وجد المسؤولون في «شبكة الإعلام العراقية» المملوكة للدولة أنفسهم وسط موجة غضب شديدة من قِبل القضاء والجماعات المرتبطة والحليفة لولاية الفقيه الإيرانية في العراق، على خلفية انتقادات لاذعة وجهها الكاتب والمحلل السياسي سرمد الطائي لرئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان والمرشد الإيراني علي الخامنئي والجنرال المقتول قاسم سليماني في برنامج «المحايد» الذي يقدمه الإعلامي سعدون محسن ضمد على شاشة قناة «العراقية» التابعة للشبكة. وأبلغ صحافيون «الشرق الأوسط» بقيام قوة أمنية خاصة بتطويق القناة، أمس (الخميس)، نتيجة التهديدات التي تعرضت لها من قِبل الجماعات الموالية لإيران التي أطلقت في الوقت ذاته عبر منصة «تويتر» وسم «شبكة العهر السياسي». وكذلك قامت بعض منصات تلك الجماعات بإطلاق تهديدات علنية ضد القناة وكادر البرنامج والكاتب سرمد الطائي. كان سرمد الطائي، قال مساء الأربعاء، جواباً عن سؤال يتعلق بالقضاء وكيفية إصلاح النظام في برنامج «المحايد» الذي يبث بشكل مباشر، إن «السيد فائق زيدان يعلم أنه لا يستطيع اللعب بالنار إلى النهاية وأمامه محاكمة تاريخية وثقافية وفكرية، هو واهم إذا اعتقد أن النخب والشباب الذين يؤمنون بالتحول الفكري سيخافون من مذكرات الاعتقال التي يصدرها ضدهم، أنا واحد منهم وأتحداه أن يتمكن من إخافتنا». وأضاف «لقد واجهنا خامنئي (المرشد) وقاسم سليماني الذي ذبحنا وقتلنا، رقابنا على المشانق ومهابة العراق أكبر منهم وهي الآن أكبر من فائق زيدان الذي يتلاعب في المحكمة الاتحادية ويستخدم القضاء ليمارس انقلاباً سياسياً وأمنياً على نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في الخريف الماضي». والطائي هو كاتب ومحلل سياسي عاش شطراً من حياته في مدينة قم الإيرانية أثناء هروبه وعائلته من بطش النظام السابق في تسعينات القرن الماضي ودرس علوم الفقه هناك، لكنه يتبنى منذ سنوات وجهة نظر مناهضة لإيران، ويتبنى كذلك، وجهة النظر القائلة بـ«خضوع القضاء للضغوطات السياسية» وقيام بعض أعضائه باستغلال صفاتهم الوظيفية لقمع الخصوم واسكات صوتهم. ولم يسبق أن سمع العراقيون وجهة نظر مماثلة وشديدة اللهجة على قناة «العراقية» المتهمة بالانحياز غالباً لوجهة النظر الحكومية والسياسية رغم تمويلها من المال العام. وشهد برنامج «المحايد»، ردود فعل متباينة، أولها ما صدر عن شبكة الإعلام العراقي التي عبّرت عن أسفها لما ورد في البرنامج. وقالت في بيان، إنها «غير مسؤولة عن استغلال الضيوف سقف الحرية الذي تتمتع به، وخطابها الإعلامي، كما أنها تحتفظ بحقها القانوني لمقاضاة كل من يستغل هذه الحرية بالإساءة للرموز الوطنية، والمؤسسات الدستورية، ولا سيما القضاء». وجاء ثاني الردود عبر القضاء الذي أصدر مذكرة قبض على الكاتب سرمد الطائي الذي يقيم في أربيل عاصمة إقليم كردستان، وكان مطارداً في سياق مذكرة إلقاء قبض سابقة أصدرها القضاء بناءً على شكوى من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. رئيس مجلس القضاء فائق زيدان، وجّه، أمس، رسالة عتب شديدة إلى شبكة الإعلام عبّر فيها عن أسفه لاستضافتها من «لديهم رأي سلبي (متطرف) في القضاء عبر برنامج يديره إعلامي لديه رأي شخصي سلبي ومتطرف أيضاً، يتطابق مع من يتعمد استضافتهم بقصد إخراج هذه الإساءات إلى جمهور المشاهدين وكأنها بدرت من ضيوف القناة لا من القناة». وفي موازاة مذكرة القبض وحملة الوعيد والتهديد ضد الكاتب سرمد الطائي ومقدم البرنامج سعدون محسن ضمد، صدرت عن مؤسسات وكتاب وبرلمانيين ردود فعل مدافعة ورافضة تلك التهديدات، وأعلنت مواقفها المؤيدة لحرية التعبير. حيث أعربت «جمعية الدفاع عن حرية الصحافة» في العراق عن استغرابها من وصف رئيس مجلس القضاء فائق زيدان «مقدم البرنامج بالمتطرف السلبي، وإطلاقه أحكاماً مسبقة إزاء سعدون محسن ضمد المعروف بمهنيته وموضوعيته طيلة فترة عمله مقدماً للبرامج منذ أكثر من عقد من الزمن». وذكّرت الجمعية في بيان، بأن «شبكة الإعلام الممولة من أموال الشعب يجب أن تمثل جميع الآراء، وتستضيف كل الأشخاص، مهما كان رأيهم وقناعاتهم؛ لأن الشعب العراقي ذو اتجاهات وقناعات مختلفة، ولا يمكن تحديد الضيوف بلون واحد، بناءً على رغبات سياسية». وأدانت الجمعية الحقوقية قرار شبكة الإعلام العراقي إيقاف برنامج «المحايد»، وطالبت رئيس حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي، بـ«أخذ مسؤولياته، والإيفاء بتعهداته التي أطلقها منذ نحو عامين، لحماية حرية العمل الصحافي على الأقل بين اسوار شبكة الإعلام العراقي». من جانبه، قال النائب والمحامي المستقل سجاد سالم عبر تغريدة في «تويتر»، إن «الأشخاص والمؤسسات ليسوا قيماً وطنية ولا ثوابت وطنية لا يجوز انتقادهم، خاصة المؤسسات المعنية بالإنصاف والعدالة في بلد يجمع الكل أنه يفتقد الإنصاف والعدالة». وأضاف «مع حرية الرأي والتعبير وضد الإجراءات التعسفية بحق سرمد الطائي وسعدون محسن ضمد». ورأى الباحث والأستاذ في جامعة ولاية أريزونا الأميركية سليم سوزه، عبر منشور في «فيسبوك»»، أن «الدستور العراقي كفل حرية التعبير وحرية الإعلام، وهي أهم ثيمة من ثيمات النظام الديمقراطي». وأضاف «ما يحصل في العراق، خصوصاً في السنتين الأخيرتين، أن ثمة مؤسسة صارت تتغوّل كثيراً وترى نفسها أعلى من النقد، ولا ينبغي لأي شخص ذكرها حتى، متضامناً مع الصديقين سرمد الطائي والدكتور سعدون محسن ضمد، لا خامنئي ولا فائق زيدان ولا أي مسؤول أو حزب سياسي أعلى من النقد».
مشاركة :