الأزمات الاقتصادية الشغل الشاغل لهيئة الصحافة المصرية

  • 5/26/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تعكس الاجتماعات المتكررة التي تعقدها الهيئة الوطنية للصحافة في مصر (وهي الهيئة المسؤولة عن إدارة وتنظيم العمل في المؤسسات الصحافية الحكومية) لإيجاد حلول للأزمة الاقتصادية التي تواجهها الصحف، وجود ما يشبه الإصرار على اختزال أزمات المؤسسات الصحافية في تراكم الديون، مع أن أغلب مشكلاتها لها علاقة مباشرة بالمحتوى. وعقد عبدالصادق الشوربجي رئيس هيئة الصحافة ورؤساء مجالس إدارات المؤسسات اجتماعا قبل أيام مع مسؤولي وزارة المالية لحل أزمة تراكم الديون الخاصة بالضرائب والتأمينات على الصحف، وجرى الاتفاق على أن الوصول إلى حل وسط في هذه الإشكالية يقود إلى تحسين الأوضاع داخل المؤسسات الصحافية. وتوحي هذه النظرة بأن القائمين على إدارة المشهد الصحافي مصممون على تصدير أزمة تراكم الديون لتخفيف الضغوط الواقعة عليهم بشأن تأخرهم في إحراز تقدم ملموس لتغيير الواقع المهني داخل مؤسساتهم، على الرغم من تدني شعبيتها وتراجع نفوذها وعدم تأثيرها على الشارع وصانع القرار على حد السواء. ويرى الكثير من العاملين في هذه المؤسسات الإعلامية أن الإصرار على تحويل أزمة المؤسسات من مهنية إلى اقتصادية ينذر ببقاء الوضع الراهن دون تغيير سنوات أخرى، ما يقود إلى المزيد من التدهور في ظل وصول علاقة المواطن العادي بالصحف الورقية وحتى الرقمية إلى حالة من القطيعة، وهو ما يؤثر على ما تبقى من رصيد. الكثير من الصحف الحكومية تفتقد للعمق في معالجة الموضوعات التي تلامس صميم احتياجات الشارع الكثير من الصحف الحكومية تفتقد للعمق في معالجة الموضوعات التي تلامس صميم احتياجات الشارع ويعتقد هؤلاء أنه مهما تراكمت الأزمات الاقتصادية التي تضرب مختلف المؤسسات الصحافية، فإن ذلك يبقى نتاج التراخي في وضع خطط غير تقليدية لإعادة جذب الجمهور إلى الإصدارات مرة أخرى، وتقديم محتوى يتناغم مع احتياجاته ونقل نبضه وصوته إلى صانع القرار والتعامل بمهنية مع قضاياه الشائكة. ولا يتذكر الكثير من العاملين في مؤسسات صحافية أن عقدت هيئة الصحافة مع المسؤولين عن الإصدارات الورقية والرقمية اجتماعا واسعا لمناقشة تراجع دور الصحف والبحث في خلفيات أزماتها بعيدا عن الشق الاقتصادي وتراكم الديون، حتى أصبحت السياسة التحريرية تُدار تماما وفق الطريقة التي تخدم الحكومة فقط. وبالتوازي مع هذا القصور لا تبدو الحكومة نفسها مكترثة بسياسة الصحف الرسمية، وربما فقدت الأمل في تطويرها وعودتها إلى سابق عهدها بعدما تراجع بريقها وتأثيرها على الرأي العام ولم تعد كما كانت صاحبة شعبية ووسيطا بين السلطة والشارع، ولذلك لا يعمل العديد من المسؤولين على إعادة الاعتبار لها. وبعدما قررت الكثير من المؤسسات التوسع في الإصدارات الرقمية لمواكبة العصر والتطورات التكنولوجية الحاصلة في المهنة لم ينجح ذلك في استقطاب الجمهور المتذمر من الصحافة الورقية، لأن أزمة الصحف لا ترتبط بكونها مطبوعة أو إلكترونية أكثر من كونها تتعلق بالمضمون والمحتوى، بدليل أن هناك إصدارات رقمية مكررة من الجريدة الأم. بعض الصحف ما زالت تسيطر عليها ثقافة الالتزام بالبيانات الرسمية دون معالجتها، خشية أن تتعارض مع رواية السلطة ويقول خبراء إعلام إن استمرار الفهم الخاطئ لطبيعة الأزمة التي تعاني منها الصحف، بغض النظر عن كونها ورقية أو رقمية، يقود إلى تراكم أزماتها الاقتصادية والمهنية أيضا، وهناك تغييب شبه متعمد للمحتوى المحترف وتقليدية غير محدودة في التعامل مع القضايا الجماهيرية واعتماد كبير على البيانات الرسمية. وتفتقد الكثير من الصحف الحكومية للعمق والتحليل في معالجة الموضوعات التي تلامس