مع مرور الشرق الأوسط بتحولات جيوسياسية كبيرة، أضحى دور المؤسسات والمنظمات المتعددة الجنسيات في تحفيز التعاون والتشارك في مسائل الاقتصاد وأمن الطاقة، والتنمية المجتمعية؛ أمرا «مهما»، لتحديد اتجاه التعاون بشأن المخاطر والمخاوف المشتركة. ويعد «الاتحاد الأوروبي»(EU) ، هو أحد المؤسسات التي تقوم بذلك، حيث يعمل بشكل جماعي لتوسيع وحماية المصالح الاقتصادية والسياسية للقارة. ومع تجاوز الدول الأوروبية سابقًا «الاتحاد الأوروبي»، والعمل كل دولة على حدة بشكل ثنائي مع دول الخليج، سعى التكتل الآن لتعزيز علاقاته مع «مجلس التعاون الخليجي»، من خلال إصدار شراكة استراتيجية معه. وفي 18 مايو 2022، اعتمد الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، «جوزيب بوريل»، و«المفوضية الأوروبية»، بيانا مشتركًا، بشأن «شراكة استراتيجية مع الخليج». وتهدف هذه الخطوة إلى «توسيع وتعميق تعاون الاتحاد مع مجلس التعاون الخليجي والدول الأعضاء فيه»، مع التركيز بشكل خاص، على مسائل «الاقتصاد، وتغير المناخ، وأمن الطاقة»، بالإضافة إلى فتح الباب إلى تعاون أمني أكبر بين الكتلتين. و«الشراكة الاستراتيجية»، مصطلح شائع الاستخدام في الدبلوماسية والاقتصاد والأعمال التجارية الحديثة، ويعني «تعزيز العلاقات الوثيقة المتبادلة بين الطرفين دون الإجراءات الصارمة للتحالفات التقليدية». وبالتالي، فهو «بيان قوي لنية العمل بشكل تعاوني»، وليس «خطة عمل متفق عليها بشكل متبادل». وفي هذا الصدد، أشارت «سينزيا بيانكو»، من «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية»، إلى هذه الشراكة، باعتبارها «طرازا ذات شكل قديم قليلاً»؛ من حيث إنها «تسلط الضوء على مجالات التعاون التقليدية»، بدلاً من تقديم خطط جذرية للإصلاح، أو التكامل الوثيق بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون». وبهذا المعنى، أصدرت «المفوضية الأوروبية»، بيانا مصاحبا لإصدار «الشراكة الاستراتيجية»، أوضح أن الاتصال المشترك، «يتناول سلسلة من مجالات السياسة الرئيسية»، ويقدم «مقترحات لتعزيز التعاون بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج في مجال الطاقة والتحول الأخضر، وتغير المناخ، والتجارة والتنويع الاقتصادي، والاستقرار الإقليمي، والأمن العالمي»، فضلاً عن «التحديات الإنسانية والتنموية، وتوثيق العلاقات الإنسانية». وأشارت «بيانكو»، أيضًا إلى وجود مجال للتعاون، بشأن «التنويع الاقتصادي»، و«التواصل بين الأقاليم وداخلها، وتحرير المجتمعات». ومن جانبه، ذكر «باتريك سيمونيه»، سفير الاتحاد الأوروبي، لدى السعودية والبحرين وسلطنة عمان، أن «استراتيجية بروكسل طويلة الأجل الجديدة»، تتصف «بالمحورية في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج»، كما تقترح أوروبا تعزيز العلاقات «من خلال توسيع تواجدها الدبلوماسي في المنطقة من خلال دعم وفودها الحالية في الرياض وأبو ظبي ومدينة الكويت. ويعكس تبني أوروبا لعلاقات أوثق مع الخليج، اعترافًا بالاستقلال الجيوسياسي