يُخشى أن يؤجج الإضراب العام المرتقب في الـ16 من حزيران/يونيو القادم حالة التوتر التي تمر بها تونس جراء الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتعاقبة. والخشية الأكبر بالنسبة إلى العديد من التونسيين أن يُسقط العالم الخارجي تونس من حساباته خاصة الدوائر المالية العالمية التي تعتمد عليها البلاد لمحاولة إنعاش اقتصادها. وأعلن الاتحاد العام التونسي للشغل الثلاثاء، وهو هيكل نقابي يدافع عن حقوق العمال، الإضراب العام في القطاع الحكومي والمؤسسات العمومية احتجاجا على ارتفاع نسبة التضخم والتخطيط لخصخصة المؤسسات العمومية الكبرى. وبرر اتحاد الشغل التونسي في بيان إعلان الإضراب العام بسعيه الى أن "يستعيد التونسيون قدرتهم الشرائية"، منتقدا ما اعتبره "تعمد الحكومة التونسية ضرب مبدأ التفاوض والتنصل من تطبيق الاتفاقيات المبرمة وعدم استعدادها لإصلاح المؤسسات العمومية في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار وتدهور المقدرة الشرائية للموظفين". وعن التداعيات الاقتصادية والمالية للإضراب المرتقب قال الخبير المحاسب والمهندس في المالية نبيل عبد اللطيف لـ"ميدل إيست أونلاين" إنه "فضلا عن تعطل المرافق العامة وتعطل عجلة الإنتاج يوم الإضراب، فإن الإضراب يُعتبر علامة فشل في المفاوضات بين الحكومة واتحاد الشغل وليس وسيلة ضغط كما يقول البعض". وأضاف عبد اللطيف أن "هذا الفشل سيساعد على مزيد من تأزيم الوضع المحتقن أصلا"، مشددا على أن "التداعيات ستتجاوز حدود البلاد لتشمل وكالات التصنيف الائتماني التي ستأخذ الإضراب بعين الاعتبار الأمر الذي سيزيد من فرص منح الاقتصاد التونسي آفاقا سلبية مما سيؤثر بالتأكيد على مناخ الاستثمار وعلى نظرة المانحين الدوليين لتونس وأبرزهم صندوق النقد الدولي". وقدمت الحكومة التونسية خطة إصلاح إلى صندوق النقد الدولي تنص على تجميد رواتب القطاع العام، وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة مع الالتزام بتخفيض تدريجي لبعض المساعدات الحكومية. لكن صندوق النقد الدولي يطمح إلى أن تحظى هذه الوعود بدعم الشركاء الاجتماعيين بما في ذلك الاتحاد العام التونسي للشغل، لضمان تطبيقها. وأعربت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني الإثنين، عن أسفها لتعثر المفاوضات بين الحكومة التونسية وصندوق النقد الدولي بسبب التوتر بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل، معتبرة أنه "من الصعب تبني إصلاحات سياسية واقتصادية دون دعم الاتحاد العام التونسي للشغل". ووجهت رئيسة الحكومة نجلاء بودن، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، المنشور عدد 20 إلى كل الوزراء وكتاب الدولة والمديرين العامين والرؤساء المديرين العامين للمؤسسات والمنشآت العمومية، حدّدت فيه شروط وضوابط التفاوض مع النقابات. ودعت بودن في المنشور إلى "ضرورة التنسيق بصفة مسبقة مع رئاسة الحكومة وعدم الشروع بالتفاوض مع النقابات سواء في ما يخص مجال الوظيفة العمومية أو المؤسسات والمنشآت العمومية إلا بعد الترخيص في ذلك من قبلها". ويطالب اتحاد الشغل بسحب المنشور المذكور والعودة إلى طاولة المفاوضات حول الحقوق الاجتماعية والمهنية للعمال البالغ عددهم 700 ألف موظف في القطاع العام فقط. وأما عن التداعيات السياسية للإضراب العام قال عبد اللطيف إنه يجب علينا أولا تشخيص المشكل والبحث عن سبب التعثرات المتلاحقة التي تشهدها جولات المفاوضات الاجتماعية بين الحكومة واتحاد الشغل، مشيرا إلى أن "حالة عدم الاستقرار السياسي التي تعيشها تونس منذ أكثر من عشر سنوات خلق نوعا من عدم استمرارية الدولة على اعتبار أن الحكومة اللاحقة لا تفي بتعهدات الحكومة التي سبقتها"، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن 13 حكومة تعاقبت على تونس منذ أول حكومة بعد الثورة برئاسة محمد الغنوشي إلى الحكومة الحالية برئاسة نجلاء بودن. وأعلن الاتحاد الأسبوع الماضي رفضه المشاركة في حوار وطني دعا إليه الرئيس التونسي قيس سعيّد، معتبرا الحوار شكليا يقصي أطرافا سياسية ومنظمات مدنية. وشدد الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي الأسبوع الماضي على أن لا علاقة للإضراب العام بموقف الاتحاد من شكل الحوار الوطني الذي دعا إليه رئيس الجمهورية. وكان الرئيس سعيّد أعلن في وقت سابق عن خارطة طريق يُنظم بمقتضاها استفتاء شعبي عام في الـ25 من يوليو/ تموز القادم، وانتخابات تشريعية مبكرة في الـ17 من ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
مشاركة :