قرار إزالة الإصدارات الحكومية يهدد باندثار أرشيف الصحافة المصرية

  • 5/30/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

قررت الهيئة الوطنية للصحافة، وهي الجهة المسؤولة عن إدارة المؤسسات الصحافية التابعة للحكومة، الخميس، دمج مجلتي “الكواكب” و”طبيبك الخاص” التابعتين لدار الهلال إلى مجلة “حواء” التابعة للمؤسسة ذاتها، مع إنشاء موقع إلكتروني خاص لكل إصدار بدءاً من الأول من يونيو المقبل. وتعد مجلة “الكواكب” واحدة من أقدم المجلات الفنية في العالم العربي، واحتفلت أخيرا بمرور تسعين عاما على تأسيسها، كذلك “طبيبك الخاص، وهي أول المجلات الطبية العربية، ولها تاريخ طويل في المزج بين الطب وخلفياتها الثقافية وساهمت في اكتشاف العشرات من الأطباء الذين برعوا في مجال الكتابة، وكان متاحا أمامها أن تحافظ على قوتها في ظل انتشار الوسائل الإعلامية المختلفة ذات الاهتمام بالجانب الطبي. وواجهت الهيئة الوطنية للصحافة انتقادات بعد قرارها الذي مهدت له منذ عام ونصف العام عندما اتخذت قراراً بتعيين رئيس تحرير واحد لثلاثة إصدارات، هي: “الكواكب” و”طبيبك الخاص” و”حواء”. واعتبر صحافيون الخطوة الأخيرة أشبه بـ”قرار إزالة” أطاح بمجلتين لديهما ميراث طويل في الذاكرة المهنية، من دون البحث عن مسارات للتطوير والتحديث. وتكمن أزمة الإصدارات وغيرها ممن لديها تاريخ صحافي عريق في أنها لم تشهد تطويراً يساعدها على الانتقال الإلكتروني وظلت سنوات تكتفي بتقديم خدمتها الإعلامية مطبوعة، وإغلاقها وتحويلها إلى مواقع إلكترونية لن يكون محل اهتمام من القراء، ولم يتطرق أحد لمستقبل أرشيفها الذي يجب أن يحظى باهتمام للاستفادة منه، وما إذا كان سيظل ورقيًا أم أنه ستتم إتاحته إلكترونيًا. ويقول صحافيون إن شراء المستقبل وليس التخلص من الماضي ثروة في حد ذاته وهو الحل الوحيد لإنقاذ مهنة كانت تساعد في رفع درجة الوعي، ما يجعل هناك حاجة إلى التعامل بشكل أكثر احترافية وتطوراً مع الأرشيف الصحافي لتلك الإصدارات. محمد رفعت: الحكومة تفشل الإصدارات الصحافية حتى يسهل غلقها وتوالت مطالبات الصحافيين بعد قرار الدمج بضرورة إعادة تدوير أرشيف المجلات عبر موقع إلكتروني والاستفادة من إتاحة أرشيف الصحف والمجلات العالمية تجاريًا لإتاحتها أمام منتجي الوثائقيات والباحثين في التاريخ الاجتماعي، وجلب إعلانات تغطي خسائر تلك الإصدارات بدلا من تركها نهبا للخسارة وفقدان الذاكرة. وقال مقرر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة بشير العدل، إن تراجع الاهتمام الحكومي بالقيم التاريخية والثقافية المهمة قاد إلى إهمال الأرشيف والسماح بالسطو عليه دون الاستغلال الأمثل للوسائل التكنولوجية باعتباره أحد الكنوز التاريخية للثقافة المصرية. وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن حالة التردي التي تشهدها الصحافة المصرية والمجالات الأخرى ذات الارتباط بالثقافة والمعرفة أدت إلى اندثار التاريخ وإهالة التراب عليه، وكأن هناك تعمداً لتطرد العملة الرديئة الجيدة، ما يجعل العديد من التجارب الجادة التي لديها رغبة في استثمار الأرشيف لا تكتمل بالصورة المطلوبة. وأثار إعلان المكتبة الوطنية الإسرائيلية بتدشين أرشيف رقمي لصحيفة الأهرام المصرية موجة غضب واسعة في أوساط صحافية وثقافية وإعلامية، ولم تعلن الجهات الحكومية تأكيد صحة