نعتمد على المعلومات التي تتوفر لنا وعلى قدرتنا في إدراك المحيط الذي نحن فيه عند اتخاذ قرار مهما كان بسيطاً، قد تكون معلوماتنا من اللحظة الراهنة أو من تجربتنا في مواقف مماثلة سابقة، كان الاعتقاد أن قراراتنا تتخذ بناء على المعرفة، وأن لدينا القدرة على توظيف المعرفة عقلانياً لاتخاذ القرار المناسب. مؤخراً، تكون رأي نال اعترافاً واسعاً وهو أن قراراتنا ليست بالضرورة عقلانية، والمعرفة والإدراك وحدهما غير كافيين لتفسير القرارات التي نتخذها عادة، فمع وجود كل المكونات المعرفية من المعلومات الآنية والسابقة، توجد لدينا انحيازات معرفية غير عقلانية تؤثر في قراراتنا. إذا نظرنا إلى تأثير الانحيازات المعرفية على مستوى الحياة الشخصية وجدنا تفسيراً لكثير من القرارات غير المنطقية، مثل: الميل نحو الخوف من الخسارة مقابل الرغبة في الربح، أو تفضيل العاجل على المؤجل حتى وإن كان المؤجل هو المفضل. في مقابل الانحيازات المعرفية على المستوى الشخصي، نجد للانحيازات آثاراً على المناهج العلمية وتطبيقاتها، ولأن المنهجيات في العلوم الطبيعية قد أدركت دور الانحيازات المعرفية فقد عملت على وضع وسائل للحد من تأثيرها، تدخل ضمن خطوات البحث والاختبار التي يلتزم بها الباحث، ولكن في ميدان الممارسة في المجال التطبيقي، توجد اختلافات في مدى تطبيق الوسائل المناسبة للحد من الوقوع في هذه الانحيازات. في البرمجيات، وهو مثال جدير بالدراسة نظراً لنموه المطرد، ظلت الممارسة تحت تأثير نوعين من الانحيازات وهي: الجهد الأقل وتفضيل العاجل على الآجل. ومع صعود البرمجيات في سلم التأثير اقتصادياً وأمنياً، لم تطبق ممارسات تحد من تأثير الانحيازات بفاعلية، وقد يكون السبب وراء عدم تطبيق ممارسات الحد من الانحيازات قلة الوعي بها وبتأثيرها، فإذا نظرنا إلى تأثير الجهد الأقل على منهجية التطوير البرمجي، وجدنا مؤثرات تدفع نحو الانحياز لا ضده، فإذا واجه فريق العمل متطلبات ضاغطة نحو الإنتاج السريع أعلى من المعدل، يتبنى المهندسون حلولاً مؤقتة لتقليل الجهد ورفع الإنتاجية. وفي الاتجاه نفسه، نجد تفضيل العاجل يخضع لمؤثرات السوق التي تتطلب سرعة الإنتاج لأن الانتظار الطويل لإنتاج عالي الجودة يبدو أقل جاذبية، وهو ما يفسر كثرة الإصدارات البرمجية التي بلغت في حالات كثيرة آلاف الإصدارات يومياً. التنبيه عن الانحيازات أمر له أهميته في منهج اتخاذ القرار للأفراد في حياتهم الشخصية أو العملية، لكن تكبر أهميته إذا كان القرار مؤسسياً ويتعلق بمنهج يمتد تأثيره لأبعد من النطاق الشخصي لنطاق المجتمع، إذا تفحصنا المنهج المتبع لشركات تطوير البرمجيات، سنجده خاضعاً للمؤثرات الشخصية لعدد من متخذي القرار، إنما يأخذ صفة الديمومة إذا تبنته المؤسسة ليمتد أثره إلى البيئة الصناعية بأكملها. وكما ذكرت سابقاً، تخضع البرمجيات إلى التأثير الاجتماعي بدرجة كبيرة مما يأخذ الممارسة بعيداً عن المنهج العلمي الذي نتوقعه عادة من المجالات الهندسية عموماً.
مشاركة :