المتزايد لدول مجلس التعاون الخليجي، فضلاً عن إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات الوثيقة القائمة بالفعل بين المنطقتين. وأوضحت «بيانكو»، أن الشراكة الاستراتيجية، أوجدت تحولًا في التفكير الأوروبي لوصف دول الخليج، بأنهم «لاعبون استباقيون وحازمون» في الشؤون العالمية. وفي إطار هذا الواقع، من المهم تأكيد كيفية قيام الدول الأوروبية في السنوات الأخيرة بزيادة أنشطتها السياسية والاقتصادية، والعلاقات الأمنية بالخليج. وفي منتصف مايو 2022، التزمت «قطر»، باستثمار 4.9 مليار دولار في الاقتصاد الإسباني. وذكرت صحيفة «ذي إندبندنت»، أنه يوجد بإسبانيا «ست محطات لاستقبال الغاز الطبيعي المسال». وأشار «عادل عبد الغفار»، و«سيلفيا كولومبو»، من «معهد بروكينجز»، إلى أن «المشاركة الفرنسية الإماراتية الأعمق» في السنوات الماضية، «تسلط الضوء على اتجاه رئيسي في العلاقات بين أوروبا والخليج، والتي تجاوزت إلى حد كبير الآليات المتعددة الأطراف»، واختارت «تعميق علاقتهم على المستوى الثنائي». لذلك، فإن انخراط الاتحاد الأوروبي، بشكل أوثق، مع الخليج على المستوى المتعدد الأطراف؛ يمكن أن يُنظر إليه على أنه يمثل «امتدادا رسميا» للعلاقات القائمة بين أوروبا، والشرق الأوسط. وفي إدراك لذلك، سلطت «بروكسل»، الضوء على الفوائد المتبادلة للتعاون الوثيق بين الجانبين. وأشارت «المفوضية الأوروبية»، إلى «الشراكة المعززة»، باعتبارها «مفيدة لكل من الاتحاد الأوروبي والشركاء الخليجيين». في حين أكدت أن كلا الجانبين لديه «الكثير ليجنيه من وراء تعزيز الشراكة»؛ لأنهما «يحتاجان إلى بعضهما البعض». وبالنسبة إلى «سيمونيه»، فإن مفتاح وصول الاتحاد الأوروبي إلى الخليج، هو «الاقتصاد»، وكيف «يمكننا دعم استراتيجياتنا بشكل أفضل مع الرؤية السعودية 2030، والاتفاق الأخضر الأوروبي»، لا سيما من خلال إعادة المشاركة في «اتفاق التجارة الحرة». وبالمثل، صرح «بوريل» بأنه «في ظل انعدام الأمن عالميًا»، و«تحديات كبيرة»، لـ«النظام الدولي القائم، جراء الحرب الروسية بأوكرانيا»، فإن الاتحاد الأوروبي والخليج، «سيستفيدان من شراكة أقوى وأكثر استراتيجية تمتد لتشمل عددا من المجالات الرئيسية». وتعكس «الشراكة الاستراتيجية»، رغبةً في التعاون في وقت يسوده حالة من الاضطراب العالمي. وأوضحت «بيانكو»، أن الوثيقة كانت «في طور الإعداد منذ أكثر من عام»، لكن تم تأجيلها مؤقتًا؛ بسبب تحول الأنظار إلى الغزو الروسي لأوكرانيا. وفي حين أن إحجام دول الخليج عن الانضمام إلى الإجراءات الغربية ضد موسكو «خلق عقبات سياسية»، فإن المسؤولين في بروكسل «أكدوا أن إمكانية زيادة التعاون بين الاتحاد الأوروبي والخليج، تستحق المحاولة». ويتعلق الجزء الأبرز من «وثيقة الشراكة» بأمن الطاقة، وتغير المناخ، وخاصة في وقت تبتعد أوروبا عن الاعتماد على النفط والغاز الروسي، وتبحث عن مصادر بديلة طويلة الأجل. وفي تحليلها، أشارت «بيانكو»، إلى أن التركيز على «أمن الطاقة»، و«الاقتصاد الأخضر»، أصبح من القضايا