مرت 3 أسابيع منذ ظهور التفشي الحالي لـ«جدري القردة» في أكثر من دولة خارج أفريقيا، وهذا الوضع جعل العلماء في حالة تأهب؛ لأن الفيروس ظهر في مجموعات سكانية منفصلة عبر بلدان متعددة، ولا توجد صلة واضحة بين عديد من المجموعات، مما يزيد من احتمال انتقال الفيروس المحلي غير المكتشف. وهذا ما يجعل سؤال: «كيف بدأ التفشي الحالي؟» في مقدمة 4 أسئلة يسعى الباحثون للحصول على إجابة عنها، كما يوضح تقرير نشرته دورية «نيتشر» في 27 مايو (أيار) الجاري. ومنذ أن بدأ التفشي الأخير، قام الباحثون بترتيب الجينومات الفيروسية التي تم جمعها من أشخاص مصابين بجدري القردة، في بلدان من بينها بلجيكا وفرنسا وألمانيا والبرتغال والولايات المتحدة، وكانت أهم الأفكار التي اكتسبوها حتى الآن هي أن كل تسلسل يشبه إلى حد كبير سلالة جدري القردة الموجودة في غرب أفريقيا، وهي السلالة الأقل فتكاً؛ حيث يقل معدل الوفيات فيها عن 1 في المائة، مقارنة بسلالة أخرى تم اكتشافها في وسط أفريقيا، يصل معدل الوفيات فيها إلى 10 في المائة. ويشير ذلك إلى أن الفاشية الأخيرة خارج أفريقيا قد تكون مرتبطة جميعاً بحالة واحدة، ومما يدعم ذلك، هو تشابه التسلسلات الحالية إلى حد كبير مع تلك الموجودة في عدد قليل من حالات جدري القردة التي نشأت خارج أفريقيا عامي 2018 و2019، والتي ارتبطت بالسفر في غرب أفريقيا. أبسط تفسير هو أن «الشخص الذي أصيب بأول حالة غير أفريقية هذا العام، والذي لم يتم التعرف عليه بعد، أصيب بالعدوى من خلال الاتصال مع حيوان أو إنسان يحمل الفيروس أثناء زيارته لجزء مماثل من أفريقيا»، كما يقول بيرني موس، عالم الفيروسات في المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في ماريلاند بأميركا. ومن الأسئلة الأخرى التي لا تزال تبحث عن إجابة: «هل يمكن للتغيير الجيني في الفيروس أن يفسر تفشي المرض الأخير؟». ويقول إليوت ليفكوويتز، عالم الفيروسات الحاسوبي بجامعة ألاباما الأميركية الذي درس تطور فيروس الجدري: « سيكون صعباً للغاية فهم ما إذا كان هناك أساس جيني لانتشار الفيروس غير المسبوق خارج أفريقيا». ويوضح أحد أسباب ذلك، وهو أن جينومات فيروس الجدري تحتوي على عديد من الألغاز، فجينوم جدري القردة هائل مقارنة بعديد من الفيروسات الأخرى، فهو أكبر بستة أضعاف من جينوم فيروس «كورونا» المستجد، وهذا يعني أنه من الصعب تحليلها بست مرات على الأقل. وتقول راشيل روبر، عالمة الفيروسات بجامعة إيست كارولاينا في غرينفيل بولاية نورث كارولاينا، سبباً آخر، هو أنه «تم تخصيص قليل من الموارد لجهود المراقبة الجينية في أفريقيا؛ حيث كان جدري القردة مصدر قلق للصحة العامة لسنوات عديدة، لذا فإن علماء الفيروسات يطيرون بشكل أعمى إلى حد ما في الوقت الحالي؛ لأن لديهم عدداً قليلاً من التسلسلات التي يمكنهم مقارنة تسلسلات جدري القردة الجديدة بها». ومع صعوبة المشكلتين اللتين أثارهما السؤال الأول والثاني، فإن السؤال الثالث هو: «هل يمكن احتواء الفاشية الحالية؟». ومنذ أن بدأت الفاشية الحالية، قام بعض الدول بشراء لقاحات الجدري التي يُعتقد