أثار وزير الخارجية الأميركي السابق، هنري كيسنجر، انتقادات بعدما نصح أوكرانيا بالتنازل عن أراضٍ، من أجل تحقيق السلام مع روسيا. وخلال مداخلة افتراضية أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا الاثنين، حذر كيسنجر من أن للفشل في استئناف المفاوضات مع روسيا وفرض مزيد من العزلة على الكرملين، عواقب وخيمة على المدى البعيد بشأن الاستقرار في أوروبا،حسبما أوردت صحيفة "نيويورك تايمز". وقال: "يجب أن تبدأ المفاوضات في الشهرين المقبلين، قبل أن تؤدي إلى اضطرابات وتوترات لن يتم التغلّب عليها بسهولة. من الناحية المثالية، يجب أن يتمثل الخط الفاصل في العودة إلى الوضع السابق"، مشيراً كما يبدو إلى استعادة أوكرانيا حدودها كما كانت قبل بدء الغزو الروسي، في 24 فبراير الماضي. واستدرك: "مواصلة الحرب بعد تلك النقطة لن يكون حول حرية أوكرانيا، بل حرب جديدة ضد روسيا". "موقف غير أخلاقي" وأثارت تصريحات كيسنجر (98 عاماً) ردّ فعل على مواقع التواصل الاجتماعي، ولدى جهات أخرى، علماً أن وزير الأميركي السابق أدى دوراً محورياً في تنسيق انفراج في العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق. واعتبر منتقدون أن كيسنجر، الذي اشتهر بدعوته إلى تبنّي نهج واقعي في العلاقات الدولية، كان يقترح أمراً غير واقعي بشكل واضح. وكتبت النائبة الأوكرانية إينا سوفسون على تويتر: "إنه لأمر مؤسف أن يعتقد وزير الخارجية الأميركي السابق بأن التخلّي عن جزء من الأراضي السيادية، هو وسيلة للسلام بالنسبة إلى أيّ دولة!". وذكّرت بأن "كيسنجر أصبح عضواً في الأكاديمية الروسية للعلوم، عام 2016، بعد سنتين على ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم بشكل غير قانوني". وأضافت: "بعد 6 سنوات على ذلك، استخدم (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين شبه جزيرة القرم، كمنصة لشنّ هجوم واسع على جنوب أوكرانيا.. لن نقع في هذا الفخ مجدداً". وأشارت إلى أن "روسيا احتلّت نحو 120 ألف كيلومتر مربع من الأراضي الأوكرانية، أي نحو 20% منها"، وتابعت: "هذا حجم نصف المملكة المتحدة. أو منطقة هولندا وبلجيكا والدنمارك ولوكسمبورج مجتمعة". أما رئيس "مجلس العلاقات الخارجية"، ريتشارد هاس، فكتب على تويتر، أن اقتراح كيسنجر "يُحتمل أن ترفضه أوكرانيا، إذ يطالبها بالتخلّي عن الكثير، ومن بوتين لمنحه روسيا القليل جداً". بطل العالم الروسي السابق في الشطرنج، جاري كاسباروف، وهو ناشط سياسي مناهض لبوتين، كتب أيضاً على تويتر أن موقف كيسنجر "ليس غير أخلاقي فحسب"، بل "ثبت خطأه مرات". وأضاف: "إن التنازل لمجالات قوى عظمى، مثل بوتين و(الرئيس الصيني) شي جين بينج، لا يمكن أن يستمرّ لأن الطغاة يحتاجون إلى نزاع حتماً. هذه ليست الحرب الباردة". رفض أوكراني كذلك يرفض معظم الأوكرانيين هذه الفكرة، إذ أظهر استطلاع للرأي، نشر معهد كييف لعلم الاجتماع نتائجه، الثلاثاء، أن 82% من الأوكرانيين لا يريدون التنازل عن أراضٍ لروسيا. خلال محادثات سلام بين كييف وموسكو، في مارس الماضي، قال مسؤولون أوكرانيون إن بلادهم مستعدة لإعلان نفسها دولة محايدة بشكل دائم، والتخلّي عن احتمال الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وهذا مطلب روسي أساسي، ومناقشة مطالبة موسكو بأراضٍ. لكن ملف التنازل عن أراضٍ حساس جداً في أوكرانيا، إذ يُصرّ كثيرون من مواطنيها على وجوب ألا تقدّم تنازلات إقليمية أو الانصياع لمطالب روسيا، بحسب "نيويورك تايمز". في عام 2014، ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية، كما أن الجيش الأوكراني يقاتل انفصاليين مدعومين من موسكو، يسيطرون على مساحة ضخمة من إقليم دونباس شرق البلاد، في السنوات الثماني الماضية. ليست المرة الأولى التي يثير فيها كيسنجر جدلاً. فعندما نال جائزة نوبل للسلام، في عام 1973، نتيجة جهوده في التفاوض على إنهاء الحرب في فيتنام، اعترض ناشطون على ذلك، مشيرين إلى حملة قصف أميركية مدمّرة في كمبوديا، خلال تولّيه منصبه. واستقال عضوان من لجنة نوبل، احتجاجاً على منحه الجائزة.