ما زال الكتاب الورقي يجذب القراء ويسجل حضوره بقوة في معرض أبوظبي الدولي للكتاب بدورته الـ31، حيث يقبل عليه الكبار والصغار، ويفضلونه على الكتاب الإلكتروني رغم بريقه وإغراءاته. ووفق نخبة من الناشرين والقراء، فإن الكتاب الورقي يشهد انتعاشة لأسباب عدة، فهو يُعد الأفضل للعقل والصحة، حيث يستوعب القارئ القصة، وقد يحفظ فصولها ويرسم شخوصها جيداً في مخيلته، كما يشعر بأنه يستكشف أسراراً مع إمكانية الرجوع إلى الصفحات وتسجيل الملاحظات، ناهيك عن العلاقة الحميمية والإنسانية التي تجمع القارئ بالورق، بينما قد يواجه قراء الكتاب الإلكتروني صعوبة في التركيز، وتشتت الانتباه، وعدم ترسيخ المعلومة، مؤكدين أن للكتاب الورقي سطوته وحضوره، مما يؤكد أنه بخير وهو الأصل. الدكتورة اليازية خليفة صاحبة دار «الفلك للترجمة والنشر»، أمين سر جمعية الناشرين الإماراتيين، أكدت أنه رغم عدم وجود دراسات منشورة تؤكد أفضلية أي منهما على الآخر، لكن بالإمكان تقييم الأمر من خلال الملاحظات الشخصية، وما نراه في الساحة الثقافية، حيث لوحظت العودة وبقوة إلى «الورقي». وحمّلت اليازية خليفة أولياء الأمور جانباً من مسؤولية ارتباط الأطفال بالكتاب الإلكتروني. اليازية خليفة اليازية خليفة وأضافت أن أولياء الأمور هم من حولوا اتجاه الأبناء نحو الكتاب الرقمي لسهولة توفره، عبر جهاز واحد لا يحتل حيزاً في المنزل؛ ولذا توجهوا لشراء الكتب الإلكترونية تفادياً لتكدس الأوراق في البيت، وتجنباً لاحتمال نشرها لبعض الأمراض في حال احتوائها على بعض الأتربة والغبار، وخاصة في فترة انتشار جائحة «كورونا». وأضافت اليازية «في حقيقة الأمر (الورقي) يبقى هو الأهم، حيث هناك حميمية في تصفح الكتاب تنتج عنها مشاعر وأحاسيس وارتباط به، فعلى الوالدين غرس هذه القيمة في نفوس الأبناء منذ نعومة أظفارهم، وخاصة الأطفال دون سن الرابعة، لتعزيز ارتباطهم بالكتاب الورقي، مع ربط قراءة (الورقي) بفكرة الرغبة وليس بفكرة الواجبات المدرسية، ولعل افتقاد الكتاب الورقي في الفترة السابقة، أعاد الناس إليه بنهَم وحب كبيرين، خاصة مع انفراج أزمة (كورونا) وتراجعها وعودة الناس للحياة الطبيعية». إقبال على «الورقي» ثقة كبيرة في استمرار الكتاب الورقي وقدرته على التغلب على الإلكتروني رغم المنافسة الشديدة من طرف الأخير، وهذا ما أكده بلال عتال من دار نشر سورية، موضحاً أن للكتاب الورقي هيبته، مؤكداً أن المعارض تخدم هذه الفكرة وتشجع على العودة لـ«الورقي» رغم توافر الخيارات الكثيرة من الكتب الإلكترونية والأخرى المسموعة، مشيراً إلى أنه لاحظ الإقبال الكبير على الكتب الورقية في المعرض خاصة من طرف الأطفال، بعكس ما يروج، موضحاً أن الكتب التي تشهد إقبالاً كبيراً هي كتب التنمية البشرية والقصص والكتب التفاعلية للصغار. بلال عتال بلال عتال معرض أبوظبي الدولي للكتاب تابع التغطية كاملة لن يختفي والحال أن الكتاب الورقي سيستمر ولن يختفي، والكتب التي ترتقي إلى ذائقة القراء تجعل الطفل فرداً منظماً ومشاركاً بإيجابية ومنتجاً ومفيداً لوطنه ومجتمعه، فالقراءة هي عمود التطور في أي مجتمع، هذا ما أكدته موزة البادي من مركز حدائق الفكر للثقافة والخدمات من سلطنة عُمان، موضحة أن هناك عودة قوية للكتاب الورقي، وهذا يبشر بالخير. وأضافت: «هناك اشتياق ولهفة على الكتاب الورقي، حيث إن هناك مشاعر وأحاسيس تربط الإنسان مع (الورقي)، ليعيش مع أحداث القصة، ولذلك له الأثر الكبير في نفوس القراء، ولاسيما الأطفال منهم، حيث تجعلهم أناساً ناجحين وفاعلين في مجتمعاتهم». عشاق كُثر وأكد أحد المسؤولين بـ«دار الأضواء للمعرفة والنشر والتوزيع»، (السعودية)، أن الكتاب الإلكتروني، لن يحل محل الكتاب الورقي مهما كانت الإغراءات، لأن «الورقي» في نظره له جمهور وعشاق كثر، ناهيك عن الأسباب الأخرى التي تقلل من الإقبال على الكتاب الإلكتروني، كعدم التركيز وفقدان القدرة على ترسيخ المعلومة، بينما يحدث العكس مع «الورقي»، كما أن وجود المكتبة في البيت يعطي إحساساً وشعوراً جميلاً بالرغبة في الاطلاع والمعرفة عبر