الاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الرقمي مفهومها وأهميتها ومتطلبات إنفاذها (2)

  • 5/26/2022
  • 01:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لبيان‭ ‬أهمية‭ ‬ومتضمنات‭ ‬ومتطلبات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الوطنية‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الرقمي‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التعرض‭ ‬لقسم‭ ‬من‭ ‬الملامح‭ ‬النظرية‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الرقمي‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬مسمياته‭ ‬وتعاريفه‭ ‬ونشأته‭ ‬وتطوره‭ ‬وتجاربه‭ ‬العالمية‭ ‬والإقليمية‭ ‬المعاصرة‭. ‬فقد‭ ‬أطلق‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الرقمي‭ ‬مسميات‭ ‬عديدة‭ ‬منها‭: ‬اقتصاد‭ ‬الإنترنت،‭ ‬واقتصاد‭ ‬المعلومات‭ ‬والاقتصاد‭ ‬الجديد،‭ ‬واقتصاد‭ ‬الويب‭. ‬وعرفت‭ ‬لجنة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬لغربي‭ ‬آسيا‭ (‬الاسكوا‭) ‬الاقتصاد‭ ‬الرقمي‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬الاقتصاد‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الرقمية‭ ‬ويستند‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬مكونات،‭ ‬منها‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬التكنولوجية،‭ ‬والأجهزة،‭ ‬والبرمجيات،‭ ‬والشبكات،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الآليات‭ ‬الرقمية‭ ‬التي‭ ‬تتم‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الأعمال‭ ‬التجارية‭ ‬والأنشطة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬كالتجارة‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬والمعاملات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬التي‭ ‬تتم‭ ‬عبر‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت‮»‬‭. ‬كما‭ ‬عرف‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬عملية‭ ‬التفاعل‭ ‬والتكامل‭ ‬والتنسيق‭ ‬المتواصل‭ ‬بين‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬وتكنولوجيا‭ ‬الاتصالات‭ ‬من‭ ‬جانب،‭ ‬وبين‭ ‬الاقتصاد‭ ‬القومي‭ ‬والقطاعي‭ ‬والعالمي‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬وبما‭ ‬يحقق‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الشفافية‭ ‬والسرعة‭ ‬والإتاحة‭ ‬لجميع‭ ‬المؤشرات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المساندة‭ ‬للقرارات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬والمالية‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬خلال‭ ‬مدة‭ ‬معينة‮»‬‭. ‬ويعرف‭ ‬أيضا‭ ‬بأنه‭ ‬الاقتصاد‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬الانترنت‭. ‬ ومصطلح‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الرقمي‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬انتشار‭ ‬استخدام‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬والاتصالات‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مجالات‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬المعاصرة،‭ ‬معبرا‭ ‬عن‭ ‬رؤية‭ ‬مستقبلية‭ ‬لعالم‭ ‬تكون‭ ‬فيه‭ ‬المعلومات‭ ‬الركيزة‭ ‬الأساسية‭ ‬للاقتصاد،‭ ‬متجسدة‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬تحتية‭ ‬رقمية‭ ‬رفيعة‭ ‬المستوى،‭ ‬كفيلة‭ ‬بتحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬مجالات‭ ‬الحياة،‭ ‬وبما‭ ‬يوسّع‭ ‬نطاق‭ ‬الفرص،‭ ‬ويحفّز‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬للبلاد،‭ ‬ويحسّن‭ ‬سبل‭ ‬توفير‭ ‬الخدمات‭ ‬العامة‭. ‬ويمثل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الرقمي‭ ‬أهمية‭ ‬بالغة‭ ‬لاتخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬الرشيدة،‭ ‬حيث‭ ‬يوفر‭ ‬لمتخذ‭ ‬القرار‭ ‬سيلا‭ ‬من‭ ‬البيانات‭ ‬والمعلومات‭ ‬والمؤشرات‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬الاستناد‭ ‬عليها،‭ ‬فقد‭ ‬تجاوز‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الرقمي‭ ‬الحدود‭ ‬والحواجز‭ ‬أمام‭ ‬تدفق‭ ‬المعلومات‭ ‬والسلع‭ ‬والخدمات‭ ‬وحركة‭ ‬رؤوس‭ ‬الأموال،‭ ‬ووطد‭ ‬فلسفة‭ ‬العولمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمالية‭. ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬أضحى‭ ‬ضرورة‭ ‬حتمية‭ ‬لبناء‭ ‬المدن‭ ‬والمجتمعات‭ ‬الذكية‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬المختلفة‭ ‬إلى‭ ‬إنشائها‭ ‬باعتبارها‭ ‬انعكاسا‭ ‬رئيسيا‭ ‬لجودة‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التطورات‭ ‬التقنية‭ ‬المعاصرة،‭ ‬وهو‭ ‬أيضا‭ ‬يعزز‭ ‬قدرات‭ ‬جميع‭ ‬الجهات‭ ‬الفاعلة‭ ‬في‭ ‬البنى‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬حكومية‭ ‬أو‭ ‬خاصة‭ ‬أو‭ ‬مواطنين‭. ‬ويتسم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الرقمي‭ ‬بالعمل‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬مجتمع‭ ‬المعلومات‭ ‬عبر‭ ‬تسخير‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬والاتصالات‭ ‬لتحقيق‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬التنموية‭ ‬للدول‭ ‬والشركات‭ ‬وحتى‭ ‬الأفراد‭. ‬والاقتصاد‭ ‬الرقمي‭ ‬رغم‭ ‬الحداثة‭ ‬النسبية‭ ‬التي‭ ‬يتميز‭ ‬بها‭ ‬التوجه‭ ‬العالمي‭ ‬نحوه‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬كمفهوم‭ ‬ومرئيات‭ ‬يعد‭ ‬قديم‭ ‬الظهور‭ ‬نسبيا،‭ ‬فقد‭ ‬ظهرت‭ ‬باكورة‭ ‬الكتابات‭ ‬العلمية‭ ‬عنه‭ ‬عام‭ ‬1921،‭ ‬حيث‭ ‬نشر‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الأمريكي‭ ‬فرانك‭ ‬نايت‭ ‬أول‭ ‬دراسة‭ ‬له‭ ‬عن‭ ‬اقتصاد‭ ‬المعلومات‭. ‬ثم‭ ‬توالى‭ ‬التأصيل‭ ‬النظري‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬كتابات‭ ‬المفكر‭ ‬الاقتصادي‭ ‬مارشال‭ ‬في‭ ‬دراسته‭ ‬الموسومة‭ ‬‮«‬نظرية‭ ‬اقتصادية‭ ‬للتنظيم‭ ‬والمعلومات‮»‬‭ ‬المنشورة‭ ‬عام‭ ‬1954،‭ ‬ثم‭ ‬برزت‭ ‬نظريات‭ ‬الاقتصادي‭ ‬فيرتز‭ ‬ما‭ ‬كلوب‭ ‬التي‭ ‬ركزت‭ ‬على‭ ‬اقتصاد‭ ‬المعرفة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عام‭ ‬1962،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1977‭ ‬أصدر‭ ‬الاقتصادي‭ ‬مارك‭ ‬يوري‭ ‬بورات‭ ‬دراسة‭ ‬من‭ ‬تسعة‭ ‬أجزاء‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬دراسات‭ ‬معمّقة‭ ‬لقياس‭ ‬وتخمين‭ ‬حجم‭ ‬اقتصاد‭ ‬المعلومات‭. ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1989‭ ‬أطلق‭ ‬عالم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬كيبرج‭ ‬مفهوم‭ ‬علم‭ ‬المعلومات‭ ‬التنموي،‭ ‬الذي‭ ‬عرفه‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬العلم‭ ‬الذي‭ ‬يبحث‭ ‬في‭ ‬تأثير‭ ‬المعلومات‭ ‬على‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‮»‬،‭ ‬مفترضا‭ ‬أن‭ ‬المعلومات‭ ‬تحقق‭ ‬أكبر‭ ‬قيمة‭ ‬مضافة‭ ‬حينما‭ ‬تمتزج‭ ‬بعناصر‭ ‬الإنتاج‭ ‬المادية‭ ‬والبشرية‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الدفع‭ ‬الأكبر‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الرقمي‭ ‬ترافق‭ ‬مع‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية‭ ‬الرابعة‭ ‬التي‭ ‬منحته‭ ‬بعدا‭ ‬أوسع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬محصلة‭ ‬تفاعل‭ ‬التقنيات‭ ‬التي‭ ‬برزت‭ ‬عنها‭ ‬مثل‭ ‬انترنت‭ ‬الأشياء‭ ‬والهواتف‭ ‬الذكية،‭ ‬والبيانات‭ ‬الكبيرة‭ ‬وتقنية‭ ‬البلوك‭ ‬تشين‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬وغيرها،‭ ‬ما‭ ‬منح‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬فرصة‭ ‬فريدة‭ ‬لتسريع‭ ‬خطى‭ ‬رقمنة‭ ‬اقتصاداتها‭ ‬ومجتمعاتها‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الذكية،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬إدخال‭ ‬نماذج‭ ‬عمل‭ ‬جديدة،‭ ‬ومنتجات‭ ‬جديدة،‭ ‬وخدمات‭ ‬جديدة،‭ ‬واعتماد‭ ‬طرق‭ ‬جديدة‭ ‬لخلق‭ ‬القيمة‭ ‬المضافة‭ ‬وتوفير‭ ‬فرص‭ ‬تشغيل‭ ‬نوعية‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬مهارات‭ ‬تقنية‭ ‬جديدة‭ ‬‏‏‭. ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬قاد‭ ‬إلى‭ ‬تمييز‭ ‬جديد‭ ‬لمستوى‭ ‬التطور‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬وفقا‭ ‬للتقنيات‭ ‬الرقمية،‭ ‬فبرز‭ ‬مؤشر‭ ‬عالمي‭ ‬جديد‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬مقياس‭ ‬الفجوة‭ ‬الرقمية‭ ‬Digital‭ ‬divide‭ ‬التي‭ ‬تعني‭ ‬درجة‭ ‬التفاوت‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬التقدم‭ (‬سواء‭ ‬بالاستخدام‭ ‬أو‭ ‬الإنتاج‭) ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الاتصالات‭ ‬وتكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬بين‭ ‬دولة‭ ‬وأخرى‭ ‬أو‭ ‬تكتل‭ ‬وآخر‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬مدن‭ ‬الدولة‭ ‬الواحدة،‭ ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬الفجوة‭ ‬التي‭ ‬تفصل‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬يمتلكون‭ ‬المعرفة‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬التقنيات‭ ‬الحديثة‭ ‬وبين‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يملكون‭ ‬هذه‭ ‬المعرفة‭ ‬وتلك‭ ‬القدرة‭. ‬كما‭ ‬برز‭ ‬مؤشر‭ ‬تقييم‭ ‬الجاهزية‭ ‬للتحول‭ ‬نحو‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الرقمي‭ ‬عبر‭ ‬رصد‭ ‬التطور‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬والاتصالات،‭ ‬ومستوى‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬والتطوير‭ ‬والابتكار‭.‬   {‭ ‬أكاديمي‭ ‬وخبير‭ ‬اقتصادي

مشاركة :