شارك حوالي 50 ألف إسرائيلي اليوم (الأحد) في "مسيرة الأعلام" لإحياء ذكرى يوم "توحيد القدس" بمدينة القدس، وسط إجراءات أمنية مشددة ورفض فلسطيني. وانطلقت المسيرة في تمام الساعة الرابعة مساء بتوقيت إسرائيل من شارع الملك جورج بمدينة القدس، وسارت عبر باب العامود إلى الحائط الغربي، فيما سارت النساء عبر باب الخليل وجبل صهيون إلى الحائط الغربي. وحمل المشاركون في المسيرة الأعلام الإسرائيلية ورددوا هتافات ضد العرب. وتنتهي المسيرة برقصة في ساحة الحائط الغربي، وتضم المسيرة حاخامات ووزراء وأعضاء كنيست وشخصيات عامة أخرى، من بينهم عضو الكنيست عن حزب الصهيونية الدينية إيتمار بن غفير. ومع بدء مسيرة الأعلام، حلقت طائرة مسيرة مع علم فلسطين في أجواء منطقة باب العامود ذات الأغلبية العربية، لكن سرعان ما قامت الشرطة باعتراضها، بحسب ما أظهرت مقاطع فيديو على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك". وسبقت المسيرة صدامات عنيفة اندلعت بين الفلسطينيين وقوات الشرطة الإسرائيلية في داخل المسجد الأقصى (أو ما يعرف لدى اليهود باسم جبل الهيكل) وفي مواقع أخرى من البلدة القديمة من مدينة القدس. وشهدت مدينة القدس انتشارا كثيفا للشرطة الإسرائيلية لتأمين المسيرة، حيث قالت الشرطة الإسرائيلية في بيان إن 3000 من عناصرها انتشروا في الأماكن التي ستمر فيها المسيرة. وفي وقت سابق من اليوم، زار 2600 إسرائيلي الحرم القدسي خلال الاحتفالات بيوم "توحيد القدس"، وسط حماية الشرطة الإسرائيلية. ووفقا لصحيفة (معاريف) الإسرائيلية، فأن هذا العدد هو أكبر عدد يزور المسجد الأقصى منذ عام 1967. وتنظم إسرائيل مسيرة الأعلام كل عام احتفالا بيوم "توحيد القدس" بعد سيطرتها على شرق مدينة القدس بعد حرب 1967 وأعلنت ضمها بعد ذلك في خطوة لاقت رفضا من المجتمع الدولي. كما زار عضو الكنيست بن غفير المسجد الأقصى، وقال بن غفير للصحفيين فور دخوله للحرم القدسي "على مر السنين يقولون أن هذا يزعجهم (يقصد الفلسطينيين)، فماذا بعد ذلك هل سنعود إلى أوروبا". وكتب بن غفير عبر (تويتر) "صعدنا هذا الصباح في يوم القدس إلى جبل الهيكل، لن نستسلم لتهديدات المنظمات الإرهابية - نحن أصحاب المكان في القدس". ويسمح لليهود بزيارة المسجد الأقصى طوال أيام الأسبوع ما عدا يومي الجمعة والسبت عبر باب المغاربة على فترتين الصباحية وما بعد الظهر. وقالت الشرطة الإسرائيلية في بيان إنها اعتقلت عددا من الإسرائيليين الذين زاروا المسجد الأقصى اليوم بعد "انتهاكهم" قواعد زيارة الحرم القدسي. وأظهرت مقاطع فيديو مصورة انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي قيام عدد من الإسرائيليين برفع العلم الإسرائيلي وأداء صلوات دينية داخل المسجد الأقصى. ويخالف الحادث تصريحات المستوى السياسي الإسرائيلي، حيث صرح رئيس الوزراء نفتالي بينيت عدة مرات مؤخرا بأنه "لن يحدث أي تغيير على الوضع القائم في الحرم القدسي". وفي سياق متصل، قال بينيت، في مستهل جلسة اجتماع الحكومة الأسبوعي في مدينة القدس إن رفع العلم الإسرائيلي في مدينة القدس هو أمر بديهي. وأضاف "ألتمس من المشاركين الاحتفال بشكل مسؤول ومحترم". وتصر إسرائيل على أن القدس بشقيها الشرقي والغربي عاصمتها الموحدة، في حين يتطلع