نجت فرنسا من «كارثة» اكتساح حزب الجبهة الوطنية بزعامة مارين لوبن انتخابات المناطق، إذ لم يفز الحزب في أي منطقة في الدورة الثانية، في حين كان تقدم في 6 من أصل 13 منطقة في الدورة الأولى. واحتفظ اليسار الحاكم بـ 5 مجالس، في مقابل 7 فازت بها المعارضة اليمينية. وأكدت نتائج هذه الدورة التي شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة الإقبال على الاقتراع تجاوز ٥١ في المئة، نجاح اليسار واليمين في دعوة الناخبين لقطع الطريق على اليمين المتطرف الذي أظهر بعد الدورة الانتخابية الأولى قدرته على تحقيق اختراق بارز قبل 16 شهراً من الانتخابات الرئاسية في 2017. ونجح اليسار واليمين أيضاً في تعديل آراء الناخبين حول استخدام صناديق الاقتراع للتعبير عن غضبهم ونقمتهم من الطبقة السياسية التقليدية، لكن لا شك في أنهما تلقيا رسالة «عنيفة ومؤلمة» من الدورة الأولى التي حلت فيها الجبهة الوطنية في المقدمة، ما سمح بفوزها بـ358 مقعداً في مجالس المناطق. وصرح عضو الحزب الجمهوري الوزير السابق كزافييه برتران الذي هزم زعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبن في منطقة نور با دوكاليه بيكاردي: «هذه فرصتنا الأخيرة، ومن الضروري تفرغ جميع السياسيين للعمل على إصلاحات تنهض بالبلاد، وتعيد ثقة الفرنسيين بالمستقبل، وتثنيهم بالتالي عن الارتماء في أحضان قوة غير جمهورية». وأكد برتران الذي تسنى له الفوز بعد انسحاب مرشح اليسار ودعوته ناخبيه للإدلاء بأصواتهم لمصلحة مرشح اليمين أن «نتائج الدورة الأولى كان لها وقع الصفعة، ولا يمكن أن أنساها»، شاكراً اقتراع الناخبين اليساريين لمصلحته «من أجل حماية منطقتنا». وأكد زعيم الحزب الجمهوري اليميني الرئيس السابق نيكولا ساركوزي أن الناخبين وجهوا في الدورة الانتخابية الأولى «إنذاراً لكل الطبقة السياسية»، ودعا إلى نقاش معمق لكل المشاكل الكبيرة التي تعني الفرنسيين، متعهداً أن يكون هذا النقاش «أولوية» لإقناع الفرنسيين بأن «الأجوبة ستكون على مستوى الآمال». إلى ذلك، قال رئيس الوزراء مانوييل فالس إن «جميع المسؤولين مدعوين للبناء معاً، إذ لا يمكن نسيان خطر التطرف الذي برز في الدورة الأولى، ومن الضروري تجميع كل القوى حول الجمهورية، والإصغاء أكثر للفرنسيين لتحقيق مزيد من النتائج في كل الملفات التي تهمهم». وفي قراءاتها الخاصة للنتائج، قالت مارين لوبن إن جبهتها «حققت تقدماً بارزاً ضد نظام يلفظ أنفاسه، وباتت تحظى بتأييد ٣٠ بالمئة من الناخبين مقابل نحو ٩ المئة في انتخابات المناطق عام 2010، ما يعني أنها باتت قوة المعارضة الوحيدة في مواجهة اليسار الحاكم واليمين المعارض». والواقع أن عدم تمكن الجبهة من الفوز بأي مجلس إقليمي لا يقلل من شأن النمو الفعلي لشعبيتها، ولا يخفف من قدرتها على الإيذاء رغم بقائها مهمشة، لذا لا يجب أن تغيب رسالة الغضب عن أذهان المسؤولين والسياسيين باختلاف توجهاتهم. وهي تراهن على خمول القوى الجمهورية واحتمال عودة هذه القوى الى ممارساتها التقليدية غير المتصلة بواقع والمشاكل الأساسية للفرنسيين من بطالة وتدهور اقتصادي وأمني لتنمو بخبثها المعهود في أوساط شعبية بائسة لم يعد لديها ما تخسره. والسؤال اليوم هو ما إذا كانت الطبقة السياسية ستحسن الإفادة من الفرصة الجديدة التي حصلت عليها من الناخبين، وهي الأخيرة قبل انتخابات الرئاسة عام ٢٠١٧؟
مشاركة :