المستقبلية «الأكثر إثارة للاهتمام»، مشيرة إلى أن كلا القضيتين تحملان أوجه تشابه مع مضمون استراتيجية الطاقة الخارجية للاتحاد الأوروبي، والمعنية «بالتخلي عن الاعتماد بشكل دائم على موارد النفط والغاز الروسية بطريقة ما تتوافق مع أهداف حماية المناخ». وبالنسبة إلى دول الخليج، أكد «بن هوبارد» في صحيفة «نيويورك تايمز» أن «الغرب ينظر إلى قطر كمصدر بديل للحصول على الوقود». وفي حين أن معظم دول الخليج فضلت الاحتفاظ بمعدلات إنتاجها الراهنة بالفعل؛ تستثمر «الدوحة»، الآن بشكل كبير لزيادة إنتاجها من ثروات النفط والغاز، «بنحو الثلثين بحلول عام 2027»، موضحا أن الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي، «جوزيب بوريل»، سافر مؤخرًا إلى قطر لمناقشة قضية الطاقة». وبالمثل، أوضح «سيمونيه»، أن الخليج «لديه إمكانات هائلة لتصدير الطاقات المتجددة»، مثنيا على السعودية لقيامها «باستثمارات ضخمة» في هذا المجال، ولأنها «حريصة على أن تكون موردًا عالميًا للهيدروجين». علاوة على ذلك، تم تأكيد مسألة تنوع مصادر الطاقة، وأوجه التعاون بين الدول الأوروبية، والخليجية في هذا الصدد. ووصفت «المفوضية الأوروبية»، دول الخليج، بأنها «تمتلك مزيجًا من موارد الغاز الطبيعي المسال، والطاقة الشمسية، وطاقة الرياح الأفضل عالميًا على الإطلاق». وأشارت إلى «التحول نحو الاقتصاد الأخضر»، على أنه «بالغ الأهمية ومفيد للطرفين»، لاسيما وأن «بروكسل» نفسها، تعد «رائدة في مبادرات تحول الطاقة». وبالتالي، يمكن أن تكون شريكًا للخليج «في تطوير سبل المعرفة والخبرة لمواجهة تحديات هذا التحول». وأشارت «بيانكو»، إلى أن اعتماد المفوضية الأوروبية للوثيقة، يهدف في جوهره إلى «حث الشركاء الخليجيين»، على «دعم استقرار أسواق الطاقة» -في إشارة إلى خفض كلفتها بالنسبة إلى الأوروبيين- وفي المقابل، تقدم أوروبا دعمها الكامل لمبادرات التحول نحو الطاقة الخضراء في الخليج. ومن الجوانب الأخرى ذات الأهمية للاتحاد الأوروبي تجاه الخليج، والتي تظهر ضمن هذه الشراكة، هو التزام «بروكسل»، الواضح بالأمن الإقليمي للشرق الأوسط، وحرصها على تعميق العلاقات الأمنية مع أعضاء مجلس التعاون. وأوضح «بوريل»، أن أوروبا والخليج، «بحاجة إلى العمل معًا بشكل أوثق على استقرار منطقتي الخليج والشرق الأوسط»، ومواجهة «التهديدات الأمنية العالمية وآثارها عليهما». في حين أصر «سيمونيه»، على أن التعاون الأمني بين أوروبا والخليج، بات يعتمد على شراكة استراتيجية متطورة بصورة «أكثر جدية من الناحية السياسية والأمنية». وفي السياق ذاته، أشارت «بيانكو»، إلى أن «رغبة الاتحاد الأوروبي للعب دور أمني أكبر مما هو عليه الآن في المنطقة»، تتجلى بشكل واضح في تعيين ممثل خاص له بشأن أمن الخليج«، واقتراح إجراء «مشاورات رفيعة المستوى حول القضايا الجيوسياسية والأمنية بصفة سنوية»، مضيفًة أن «استراتيجية الاتحاد الأوروبي الخليجية»، تهتم بأبعاد «السياق الاستراتيجي الأوسع» للعلاقة بين الجانبين، مشيرة إلى اعتراف الاتحاد