دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- عندما فارقت أداليا روز، النجمة الشهيرة على قناة "يوتيوب"، الحياة في مطلع هذا العام، بدت امرأة صغيرة جدًا لجهة الحجم، ومريضة كأنها في الثمانين من عمرها. وفي الحقيقة كانت تبلغ من العمر 15 عامًا، وهي تعاني من مرض الشيخوخة المبكرة أو الشيّاخ، وهو خلل جيني نادر جدًا تسببه طفرة جينية واحدة من أصل ثلاث مليارات زوج من خريطة الجينوم البشري. ويكون الأطفال الذين يعانون من مرض الشيخوخة المبكرة ذلك طبيعيين بالكامل عقلًا وروحًا، لكنهم يشيخون بوتيرة سريعة ويفارقون الحياة في سنوات مراهقتهم. وأسرت روز قلوب أكثر من 3 ملايين مشترك بقناتها، و12 مليون متابع لصفحتها على "فايسبوك"، بتفاؤلها، ونظرتها الإيجابية، وحماستها للحياة. وبمساعدة والدتها، شاركت تفاصيل عن مرضها الأليم والمنهك، عبر نشرها فيديوهات مبهجة وجذابة، ضمنتها مساحات كبيرة لحركاتها الراقصة والعديد من الحصص الخاصة بتعليم وضع مساحيق التجميل. وتتوجّه إلى جمهورها بالقول "أبدو مثيرة"! وتداعب خصلات شعرها الأشقر ذات الأطراف الزرقاء اللون المتدلي على كتفيها على طريقة مغنية الراب ليزو، قبل أن تجلس لتشرح لمشاهديها عن أنواع الأدوية التي تتناولها، ولماذا فقدت النظر بإحدى عينيها. وبينما أمضت روز حياتها القصيرة تكسر النظرة النمطية المتصلة بمرض فتّاك، كرّس عالم الجينات دايفيد ليو مهنته لتطوير أساليب لتعديل الشيفرة الجينية للمرض الذي سرق من أداليا حياتها في سن مبكرة. وقال ليو، أستاذ الكيمياء والبيولوجيا الكيميائية ومدير معهد ميركين للتقنيات التحويلية في الرعاية الصحية في جامعة هارفرد الأمريكية أنّ "تحوّرًا وحيدًا في خريطة الحمض النووي الخاص بأداليا وضع حدًا لحياتها في وقت مبكر جدًا، وهذا يعتبر خسارة لنا جميعًا". وأوضح في حديثه لـCNN: "لم أحصل على فرصة لقاء أداليا قبل وفاتها في يناير/كانون الثاني، لكن كل مريض بالشيخوخة المبكرة قابلته كان متحمّسًا، وجذابًا، وواضحًا، وملهمًا". Credit: Adam Gray/Future Publishing/Getty Images وفي مختبره في جامعة هارفرد، ابتكر ليو وفريقه طرقًا جديدة لإصلاح الجينات المتحورة التي لا تؤذي خريطة الجينوم البشري كما كان عليه الواقع مع التقينات الأولية. وأحد الاختراعات الأساسية في مختبره هو تقنية المحرر القاعدي للجينوم البشري، وهي أداة في وسعها تصحيح الأخطاء في القواعد الأربع الأكثر شيوعًا في خريطة الجينوم البشري، وفقًا لما أخبره لجمهور برنامج "Life Itself"، للصحة والعافية يتم تقديمه بالشراكة مع CNN. وأوضح ليو: "هذه الأخطاء في جينومنا البشري مجتمعة تتسبب بمئات من الاضطرابات التي تؤثر على حياة مئات ملايين الأشخاص وعائلاتهم". وقواعد الحمض النووي الأربع هي: الأدينين (A)، وسايتوسين (C)، والغوانين (G)، والثيامين (T)، المنتمية إلى أزواج محددة يتوقع أن تتطابق دومًا مع بعضها أي الـA تتطابق مع الـT، والـG مع الـC. واستخدم ليو وفريقه السنة الفائتة محرر