الجلوس إلى الكتاب الورقي. وعن الكتاب المسموع، قال إن له عشاقه، ولكن ينطبق عليه ما يسري على الكتاب الإلكتروني، وليست له القدرة على منافسة الكتاب الورقي، وخاصة كتب التاريخ وأمهات الكتب، مشيراً إلى أن دار الأضواء للمعرفة والنشر والتوزيع حديثة العهد، وتعمل على خدمة القراء من خلال إصداراتها لتفعيل القراءة وتشجيعها. أسامة القيسي أسامة القيسي استعاد هيبته أما أسامة القيسي كاتب وناشر من «دار نشر نوفا بلاس للنشر والتوزيع» (الكويت)، فقد أشار إلى أن هناك إقبالاً قوياً على الكتاب الورقي، وهذا ما لمسه من خلال المعرض ومن خلال بقية معاملاته مع القراء. وأضاف: «من خلال خبرتنا في دار النشر على مر 8 سنوات، أرى أن الكتاب الورقي سيبقى في الصدارة، حيث إن هناك الكثير من القراء يتحدثون عن أهمية القراءة الورقية، ولاسيما أن هناك شعوراً مختلفاً للقراءة، وفي طريقة تقليب الصفحات، وأغلب القراء يرغبون في الابتعاد عن الكتب الإلكترونية ويؤكدون رغبتهم في العودة للورقي». وقال: مرت فترة كان الكتاب الإلكتروني يحتل فيها الصدارة، بسبب حب الاستكشاف وتجريب شيء جديد وبسبب سهولة تنزيل الكتب من خلال الكمبيوتر أو الهاتف، ولكن في الواقع، لم يصمد ذلك كثيراً، وما نلاحظه عبر المعرض وحتى من خلال الشراء عن طريق «الإنترنت»، نلمس إقبالاً كبيراً على الكتاب الورقي، ونحن في الدار قمنا بإجراء استطلاع ووجدنا أن أغلب القراء يفضلون «الورقي»، الذي استعاد هيبته. ذكريات جميلة واعتبرت القارئة نصرا المعمري أن للكتب الورقية رونقها الخاص، موضحة أن مفهوم القراءة بالنسبة لها يرتبط بوجود هذا النوع من الكتب، مؤكدة أنها تستمتع بالقراءة في الكتاب الورقي، وتحتفظ بذكريات جميلة من خلال القراءة، حيث كانت وهي طفلة تتخيل القصة وتعيش أحداثها وتتأثر وتبكي وتبتسم، وترتبط ببعض أبطال رواياتها، وترسم لهم ملامح وعيوناً، بينما الكتاب الإلكتروني لا يمنحها هذا الشعور الجميل والإنساني. نصرا المعمري نصرا المعمري جيل قارئ الكتاب الورقي هو الجسر الحقيقي نحو تأسيس جيل قارئ يتمتع بذائقة فنية وحس جمالي، هذا ما أكده محمد علوان الذي كان يرافق ابنه بالمعرض، موضحاً أنه يعمل جاهداً من أجل ربط ابنه بالكتاب الورقي، وإبعاده عن الكتاب الإلكتروني، وذلك بتوفير مكتبة في البيت تضم بعض الكتب التي يختارها بنفسه، الأمر الذي جعله يرتبط بالكتاب الورقي، ناهيك عن تأثير الكتاب الإلكتروني السلبي على العين والصحة بشكل عام، نتيجة الإفراط في استخدام الكمبيوتر أو شاشة الهاتف المحمول. رائحة الورق خديجة أحمد، كاتبة قصص أطفال، أكدت أن الاعتماد بشكل كامل على الكتاب الإلكتروني، لا يمنح القراء تلك المتعة المرتبطة برائحة الورق وإمكانية تقليب الصفحات والرجوع لها في أي وقت، لافتة إلى أن ارتباط هذا الجيل بوسائل التكنولوجيا سيصيبهم بالعديد من المشكلات الصحية التي يمكن أن تحدث للأطفال كضعف البصر وتشتت الانتباه وفرط الحركة، وغير ذلك من المشكلات التي تصيب العمود الفقري وتشوه الجسم، نتيجة الجلوس لساعات لاستخدام الشاشات الرقمية بأنواعها. حب القراءة أكدت المعلمة هاديا سعيد على دور المدارس في ترسيخ حب القراءة الورقية لدى الطلاب، وهذا الأمر يبدأ من البيت والمدرسة، موضحة أن المعرض يشهد إقبالاً كبيراً من جانب الطلاب، مما سيحدث ذلك الأثر ويعيد الكتاب الورقي للواجهة، وشددت على الدور المهم للمدارس في الحفاظ على بقاء الكتاب الورقي، وذلك بتقليل الاعتماد على وسائل التكنولوجيا في التدريس وتحفيز الطلاب على استخدام الورق كعنصر أساس في العملية التعليمية. إعادة توجيه الكتاب الورقي يظل هو المرجعية الثابتة للكثير من العلوم والمعارف التي تتناقلها الأجيال منذ مئات السنين، هذا ما أشارت إليه القارئة العُمانية نهلة النيادي، موضحة أن جيل الشباب ما زال يقبل على الكتاب الورقي رغم التحديات، مؤكدة أن انتشار الكمبيوتر ووسائل التواصل الاجتماعي ينذر بجيل سطحي غير ملم بتاريخه وثقافته، مما يستدعي إطلاق مبادرات لإعادة توجيه الشباب والأطفال إلى المكتبات وتشجيعهم على قراءة الكتب.
مشاركة :