الفلسطينيون لإعلان القدس الشرقية عاصمة لدولتهم المستقبلية. في المقابل، تظاهر آلاف الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة رفضا لـ"مسيرة الأعلام" الإسرائيلية في المدينة المقدسة. وخرجت التظاهرات في غزة والضفة الغربية تزامنا مع انطلاق مسيرة الأعلام الإسرائيلية التي مرت من شرق القدس بحماية من قوات الشرطة الإسرائيلية، ما تسبب باندلاع صدامات عنيفة مع الشبان الفلسطينيين. وجاءت التظاهرات بدعوة من القوى الوطنية والإسلامية للفصائل الفلسطينية، ومن أبرزها حركتي التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) التي يتزعمها الرئيس محمود عباس، و(حماس). وشهدت مدن رام الله والبيرة ونابلس والخليل وبيت لحم وطوباس وقلقيلية وطولكرم بالضفة الغربية تظاهرات في مراكز المدن، بمشاركة ممثلين عن الفصائل ومؤسسات فلسطينية أخرى حيث رفع فيها الأعلام الفلسطينية فقط. وقال أمين شومان القيادي في فتح لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن التظاهرات الشعبية تجوب مدن الضفة الغربية رفضا لمسيرة الأعلام الإسرائيلية "الاستفزازية" في القدس التي تحظى بحماية رسمية من قبل الحكومة الإسرائيلية. وأضاف شومان أن التظاهرات الفلسطينية جاءت للتأكيد على أن القدس عاصمة دولة فلسطين وأن الشعب الفلسطيني لن يسمح باستهداف المدينة وفرض الأمر الواقع عليها ومحاولات فرض التقسيم الزماني والمكاني في المسجد الأقصى. ولاحقا توجه الشبان الفلسطينيون إلى مناطق التماس مع قوات الجيش الإسرائيلي، واشتبكوا معها بإلقاء الحجارة وأشعلوا إطارات السيارات في قرى نابلس وبيت لحم والخليل وبيت لحم، فيما ردت القوات بإطلاق الرصاص الحي والمعدني المغلف بالمطاط وقنابل الغاز باتجاههم. وأعلنت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في بيان تلقت (شينخوا) نسخة منه أن طواقمها تعاملت مع 163 إصابة خلال المواجهات، بينهم 20 إصابة بالرصاص الحي والبقية بالمطاط والاختناق بالغاز المسيل للدموع. بموازة ذلك، رفع طلبة المدارس الحكومية في الضفة الغربية العلم الفلسطيني، وخصصت الإذاعة الصباحية والمسائية للحديث عن مكانة العلم ورمزيته، باعتباره رمزا للسيادة الفلسطينية والاستقلال والتحرر. كما نشر عشرات النشطاء الفلسطينيين على حساباتهم في "فيس بوك" صور العلم الفلسطيني، وكتبوا وسم "إرفع علم" و"علم فلسطين"، فيما فتحت القنوات والإذاعات المحلية الفلسطينية موجات مفتوحة للأحداث في مدينة القدس. وفي غزة نظمت تظاهرات وفعاليات في عدة مناطق من القطاع، الذي يقطنه زهاء مليوني نسمة، بدعوة من فصائل فلسطينية ومؤسسات أهلية، رفع خلالها المتظاهرون العلم الفلسطيني. وقال محمد أبو عسكر القيادي في حماس على هامش تظاهرة جرت في مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين شمال غزة ل(شينخوا) إن السيادة في المسجد الأقصى ستبقى فلسطينية خالصة، وهو حق للمسلمين وحدهم، معتبرا أن أي محاولات لإثبات سيادة إسرائيلية عليه مجرد "أوهام وحسابات خاسرة". وأشاد أبو عسكر ببسالة الفلسطينيين الذين تواجدوا منذ ساعات الصباح في مدينة القدس للدفاع عن المسجد الأقصى والوقوف أمام استفزازات المستوطنين رغم الحواجز العسكرية حول المدينة المقدسة. بدوره، قال أبو يوسف