بقاء فلاديمير بوتين في السلطة مهما كانت نتيجة الحرب الأوكرانية وراء عدم انشقاق الكثيرين

  • 5/27/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أثار قرار بوريس بونداريف الدبلوماسي الروسي في مقر الأمم المتحدة بأوروبا في جنيف الاستقالة من عمله في وزارة الخارجية الروسية احتجاجا على غزو أوكرانيا، تكهنات أنه بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا، ستتوالى الانشقاقات من جانب كبار مسؤولي نظام حكمه، لكن الواقع عكس ذلك بنسبة كبيرة. ورغم الفشل النسبي للغزو حتى الآن، فإن عددا قليلا للغاية من كبار المسؤولين الروس هم الذين انشقوا عن النظام، ما يعني أن مؤسسة الحكم الروسية ليست على وشك الانهيار من الداخل. ويقول الكاتب الروسي ليونيد بيرشيدسكي إن الشخصيات البارزة من حقبة بوتين، ترى أن فوائد البقاء ضمن النظام أكبر من الانشقاق عنه. وحتى الآن فإن بونداريف، وهو دبلوماسي متخصص في قضايا نزع السلاح، هو أعلى موظف يعلن انشقاقه في وزارة الخارجية . فلم يعلن أيّ من نواب الوزير ولا السفراء الهروب من السفينة، رغم تخلي وزير الخارجية سيرجي لافروف عن الوسائل الدبلوماسية والانضمام إلى جهود الدعاية الحربية، مدعيا أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يهودي ويمكن أن يصبح نازيا مثل أدولف هتلر. الشخصيات البارزة من حقبة فلاديمير بوتين ترى أن فوائد البقاء ضمن النظام أكبر من الانشقاق عنه ورغم ذلك احتاج بونداريف إلى نحو ثلاثة شهور منذ بداية الحرب، وثلاثة أسابيع منذ تصريحات لافروف المعادية للسامية، لكي يعلن استقالته ويوجه انتقادات خفيفة إلى وزير الخارجية الروسي حيث قال إنه “يدلي باستمرار ببيانات متناقضة”. ولكن هل هناك شخصيات بارزة أخرى انشقت؟ بالفعل هناك أناتولي تشوبياس الموظف المدني لسنوات طويلة والذي استقال بهدوء من منصبه غير المهم كممثل خاص للرئيس بوتين لشؤون التنمية المستدامة، وغادر روسيا دون أيّ كلام عن الحرب. وهناك عدد من الإعلاميين ومسؤولي التلفزيون الرسمي الذين رفضوا الحرب، مثل مارينا أوفسيانيكوفا التي قفزت أمام كاميرا القناة الأولى من التلفزيون الرسمي الروسي لتعرض لافتة رافضة للحرب. ويقول ليونيد بيرشيدسكي الكاتب المقيم في برلين إن عددا قليلا من رجال الأعمال الروس أعلنوا انشقاقهم بسبب الحرب، مشيرا إلى أن قصة إيجور فولوبييف أحد نواب رئيس مصرف غازبروم بنك الروسي الذي يقدم خدماته المالية لمستوردي الغاز الطبيعي الروسي هي الأبرز في هذا السياق، حيث لم يكتف فولوبييف الأوكراني الأصل بالاستقالة وإنما فر إلى أوكرانيا وانضم إلى قوات الدفاع عن الأرض ضد القوات الروسية. لكن إذا ما نظر المراقب إلى قوائم المنشقين بحثا عن أسماء وزراء أو سفراء او مسؤولين إعلاميين كبار أو جنرالات أو رجال أعمال، سيصاب بالإحباط لأنه لن يجد منهم أحدا تقريبا. ويرى بيرشيدسكي أنه إذا لم تكن الفئران الكبيرة تفرّ، فهذا يعني أن السفينة لا تغرق، على الأقل من وجهة نظر الفئران. ويدرك كبار المسؤولين والضباط والمديرين ورؤساء الشركات عوائد الاستمرار في خدمة بوتين والمخاطر المرتبطة بإعلانهم رفضهم لقراراته. Thumbnail ويقول تينكوف على سبيل المثال إنه أجبر على بيع حصته في البنك الروسي الذي كان أساس ثروته بعد أن أعلن معارضته للحرب، وأعلن البنك قرار حذف اسم تينكوف الذي يحمله حاليا. وفي المقابل غادرت الشركات الأجنبية روسيا وتم تأميم أصولها أو منحها للمستثمرين الموالين لبوتين. فوضع روسيا اليوم كدولة مارقة