها التشريع الجديد لمَن ينتقد الرئيس أو الدستور أو الدولة. ويتضح الدافع من وراء القانون عند النظر إليه وسط الانتقادات الشعبية المتزايدة لفشل النظام في توفير الاحتياجات الأساسية أو الحد من ارتفاع الأسعار أو معالجة الفقر المتفاقم بين السكان في الأراضي السورية. ومن ثم، فإن تشريع الجرائم الإلكترونية مصمم لإرسال رسالة إلى السوريين مفادها أن انتقاد حكومة الرئيس بشار الأسد لن يتم التسامح معه. ◙ السلطات بإمكانها معاقبة صاحب المنشور المسيء وأيضا من يعلقون عليه أو يشاركونه أو يذكرونه واعتمد الأسد القانون رقم 20 في الثامن عشر من أبريل، والذي يُحدِّث قانونا قائما من 2012 يحدد شروط وأحكام استخدام الإنترنت، وكذلك العقوبات على الجرائم المتعلقة بالإنترنت. واعتبارا من هذا الشهر، سيواجه مقدمو خدمات شبكة الإنترنت ومستخدموها في سوريا عقوبات تصل إلى 15 عاما في السجن وغرامات قدرها 15 مليون ليرة سورية (5530 دولارا) لمخالفتهم الإجراءات الجديدة. ومن الجدير بالذكر أنه تم تخصيص أقسى الغرامات والأحكام لمن ينشرون محتوى على الإنترنت يُعتقَد أنه ينتقص من هيبة الدولة أو يهدد الوحدة الوطنية أو يثير الرأي العام في صورة سلبية. وهذه الجرائم المصاغة صياغة غامضة مثيرة للقلق بوجه خاص لأنها فضفاضة للغاية وعرضة للتأويل، لكن السبب وراء هذا واضح؛ فالقانون يوفر تبريرا قانونيا للأجهزة الأمنية لتعتقل أي شخص يعبر عن آراء سلبية حول نظام الأسد أو الحكومة أو سياساتها. ولا يتيح القانون للسلطات معاقبة صاحب المنشور المسيء فحسب، وإنما أيضا مَن يعلقون عليه أو يشاركونه أو يذكرونه على وسائل التواصل الاجتماعي أو في تطبيقات الدردشة، مثل واتساب وتليغرام. والهدف من ذلك هو منع الناس من تأييد أي مشاعر معادية للحكومة أو نشرها، حتى في السر. ويبدو أن تصميم النظام على سحق المعارضة على الإنترنت هو رد فعل على تصاعد الغضب العام في الشارع، فعلى الرغم من الاستقرار النسبي في الأجزاء التي يسيطر عليها النظام في سوريا، استمرت مستويات المعيشة في التدهور. ووفقا للأمم المتحدة، يعيش 90 في المئة من السوريين تحت خط الفقر، وأكثر من 80 في المئة يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وهو ما دفع الأسر إلى تقليل كمية طعامها، وخفض كمية الوجبات، واللجوء إلى الاستدانة لتلبية الاحتياجات الأساسية. وازداد الوضع سوءا منذ نوفمبر، عندما أصدرت الحكومة قرارا برفع الدعم عن السلع الأساسية مثل الخبز والبنزين لنحو 600 ألف من “أصحاب الدخل المرتفع” في القطاع الخاص. وبررت الحكومة قرارها بأنه وسيلة لتقليص العجز الذي قُدِّر بنحو 1.6 مليار دولار لعام 2022. اقرأ أيضا: قانون الجرائم الإلكترونية يدخل حيز التنفيذ في سوريا: امنعوا النميمة في واتساب ولكن هذه الخطوة فشلت في تحقيق تخفيضات كافية في الإنفاق، وفي فبراير وسعت الحكومة قائمة الأشخاص المستبعدين من قائمة الدعم الحكومي؛ فصارت المعايير الجديدة للحرمان من الإعانات تشمل امتلاك سيارة يقل عمرها عن 14 عاما، وحيازة رخصة تجارية، ووجود فرد من العائلة في الخارج. وقد أضر هذا التعريف الفضفاض للثروة بموظفي الحكومة (بما في ذلك المتقاعدين والعسكريين)، وكذلك أصحاب المتاجر الصغيرة، الذين يتعين عليهم الآن دفع سعر السوق للسلع غير المدعومة، والتي يمكن أن تصل تكلفة الكثير منها إلى ثلاثة أضعاف. وعلى أرض الواقع، كانت الاحتجاجات المعارضة لتحركات الحكومة نادرة أو سرعان ما تُفَض. أما على الإنترنت، فقد انتشرت المعارضة، وشارك ممثلون بارزون (مثل عباس النوري وفراس إبراهيم) ومؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي، وصحافيون موالون للنظام (بما في ذلك كنان وقاف) في التحسر على تدهور الظروف المعيشية ونقص الخدمات الأساسية إلى جانب الفساد المستشري والسياسات الاقتصادية الفاشلة، كل ذلك أدى إلى تضخم حالة الإحباط في مناطق حكم النظام. وبدلا من التفكير في طرق مبتكرة لمعالجة الأسباب الجذرية للأزمة الاقتصادية، قرر النظام السوري، مجددا، زيادة حدة القمع لإسكات السخط العام. ويهدف قانون الجرائم الإلكترونية إلى إسكات المنتقدين من خلال اللعب على خوف الناس من السجن لسنوات طويلة، والتعذيب أو حتى الموت الذي قد ينتج عن ذلك. وهذه ليست مخاوف بلا أساس؛ فعلى مدار العقد الماضي اختفى عشرات الآلاف من السوريين على يد أجهزة الأمن التابعة للنظام بسبب تعبيرهم عن آراء انتقادية. سيواجه مقدمو خدمات شبكة الإنترنت ومستخدموها عقوبات تصل إلى 15 عاما في السجن وغرامات قدرها 5530 دولارا لمخالفتهم الإجراءات الجديدة وإذا لم يكن الخوف كافيا لردع المنتقدين، فقد يردعهم المال؛ فالغرامات الضخمة التي يفرضها القانون تعني أن الموظفين الحكوميين الذين يتقاضون راتبا شهريا يبلغ 23 دولارا في المتوسط، سيضطرون إلى العمل لعقود من الزمن لسداد ثمن قول شيء محظور قوله. وأشارت بعض الدول الأوروبية إلى أنه بعد سنوات من الحرب، فإن الظروف في سوريا قد تحسنت بما يكفي لعودة اللاجئين، وتخطط تركيا وحدها لتشجيع مليون لاجئ سوري على العودة إلى ديارهم من خلال بناء المساكن والبنية التحتية هناك. لكن قبل الإعلان عن أن سوريا آمنة، يجب على القادة الانتباه إلى الطرق العديدة التي يستمر الأسد في اتباعها لحكم البلد بالخوف والاستبداد؛ ففيما يخص الأشخاص الذين يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، قد تكون المخاطر قد تغيرت لكنها لا تزال قائمة.
مشاركة :