بقلم: سعادة شاهين عبداللاييف - سفير جمهورية أذربيجان في البحرين تحتفل أذربيجان في الثامن والعشرين من شهر مايو بذكرى مرور 104 عام على استقلالها وهي أول جمهورية عرفها العالم الإسلامي. وتم إعلان جمهورية أذربيجان الديمقراطية في 28 مايو 1918م. عقب انهيار الإمبراطورية الروسية. وقامت جمهورية أذربيجان الديمقراطية على مبادئ سلطة الشعب والمساواة بين الناس، والقضاء على التمييز العنصري والعرقي والديني والطبقي ومنحت كافة مواطني الدولة حقوقًا متساوية. تمكنت جمهورية أذربيجان رغم التحديات الجيوسياسية الكبيرة التي واجهتها، من إجراء العديد من الإصلاحات التقدمية ومنها، منح المرأة حقها في التصويت بالانتخابات والتي سبقت بها كثير من الدول الأوروبية وإنشاء البرلمان في عام 1918م. فضلًا عن إعلان اللغة الأذربيجانية لغة رسمية للدولة وتنمية الثقافة والتعليم، وبناء الجيش الوطني. كما تم تمثيل جميع الكيانات السياسية والقوميات والأعراق الرئيسية في أذربيجان بالمجلس الوطني ذي المائة وعشرين مقعد شاهد عيان على التزام أذربيجان بالمبادئ والمواثيق الدولية الخاصة بالتعددية الحزبية والنظام البرلماني متعدد القوميات. وبعد تكثيف المحادثات الدبلوماسية مع قادة دول الحلف، وفي 11 يناير عام 1920 اعترف مؤتمر باريس للسلام بالاستقلال الواقعي لجمهورية أذربيجان. والجدير بالذكر أن تأسيس هذه الجمهورية في بداية القرن العشرين لم يكن أمراً سهلاً ، حيث كان العالم يعاني الحروب والاضطرابات والصراعات، فضلًا عما كانت تعانيه أوروبا الشرقية ومنطقة القوقاز من الانقلابات الشيوعية والحروب الأهلية، الأمر الذي سهل على الجيش الأحمر السوفيتي احتلال أذربيجان في 28 ابريل 1920 أي بعد 23 شهراً من اعلان استقلالها. واستعادت أذربيجان استقلالها في أكتوبر عام 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وواجهت العديد من المشاكل نتيجة الاضطرابات السياسية والاقتصادية والتي كان أبرزها عدوان أرمينيا على أذربيجان الذي أسفر عن احتلال 20% من الأراضي الأذربيجانية، وتشريد أكثر من مليون مواطن من مدنهم وأراضيهم الأصلية. وناشد الشعب الأذربيجاني خلال هذه المرحلة التاريخية الحرجة من تاريخ أذربيجان، الزعيم القومي حيدر علييف لتولي زمام الأمور وإخراج البلاد من الأزمة الطاحنة، وتمكن حيدر علييف خلال فترة قصيرة من نقل أذربيجان من حالة التخبط والصعوبات العديدة التي سادت فترة التسعينات إلى آفاق الازدهار والتقدم الوطني، وقد بدأ عهد جديد في حياة جمهورية أذربيجان المستقلة، حيث تخلت البلاد عن الاقتصاد المخطط للحقبة السوفيتية، وتحولت إلى اقتصاد السوق الحر، كما تم اتخاذ التدابير اللازمة لإقامة نظام سياسي ديمقراطي في البلاد، وتم إقرار قانون الأحزاب السياسية، وتثبيت الحقوق لكل القوميات للمشاركة في الانتخابات البرلمانية، كما وقعت أذربيجان على العديد من المعاهدات الدولية للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما فيها إقرار حقوق المرأة السياسية. وقد كان النفط السبب الرئيسي الذي جعل من جمهورية أذربيجان محط أنظارعديد من دول العالم، خاصة وأن أذربيجان قد لعبت دوراً بارزاً خلال الحرب العالمية الثانية حيث قدمت باكو معظم نفط الاتحاد السوفيتي على الجبهة الشرقية. وفي سبتمبر عام 1994، تم توقيع «عقد القرن» مع شركات النفط العالمية لتطوير حقول النفط البحرية في القطاع الأذربيجاني من بحر قزوين. وفي عام 2002 م. بدأ إنشاء خط أنابيب باكو-تبليسي-جيهان لنقل النفط من العاصمة الأذربيجانية باكو إلى ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط، مروراً عبر الأراضي الجورجية. والذي يبلغ طوله 1,776 كم وبدأ أول ضخ للنفط فيه في مايو 2005 والذي وصل جيهان في 28 مايو 2006. وبالتوازي مع قطاعي النفط والغاز، تم الاهتمام بتنمية القطاعات غير النفطية بما في ذلك تطوير البنية التحتية لقطاع النقل والمواصلات ذات الأولوية الإستراتيجية، من سكك حديدية، وموانئ بحرية ومطارات، بالإضافة إلى أساطيل الطائرات والسفن، ووسائل النقل البري والبحري، والتي تجرى زيادتها وتحديثها على نحو ملحوظ سعيا لتنشيط مسارات النقل بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب. وقد قامت أذربيجان بتحقيق المشاريع الاقتصادية المهمة. واليوم يشعر الشعب الأذربيجاني بهذه التنمية وبنتائج الإصلاحات الاقتصادية. وتحولت أذربيجان إلى شريك دولي جدير بالثقة، حيث بادرت بتنفيذ العديد من مشاريع البنية التحتية والنقل والطاقة في جنوب القوقاز خلال السنوات الماضية، وأصبحت إحدى الوجهات الاستثمارية الرئيسية في المنطقة، وذلك بفضل عوامل عدة ومنها: وفرة الموارد والموقع الملائم، والتكلفة التنافسية للإنتاج، ولا ننسى القوانين الودية وكرم الضيافة الذي يشتهر به الشعب الأذربيجاني. وتواصل أذربيجان اليوم، تحت قيادة فخامة الرئيس إلهام علييف، سعيها نحو الأمام بوتيرة متسارعة. حيث أصبحت عضوًا في العديد من المنظمات الدولية والإقليمية، كالأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس أوروبا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا وغيرها. وفي الفترة ما بين 2012 و 2013، كانت أذربيجان عضوًا غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. كما تترأس أذربيجان حركة عدم الانحياز التي تتكون من 120 دولة منذ أكتوبر 2019. وقد فتحت هذه القيادة أمام أذربيجان باباً جديداً في علاقاتها الدولية. ولم تسفر أنشطة مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا والمعني بتسوية نزاع ناغورني قراباغ عن نتائج تفضي لانسحاب القوات الأرمينية من الأراضي الأذربيجانية. وجاء تحرك أذربيجان لاستعادة أراضيها بعد سنوات من فشل عملية التفاوض، والاعتداءات المتكررة التي شنتها القوات الأرمينية ضد الأراضي الأذربيجانية، في ظل تصاعد وتيرة التصريحات الاستفزازية من قبل أرمينيا. ورغم تأكيد الرئيس علييف عبر جميع المنابر ضرورة إيجاد حل سلمي للقضية، إلا أنه لفت في أكثر من مناسبة إلى حق أذربيجان في استعادة أراضيها المحتلة بالحرب إذا لم تحقق المفاوضات نتائج ملموسة. وفي 27 سبتمبر 2020م.، شنت أذربيجان هجوما عسكريًا مضادا، وصفه الرئيس إلهام علييف بـ»القبضة الحديدية»، ردًا على اعتداء نفذته القوات المسلحة الأرمينية على مدن وقرى أذربيجانية قريبة من خط وقف إطلاق النار. وبالفعل، تمكنت القوات المسلحة الأذربيجانية وانطلاقًا من حقها المنبثق عن القانون الدولي، من تحرير الأراضي المحتلة بعد فشل جميع المفاوضات السياسية في ذلك، وضمان انسحاب أرمينيا منها بعد احتلال استمر 30 عامًا تقريبًا. ولقد أظهر الرئيس إلهام علييف قوة بلاده أمام العالم بأسره. لقد كانت قراباغ ضحية تدمير شامل على أيدي المعتدين. حيث تعرضت البنية التحتية الأساسية الاجتماعية والمباني السكنية والمدارس والمستشفيات للدمار، وأصبحت معظم الأراضي المحتلة خالية، الأمر الذي جعل عملية ترميم قراباغ وإعادة بنائها عمليةً معقدةً وتحتاج إلى وقتٍ طويل، إلا أن أذربيجان شرعت نحو تحقيقها على الفور. وتم إعداد خطة التنمية الاجتماعية والاقتصادية للأراضي المحررة مع الحرص على تنفيذها بإنشاء «مقر التنسيق» و 17 مجموعة عمل في مناطق مختلفة. وفي عام 2021، تم تخصيص 2.2 مليار دولار من ميزانية الدولة لعملية إعادة الإعمار وتم افتتاح طريق النصر الذي يربط بين مقاطعة فضولي ومدينة شوشا لؤلؤة الثقافة الأذربيجانية، كما تم افتتاح المطار الدولي بمدينة فضولي والذي أخذ بناؤه ثمانية أشهر فقط. وقبل أيام تسبق اليوم الوطني افتتح فخامة الرئيس إلهام علييف أول قرية ذكية في مقاطعة زنجيلان. وسوف تستمر عملية اعادة البناء والإعمار، وسيكون من شأن هذه الإجراءات تمكين أذربيجان من دمج اقتصاد قراباغ بالاقتصاد الأذربيجاني بشكل كامل يتيح استخدام إمكاناتها الاقتصادية في السنوات القادمة. تتطلع أذربيجان إلى جعل منطقة جنوب القوقاز لتكون منطقة الأمن والسلم والتعاون، حيث عرضت على أرمينيا الإعتراف المتبادل بوحدة الأراضي وسيادة الدول وترسيم الحدود فتح ممرات النقل للوصول إلى اتفاق السلام بوساطة الاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية، وذلك انطلاقاً من ايمانها بمبادئ حسن الجوار والتعايش السلمي.
مشاركة :