قاعدي لمعالجة الجينات غير المتطابقة المسببة لمرض الشيخوخة لدى الفئران. ويأمل أن تبدأ الاختبارات السريرية للأطفال الذين يعانون من مرض الشيخوخة المبكرة في المستقبل القريب. وأشار ليو الذي يشغل أيضًا منصب نائب رئيس مجلس إدارة الكلية في برود انستيتيوت التابع لـMIT وجامعة هارفرد، وهو مركز طب حيوي وأبحاث جينومية في كامبردج، بولاية ماساتشوستس الأمريكية، إلى أنّ "تقنية التحرير القاعدي تعمل داخل الخلايا الخاصة بالحيوان، وتبحث عن الخلل، وتنتج في حالة الشيخوخة المبكرة عن عدم التطابق بين C وT فتعيد T إلى C". واكتشف فريق ليو أيضًا أن أداء التحرير القاعدي عمل بشكل جيد خصوصًا عند "قطع" السلسلة غير المحررة للحلزون المزدوج الخاص بالحمض النووي، ثم إيلاء عناية قائقة للخلية لنسخ التحرير المرغوب فيها في السلسلة الأخرى. وأضاف ليو: "وهذا كل شيء. لا نعود مجدّدًا إلى المريض. إنه علاج لمرة واحدة يصحّح الطفرة التي أدت إلى الإصابة بهذا المرض بشكل دائم". وبعد مرور ستة أشهر على إعلان نجاح علاج مرض الشيخوخة، أعلن ليو والعلماء في مستشفى سانت جود للأطفال البحثي أنهم استخدموا تقنية المحرر القاعدي لعكس مرض فقر الدم المنجلي لدى الفئران. وخلص ليو إلى أنّ "عصر التحرير العلاجي الجيني البشري ليس بقريب، إنما بدأ". الجيل التالي من التحرير الجيني ويحرر العلماء الجينات من خلال استخدام أنزيمات صمّمت لاستهداف تسلسل في الحمض النووي، من خلال قطع المادة الجينية المختلة وإدخال البديل مكانها على الحمض النووي. لكن، لعقود خلت، أخفقت أدوات معروفة بتعديل الشيفرة الجينية، حتى أنها لم تتمكن من تحديد هدفها، أو قطعت أكثر أو أقل من المادة الجينية. وأدى وصول أنظمة كريسبر أو التكرارات العنقودية المتناظرة القصيرة منتظمة التباعد في التسعينيات، لا سيما نظام كريسبر-كاس-9 عام 2013، إلى تحرير الجينات بطريقة جديدة وأكثر ملاءمة. واستخدم نظام كريسبر دليل الحمض النووي الريبوزي الذي يوجّه أنزيم cas9 نحو تسلسل معين من الحمض النووي ليقوم بالقص في تلك المنطقة. وأوضح ليو أن نظام كريسبر-كاس9 يتطور في البكتيريا لتعطيل جينات الفيروسات المصابة من خلال قطع شريطَي الحمض النووي، ما يوقف عمل الجين. وبعد سنوات من التدقيق، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على استخدام تقنية نظام CRISPR-Cas-9 عام 2021، في التجارب السريرية البشرية لمرض الخلايا المنجلية. وعلى مستوى آخر، تُجرى تجارب سريرية أيضًا لاختبار سلامة تحرير الجينات في مرض اضطراب بالدم يُسمى بيتا تلاسيميا، وسرطان الدم الخلقي، وهو شكل من أشكال عمى الأطفال الموروث، وسرطان الدم وسرطان الغدد الليمفاوية، ومرض السكري من النوع 1، وفيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز، على سبيل المثال. وفي عام 2021، أفاد الباحثون أنهم نجحوا بتعديل حالة نادرة ومؤلمة تسمى الداء النشواني ترانستريتين لدى ستة أشخاص من خلال إخضاعهم لعلاج واحد. ويتسبب هذا المرض القاتل