المعلومات من عدمها أو توضح بشكل صريح الإجراءات التي اتخذتها لحماية أرشيف صحيفة لديها تاريخ يمتد إلى نحو 150 عامًا. وكان من المتوقع أن تتخذ جهات مسؤولة عن إدارة ملف الإعلام قرارات حاسمة بشأن الحفاظ على الأرشيف الصحافي واستثماره لحماية التراث الفكري والثقافي، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن، ولم يتم التعامل مع التاريخ الثري كجزء من الأصول التابعة لمؤسسات حكومية، فيما يقتصر التفكير على كيفية الاستفادة المادية من الأصول العقارية والاستثمارية لحل عثراتها الاقتصادية. ويتفق خبراء الإعلام في مصر على أن خطط الهيئة الوطنية للصحافة نحو البحث عن استثمار الأصول وبيعها كحل للتعامل مع أزماتها لن يقود إلى حل الأزمة طالما لم يتم التطرق لإيجاد حلول مهنية ومبتكر للاستفادة من الطاقات البشرية الموجودة فيها وتوظيف الإرث الفكري الذي شكل وجدان الكثير من المصريين والعرب أيضًا. بشير العدل: التردي الذي تشهده الصحافة أدى إلى اندثار التاريخ ولا تجد الدوائر التي تتولى مهمة إدارة وسائل الإعلام حلولاً فاعلة لتراجع الكيانات الإعلامية الحكومية، وبدلاً من أن تبحث عن حلول تساعدها على تعويض هذا التراجع تبدو كمن يطمس تاريخه بقرارات تغلب عليها الرغبة في التخلص من الماضي دون قرارات تضمن الحفاظ على إرثه القديم. ومع أن الأمر يمسّ الأمن القومي ويضرب القوة الناعمة للدولة المصرية التي استفادت كثيراً في مراحل تاريخية عديدة من صحافتها، إلا أن الاستفادة الجيدة من الأرشيف لم تحتل حيزا واضحا من الاهتمام، ولا أحد يعبأ بالتفكير في الحفاظ عليه للأجيال القادمة. وأوضح الناقد الفني محمد رفعت أن أرشيف “الكواكب” وغيرها من الصحف المصرية يوجد في المؤسسات الصادرة عنها وفي دار الكتب المصرية، ويمكن الرجوع إليه بسهولة، لكن بعد قرار الدمج من الضروري مواكبة التطورات التكنولوجية لجذب القراء إلى الموقع الإلكتروني في المجلة. وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن المشكلة الأبرز تكمن في أن الحكومة تتحمل مسؤولية تفشيل الإصدارات الصحافية حتى تسهل مهمة غلقها، وذلك عبر اختيار قيادات غير مناسبة لإدارتها، وتكتفي فقط بتعيين أهل الثقة على حساب الكفاءة، وجرى استبعاد أجيال من الصحافيين كانوا بإمكانهم النهوض بالصحافة الورقية والإلكترونية. وأحدث قرار الهيئة الوطنية للصحافة بدمج ثلاث مجلات ضجة ثقافية أيضا، لأنه طال أحد أبرز الروافد الثقافية المصرية في القرن الماضي، فقد كانت مجلة “الكواكب” أشهر المجلات الأسبوعية، وكانت تحتوي على ملخصات لأفلام الأسبوع، وأحاديث مع النجوم السينما، ومقالات لكبار النقاد، إضافة إلى أخبار الأفلام التي يجري تصويرها ومتابعة كواليسها وإجراء لقاءات مع نجومها والمشاركين فيها. وأصدر مجلة “الكواكب” الصحافي اللبناني جورج زيدان، وهو مؤسس دار الهلال الصحافية، وكان ابناه إميل وشكري يقومان بالإشراف على إصدارات الدار، وترأس تحريرها كبار الصحافيين، مثل فهيم نجيب ومجدي فهمي ورجاء النقاش وراجي عنايت وحسن إمام عمر وكمال النجمي وحُسن شاه ومحمود سعد. وتبنت المجلة المواهب الشابة وكان لها دور كبير في تسليط الأضواء عليهم وفتح أبواب الشهرة لهم، ومن القضايا التي أثارتها على مدار تاريخها صراع الفنان الراحل زكي طليمات لإنشاء معهد التمثيل والتحاق الفتيات للدراسة به.

مشاركة :