بالخليج، باعتباره «همزة وصل»، بين الشرق والغرب، ومنطقة إذا ما تمتعت بالاستقرار والأمن، «سيكون لذلك عواقب إيجابية مباشرة على أوروبا». وبالإضافة إلى ذلك، أثارت هذه الشراكة، احتمالات زيادة التفاعل الثقافي والاجتماعي بين الجانبين، وتحديدًا في مجالات السفر والتعليم. وشدد «بوريل»، على الحاجة لتعزيز أوجه التواصل بين الطلاب والباحثين والشركات والمواطنين بتلك المجالات». وأضافت «المفوضية الأوروبية»، أن «توثيق التعاون المتبادل، وحرية التنقل للشباب والطلاب في مجال التعليم الأكاديمي وتبادل الخبرات؛ «من شأنه» تحسين التفاهم والثقة المتبادلة». وعلى وجه الخصوص، تم اقتراح خيار السفر بدون تأشيرة بين الخليج وأوروبا. وعلقت «المفوضية»، بأن هذه الخطوة تعتبر من «مصلحة كلا الطرفين». بجانب ذلك، أثيرت قضية حقوق الإنسان في ضوء تلك الشراكة، خاصة مع رغبة «بروكسل»، في زيادة مستوى التعاون مع منطقة الخليج. وذكرت «المفوضية الأوروبية»، أنه «بصفته مدافعًا قويًا عن مبادئ التعددية والتحولات الاجتماعية»، بما في ذلك حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين»، فإن الاتحاد الأوروبي، «سيواصل تعزيز الحوار السياسي، بشأن مثل هذه القضايا مع دول الخليج»، مشيرة إلى أن دول الخليج، تعد «مانحا مهما للمساعدات المالية الثنائية، ويمكنها الاستمرار في لعب دور مهم في تعزيز القانون الدولي الإنساني ومبادئه». وكما يتضح، فإن هناك ترحيبا من دول الخليج والاتحاد الأوروبي بالشراكة الاستراتيجية، واحتمالات زيادة التعاون الوثيق بين الجانبين. وعلى سبيل المثال، أشار الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، «نايف الحجرف»، إلى مدى حرص المنطقة على «الشراكة الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي»، فضلاً عن مساعيها لإقامة اتفاقية تجارة حرة معه». ومن منظور اقتصادي، قال الأمين العام للاتحاد الخليجي للكيماويات، «عبدالوهاب السعدون»، إن منطقة الخليج تحظى باحتياطيات طبيعية هائلة (هيدروكربونية وطاقة متجددة)، فيما يتمتع الجانب الأوروبي بالخبرات البشرية، والوسائل التكنولوجية الحديثة، وهو ما يؤدي إلى وجود علاقة قوية وأكثر مرونة بين كلا الطرفين» على العموم، لا بد من الاعتراف بأن مستوى تعاون الاتحاد الأوروبي مع دول الخليج، في القضايا الاقتصادية والسياسية والأمنية، ليس على نفس مستوى تعاون الاتحاد مع الولايات المتحدة والصين حاليا. ومع ذلك، تُظهر الشراكة الاستراتيجية لـ«بروكسل»، النية الواضحة لإقامة علاقات متبادلة أوثق بين كلا الطرفين، في مجالات التجارة وأمن الطاقة، حيث يسعى الاتحاد الأوروبي لاستخدام جميع أدواته لضمان التنفيذ الفعال والسريع لشراكته الاستراتيجية مع الخليج»، من خلال «حوار مستمر وتطلعي». وفي الوقت الذي كان يعتقد صانعو السياسة الأوروبيون أن الخليج منذ فترة طويلة منطقة «نفوذ أمريكية»، فإن وثيقة الشراكة الاستراتيجية الصادرة في مايو 2022، وفقًا لــ«بيانكو»، «قد تكون خطوة أولى نحو اتخاذ نهج مختلف».
مشاركة :