بانقلاب بروتين TTR إلى كتل، تهاجم القلب والأعصاب. وكشفت الدراسة المنشورة في أغسطس/ آب، أنّ مستويات TTR لدى بعض الأشخاص انخفضت بمعدل 87٪ بعد العلاج. Credit: GPSGOR FISCHER/PICTURE ALLIANCE/ GETTY IMAGES تحرير سلاسل أكبر من الحمض النووي وقال لوي إن قَطْع حلزون مزدوج لوضع حد للجين لم يحل مشكلة العديد من الأمراض الوراثية التي تحتاج إلى حل يشبه تقنية "العثور على الخلل واستبداله" (Find and replace) على جهاز الكمبيوتر. واكتشاف محررات القاعدة التي في إمكانها تحويل حرف إلى آخر، لم يحل سوى جزء من هذه المشكلة. ما كان مطلوبًا هو محرر يمكنه إجراء تعديلات أكبر وأكثر تعقيدًا على الحمض النووي، ليس في مستطاع محررات القاعدة القيام بها. وأوضح ليو: "إن المقارنة التي أحب استخدامها هي أن CRISPR-Cas9 الأصلي أشبه بالمقص الذي يقطع الحمض النووي. إن محرري القواعد أشبه بأقلام الرصاص التي تصحح الحروف بدقة عن طريق تغييرها إلى واحد من أربعة أحرف مختلفة"، متابعًا: "أما المحرّرات الأولية فهي أشبه بمعالجة الكلمات الجزيئية التي تقوم ببحث حقيقي واستبدال التسلسلات الأكبر". ولفت ليو إلى أنّ ثلثي 75 ألف خلل جيني معروفًا يتسبب بالأمراض الوراثية ويمكن أن يتم تصحيحه بواسطة محررات القاعدة. وتابع: "لكن إضافة محررنا الأولي، والاثنين معًا يمكنهما أخيرًا تحريرنا من أن نكون مدينين بالفضل للغالبية العظمى من الخلل في حمضنا النووي". وأضاف ليو: "علينا التأكد من أن كل هذه التقنيات المختلفة تخضع لتجارب سريرية وعناية شديدة"، لافتًا إلى أنه "إذا ثبت أنها آمنة وفعالة، فيمكن للمرء أن يتخيل علاجًا يطال ليس أمراض الخلل الجيني النادر التي تتسبب بأمراض وراثية خطيرة، ولكن ربما حتى علاج المتغيرات الجينية التي نعرف أنها تؤدي إلى أمراض رهيبة مثل مرض ألزهايمر أو ارتفاع معدّل الكوليسترول". وفي منشور للدكتور فرانسيس كولينز، مدير المعاهد الوطنية للصحة السابق عام 2019، وصف التحرير الأولي بأنه "ثوري"، قائلاً إن ليو وفريقه "استخدموا نظامهم الجديد لإدخال مقاطع حمض نووي جديدة يصل طولها إلى 44 حرفًا وإزالة مقاطع تضم 80 حرفًا على الأقل". ورغم ذلك، أضاف كولينز أنه "من غير الواضح إذا كان التحرير الأولي يمكنه إدخال أو إزالة الحمض النووي بحجم جينات كاملة الطول، التي قد تحتوي على ما يصل إلى 2.4 مليون حرف". وحذّر ليو من أن التعديل الجيني لن يكون حلاً لكل الأمراض. وعلى سبيل المثال، تُعد العدوى والخلايا السرطانية مجالين غير متطابقين جيدًا مع تحرير الجينات، لأن ذلك يستوجب لمس كل خلية لوقف المرض. وخلص إلى "أننا نحتاح غالبًا مع العديد من الأمراض الوراثية، إلى تعديل 20٪ أو 30٪ من الأنسجة للتخلص من المرض الجيني"، مضيفًأ "هذا ما رأيناه مع مرض الشيخوخة المبكرة، ومرض الخلايا المنجلية في الفئران. القليل من التعديل يمكن أن يقطع شوطًا كبيرًا لإنقاذ هذه الحيوانات من هذا النوع من الأمراض، ونعتقد أن هذا يسري على البشر أيضًا".
مشاركة :