صميم احتياجات الشارع، وأصبح الكثير من العاملين فيها موظفين لا يجتهدون للابتكار أو التنوع والتفرد بعدما جرى تغييب الكفاءات وتصعيد أهل الثقة بالتزامن مع تراجع هامش الحرية والمنافسة والتميز. وتبرهن بعض الأصوات على أن أزمة الصحف في مصر مهنية وتحريرية أكثر منها اقتصادية، حيث كانت حتى وقت قريب في مراكز متقدمة على محركات البحث، وهذا نتاج التفاعل الجماهيري معها، وفي وقت سابق كانت “بوابة الأهرام” التابعة لمؤسسة الأهرام الحكومية تتربع على قمة تصنيف المواقع الإخبارية الخاصة والمستقلة. ولم يكن لدى المؤسسات الصحافية آنذاك قوام اقتصادي قوي، بل تعاني من أزمات مالية وديون متراكمة، وإنما تكمن قوتها في المحتوى المتحرر من القيود ونقل نبض الشارع دون انتقائية أو خوف من ردة فعل الحكومة، وكان الحراك السياسي قد وصل إلى ذروته، وظلت الصحف والمواقع تنشر مضامين تناسب الناس وتنتقد مسؤولين كبارا. وارتبط الأمر آنذاك بوجود مسؤولين على قمة الهيئات التحريرية والإدارية يملكون قدرة على ضبط علاقة الصحف بالحكومة والتمييز بين الالتزام بالرواية الرسمية للمؤسسات ونقل الرأي الآخر أيضا لتُتاح معرفة وجهتي النظر حول أي قضية. وما يميز وسائل الإعلام اليوم هو الرواية الواحدة، أو الصوت الواحد، وهو الصوت الرسمي الذي لا يفضله أغلب القراء، لذلك لا بد للمسؤولين عن الصحافة أن يبحثوا عن طريقة لحل هذه المشكلة، لأن استمرارها فترة طويلة قد يصيب الإعلام في مقتل. صحف متراكمة لا تشترى ولا تباع صحف متراكمة لا تشترى ولا تباع وأكد الأكاديمي والخبير الإعلامي حسن عماد مكاوي أن التعاطي مع أزمات الصحف من منظور اقتصادي دون التطرق إلى مشكلة المحتوى يمنع حدوث تطوير يتناغم مع متطلبات الجمهور، مقابل صعود نجم مواقع التواصل الاجتماعي كمنصات خارج السيطرة، وفقدان الحكومة منابر متزنة لا يزال لها رصيد تاريخي في الشارع. ويرتبط جزء من مشكلات الصحف بغياب الكفاءات عن المشهد، إما بإرادتها لأنها شعرت بالتهميش أو عبر تنحيتها لمحاولة تجنب وجودها حتى لا يسطع نجمها وتزاحم مستقبلا على المناصب، مع أن الاعتماد على شخصيات مهنية هو السبيل الأمثل لإنقاذ الوضع الراهن لتظل الصحف ظهيرا للحكومة مع تحقيق تطلعات الجمهور. وأشار مكاوي لـ”العرب” إلى صعوبة تجاوز الصحف لمشكلاتها دون التحرك في المسارين المهني والاقتصادي معا، لأن اختزال الأزمة في النواحي المادية وتراكم الديون يشغل المسؤولين في الصحف عن الاهتمام بتطوير المحتوى والبحث في ما وراء الخبر، مع أن ذلك هو سبيل عودة الجمهور إلى هذه المنابر، وزيادة توزيع الصحف ونسب المشاهدات والإعلانات، بما يحقق عائدا اقتصاديا للصحيفة. ولا تزال تسيطر على بعض الصحف الحكومية ثقافة الالتزام بالبيانات الرسمية، دون معالجتها بموضوعية واحترافية خشية نشر معلومات عن قضايا تتعارض مع الرواية الصادرة عن الحكومة، وهذا ليست له علاقة بالنواحي الاقتصادية، بل يرتبط بغياب الجرأة في النقد، مع أن الجمهور يبحث عن منابر متحررة من الرواية الرسمية. وتتحمل الحكومة الجزء الأكبر من الأزمة الراهنة، لأنها أبقت على صحافيين لا يعملون وفق استراتيجية محددة توازن بين المهنية والشق الاقتصادي ولا يمتلكون خططا للتطوير وعودة الصحف إلى بريقها كي تكون صاحبة الكلمة الأولى في توجيه الرأي العام، وهو ما وضع الحكومة في مأزق لأنها لم تجد الوسيلة الإعلامية الجادة والصادقة التي تخاطب الناس من خلالها. ويخشى عاملون في الصحافة أن يكون تصدير تراكم أزمة الديون للرأي العام باستمرار متعمدا كمبرر للتوسع في دمج وإلغاء منابر صحافية، وفق قانون الصحافة والإعلام لعام 2018، طالما أن الحكومة غير معنية وربما متراخية في إسقاط ديون المؤسسات، من ضرائب وتأمينات.

مشاركة :