يتيح نوعا من الفرص للانتهازيين وصائدي الصفقات. وعلى مدى نحو عقدين من الزمان قام نظام بوتين بتغذية وتسمين رجاله. ومن غير الواضح ما الذي يمكن أن يكسبه جنرال أو وزير من إدانة “العملية العسكرية الخاصة” وهو الاسم الرسمي الروسي للحرب في أوكرانيا. وحتى الكوادر الصغيرة في نظام الحكم الذين حاولوا خلال الشهور الأخيرة الانفصال عن بوتين يواجهون الرفض من جانب مجتمع المهاجرين الروس في الخارج. فالمنشقون الروس الذين يعيشون في ألمانيا أعربوا عن رفضهم لقرار مجموعة أكسيل سبرنجر الإعلامية الألمانية العملاقة تعيين أوفسيانيكوفا لتغطية ملفي روسيا وأوكرانيا. ويقول هؤلاء المنشقون لماذا تتم مكافأة واحدة من أفراد فريق الدعاية الروسي الرسمي، في حين يوجد الكثير من الصحافيين الروس الشرفاء الذين لم يعملوا أبدا في آلة دعاية بوتين ويكافحون للعثور على وظيفة جيدة في أوروبا؟ المستشار الألماني يؤكد مواصلة تقديم الدعم لأوكرانيا ويقول بيرشيدسكي إن الأمر لا يحتاج إلى ذكاء كبير لكي يدرك المرء أنه حتى إذا ما وجد المنشقون ترحيبا وحصلوا على مكافأة فإن أحدا لن يحمل لهم مشاعر دافئة، وإن أيّ تشجيع لهم هو مجرد محاولة لجعل الانشقاق جذابا بهدف إضعاف نظام الحكم في الدولة الأم. وبمجرد أن يتحقق هذا الغرض سيجد هؤلاء المنشقون صعوبة في ضمان حياة كريمة لهم في دول المنفى. كما أن نظام بوتين يتعامل بقسوة هائلة مع المنشقين فيتم حذف أسمائهم من السجلات الرسمية ومصادرة ممتلكاتهم بل وملاحقة أصدقائهم وأقاربهم. ولذلك فحتى هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم وصف الليبراليين في النخبة الروسية والذين لا يؤيدون الكثير من الممارسات الاستعمارية للرئيس بوتين، فضلوا خيار “ننتظر لنرى” ولم يعلنوا رفضهم للحرب في أوكرانيا، خاصة وأنه لا يوجد ما يشير إلى أن الحرب الحالية أيا كانت نتيجتها يمكن أن تطيح ببوتين من السلطة. كما أن غياب الأصوات المعارضة للحرب والسياسيات العدوانية التي يمارسها الرئيس الروسي ضد جيرانه داخل المؤسسة الحاكمة ليس أمرا إيجابيا يدعو إلى السعادة بالنسبة إلى بوتين. فضعف العاطفة المخلصة الذي خلقه الرئيس الروسي في النخبة، والحسابات الباردة في مواجهة ظروف استثنائية مخزية يشير إلى تدهور القيمة الإنسانية والفكرية للنخبة الروسية. إذن فروسيا بقيادة هذه النخب وتحت حكم بوتين أو بعد رحيله مصيرها الحتمي هو التباطؤ والخسارة. ولا تزال القوات الروسية تواجه صعوبات كثيرة في التقدم على الأراضي الأوكرانية وتلقى مقاومة شرسة، فيما قال المستشار الألماني أولاف شولتس، الخميس، إن “بلاده لن تقبل خطة سلام في أوكرانيا تمليها روسيا”. وشدد المستشار الألماني على “عزم بلاده مواصلة تقديم الدعم لأوكرانيا، بما في ذلك الأسلحة الثقيلة، بهدف ممارسة المزيد من الضغط على روسيا لوقف الحرب”. وأضاف “للمرة الأولى على الإطلاق، تزود ألمانيا منطقة حرب بالأسلحة”. كما ستواصل برلين اتخاذ الإجراءات السياسية والاقتصادية والعسكرية بهدف تحقيق وقف إطلاق النار في أوكرانيا والحل الدبلوماسي للحرب، بحسب المصدر نفسه. وتواصل روسيا، منذ الرابع والعشرين من فبراير الماضي، شن عملية عسكرية داخل جارتها أوكرانيا، ما خلّف أزمة إنسانية وأضر بشدة بقطاعي الغذاء والطاقة على مستوى العالم. وتقول موسكو إن خطط أوكرانيا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) تمثل تهديدا للأمن القومي الروسي، وتدعوها إلى الحياد، وهو ما تعتبره كييف تدخلا في سيادتها.

مشاركة :