أنها فعالة للغاية ضد جدري القردة؛ لأن الفيروسات مرتبطة. وعلى عكس لقاحات «كوفيد-19» التي تستغرق ما يصل إلى أسبوعين لتوفير الحماية الكاملة، يُعتقد أن لقاحات الجدري تحمي من عدوى جدري القردة إذا تم إعطاؤها في غضون 4 أيام من التعرض بسبب فترة حضانة الفيروس الطويلة، وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بأميركا. وإذا تم نشر اللقاحات، فمن المحتمل أن يتم تطبيقها باستخدام استراتيجية «التطعيم الدائري»، والتي من شأنها أن تقوم بتلقيح المخالطين القريبين للأشخاص المصابين. تقول أندريا ماكولوم، عالمة الأوبئة التي ترأس فريق مكافحة فيروس الجدري في مركز السيطرة على الأمراض، إن الوكالة لم تنشر بعد استراتيجية التطعيم الدائري. لكن شبكة «سي إن إن» ذكرت أن الولايات المتحدة تخطط لتقديم لقاحات الجدري لبعض العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين يعالجون المصابين، وقد يكون من المفيد أيضاً التفكير في تلقيح المجموعات المعرضة لخطر الإصابة بالعدوى، بالإضافة إلى الاتصال الوثيق بالأشخاص المصابين، وفق خبراء. وحتى إذا أوقف مسؤولو الصحة العامة انتقال جدري القردة لدى البشر خلال الفاشية الحالية، فإن علماء الفيروسات قلقون من وجود مستودعات جديدة للفيروس في الحيوانات تؤدي إلى زيادة احتمالية انتقاله إلى البشر مراراً وتكراراً، بما في ذلك البلدان التي لا تستضيف أي مستودعات حيوانية معروفة للفيروس. يرتبط بالسؤال الثالث، السؤال الرابع والأخير، وهو: «هل ينتشر الفيروس بشكل مختلف الآن مقارنة بالفاشيات السابقة؟». ومن المعروف أن فيروس جدري القردة ينتشر من خلال الاتصال الوثيق مع الآفات وسوائل الجسم والرذاذ التنفسي للأشخاص أو الحيوانات المصابة؛ لكن مسؤولي الصحة كانوا يفحصون النشاط الجنسي في اثنين من المثليين في إسبانيا وبلجيكا، كدوافع لانتقال جدري القردة، وفقاً لـ«أسوشييتد برس»، ما أثار تكهنات بأن الفيروس تطور ليصبح أكثر مهارة في الانتقال الجنسي. تقول آن ريموين، عالمة الأوبئة بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، والتي درست جدري القردة في جمهورية الكونغو الديمقراطية لأكثر من عقد من الزمان، إن الحالات المرتبطة بالنشاط الجنسي لا تعني أن الفيروس معدٍ أكثر أو ينتقل عن طريق الاتصال الجنسي؛ بل تعني أن الفيروس ينتشر بسهولة من خلال الاتصال الوثيق فقط. وعلى عكس «كورونا المستجد» الذي لا يُعتقد أنه يبقى على الأسطح كثيراً، يمكن لفيروسات الجدري البقاء على قيد الحياة لفترة طويلة خارج الجسم، ما يجعل الأسطح مثل ملاءات الأَسرَّة ومقابض الأبواب ناقلاً محتملاً، كما تقول راشيل روبر، وهي عالمة فيروسات في جامعة إيست كارولاينا. ورغم أن مسؤولي الصحة لاحظوا أن عديداً من الحالات كان بين الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال، فإن ريموين تؤكد أن التفسير الأكثر ترجيحاً لانتشار الفيروس بين مجموعات الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال، هو أن الفيروس تم إدخاله بالصدفة إلى المجتمع، واستمر، ثم انتشر هناك.
مشاركة :