أحد المشاركين بالتظاهرة بينما يحمل العلم الفلسطيني ل(شينخوا) إن سكان قطاع غزة يخرجون رفضا وغضبا لمسيرة الأعلام الإسرائيلية في القدس، داعيا فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة للرد على "الاستفزازات" الإسرائيلية وجماعات المستوطنين ضد الفلسطينيين بالقدس. وتزامنا مع انطلاق مسيرة الأعلام في القدس اليوم، قامت طائرات حربية إسرائيلية بطلعات جوية فوق سماء القطاع على ارتفاع منخفض كرسالة تحذير في حال أطلقت الفصائل الفلسطينية المسلحة صواريخ باتجاه إسرائيل. وأثارت هذه التطورات إدانة ورفضا فلسطينيا وعربيا. وقال الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، لإذاعة (صوت فلسطين) الرسمية إن إسرائيل تلعب "بالنار بلا مسؤولية وبتهور شديد من خلال السماح للمستوطنين بتدنيس المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وتصعيد عمليات القتل". وأكد أبو ردينة أن طريق الأمن والسلام في المنطقة يمر من خلال تلبية حقوق الشعب الفلسطيني، مشددا على أن المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس "خط أحمر لا يمكن أبدا القبول بتدنيسها". بدوره، اعتبر رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية في بيان أن محاولات تغيير معالم مدينة القدس وفرض السيادة الإسرائيلية عليها "لن تصمد أمام حقائق الدين والتاريخ والقداسة". وقال اشتية إن إسرائيل منذ احتلالها منذ يونيو العام 1967 فشلت في فرض سيادتها على المدينة المقدسة العاصمة الأبدية للدولة الفلسطينية المستقلة، معتبرا أن رقصة الأعلام لن تغير من معالم وعروبة ساحات المدينة المقدسة وأزقتها ذات الطابع المعماري العربي والإسلامي والمسيحي. وطالب اشتية المجتمع الدولي وجميع المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية بالتدخل لوقف الانتهاكات للأماكن المقدسة في القدس وتفعيل القرارات الدولية لفرض عقوبات على كل ما تمارسه إسرائيل من انتهاكات. وأعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، اليوم عن إدانته الشديدة لقيام عدد من المتطرفين الإسرائيليين باقتحام الأقصى، محذرا من أن هذا التحرك يمكن أن يترتب عليه إشعال الأوضاع في مدينة القدس ومناطق أخرى. وقال المتحدث باسم الأمين العام للجامعة العربية المستشار جمال رشدي، في بيان إن اقتحام ساحة الأقصى في إطار ما يعرف بـ "مسيرة الأعلام" هو عمل غير مسؤول يستهدف بالدرجة الأولي تحقيق مكاسب داخلية على الساحة الإسرائيلية، ويحقق أهداف اليمين المتطرف الساعية إلى إلغاء كل وجود فلسطيني في القدس الشرقية المحتلة. وأدانت قطر في بيان "بأشد العبارات اقتحام مستوطنين إسرائيليين للمسجد الأقصى وقيامهم بأداء صلوات تلمودية في باحاته". وحذر البيان الصادر عن وزارة الخارجية القطرية "من أن استمرار الانتهاكات الخطيرة والاستفزازية بحق المسجد الأقصى الشريف يكشف بوضوح رغبة الاحتلال في توجيه الصراع إلى حرب دينية". وكانت "مسيرة الأعلام" في مايو الماضي سببا رئيسيا في اندلاع مواجهة عسكرية بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة، وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) استمرت لمدة 11 يوما وأسفرت عن مقتل 260 فلسطينيا و13 شخصا في إسرائيل.
مشاركة :