عندما ضربت جائحة فيروس كورونا المستجد العالم مع نهاية عام 2019 وبدايات 2020 كان قطاع التعليم من القطاعات الأشد تأثرا بإجراءات الإغلاق والقيود المفروضة على الحركة والتجمع لمنع انتشار الفيروس في أغلب دول العالم. وعانى تلاميذ المدارس في البرازيل من أجل الحصول على التعليم خلال العامين الماضيين أكثر من غيرهم، حيث امتدت فترة إغلاق المدارس البرازيلية طويلا حتى بالمعايير الإقليمية، كما أن إمكانيات توفير التعليم عن البعد ليست كافية. وتقول الكاتبة كلارا فيريرا ماركيز في تحقيق نشرته وكالة بلومبرج للأنباء إنها تواصلت مؤخرا مع عدد من طلاب المدارس الثانوية في شمال شرق البرازيل وقدموا لها صورة معتادة عن حالة التعليم في البرازيل، حيث عانوا من أجل التعليم عبر الإنترنت في الأسابيع الأولى للإغلاق، ومن الخوف من التخلف عن التعليم، كما عانوا من الضغط عليهم من أجل العمل للمساهمة في تحسين دخل عائلاتهم. والأمر المهم هو أنه في دولة كانت من الأشد تضررا من الجائحة، قررت الحكومة البرازيلية خفض الإنفاق على التعليم الأساسي في السنة الأولى للجائحة إلى أقل مستوياته منذ عشر سنوات، وفي دراسة أجرها المجلس الوطني للشباب في البرازيل منتصف 2020، ظهر أن 28% من الطلبة البرازيليين بين 15 و29 عاما يفكرون في عدم العودة إلى التعليم عند رفع القيود، وفي نهاية العام كان حوالي 5 ملايين تلميذ تتراوح أعمارهم بين 6 و17 عاما خارج المدارس أو غير قادرين على الحصول على التعليم في البرازيل، وهذا يعني خسارة كبيرة لمستقبل هذه الملايين من البرازيليين لأن عدم الحصول على التعليم يعني تلاشي فرص العمل ذات الدخل الجيد في المستقبل. كما أن البرازيل ستدفع ثمنا باهظا لتقليص الإنفاق على التعليم، في ظل حاجتها الملحة إلى تحسين جودة رأسمالها البشري لزيادة إنتاجية الاقتصاد الضعيفة، ولكن البرازيل تعاني من ارتفاع معدلات التسرب من التعليم وضعف مستوى الخريجين حتى قبل الجائحة، حيث ينهي أغلب الطلبة تعليمهم دون الحصول على الحد الأدنى من المهارات في اللغة والرياضيات، وهو ما يؤدي إلى تزايد الفجوات العرقية والإقليمية بين البرازيليين. ولا تبدي حكومة الرئيس اليميني جاير بولسونارو اهتماما كبيرا بالتعليم في البلاد إلا باعتباره وسيلة لجذب أصوات الناخبين الإنجيليين، في المقابل قدمت بعض المناطق والمدن البرازيلية تجاربها الناجحة في مجال التعليم كما هو الحال في ولاية بيرنامبوكو. ووفقا للنظام اللامركزي في البرازيل فإن الولايات مسؤولة بشكل عام عن النظام التعليمي لديها وبخاصة التعليم قبل الجامعي، وقد أصبحت ولاية بيرنامبوكو التي يقل فيها متوسط الدخل الشهري للفرد بشدة عن المتوسط العام للدولة، واحدة من الولايات الأفضل أداء خلال السنوات الأخيرة. ويعود هذا النجاح بدرجة كبيرة إلى قرار اتخذته حكومة الولاية إلى التوسع في نظام تعليم اليوم الكامل (المتكامل) في المدارس الثانوية، حيث يحصل الطلاب على 3 وجبات غذائية يوميا مع ممارسة الأنشطة وأداء الواجب المنزلي تحت إشراف المدرسين داخل المدرسة، كما تم تطبيق هذه النظام على مؤسسات التدريب المهني. هذا النظام أتاح لتلاميذ المدارس الثانوية في الولاية الحصول على عدد ساعات دراسية أكبر في الرياضيات واللغة البرتغالية والعلوم مقارنة بتلاميذ المدارس ذات الفترتين المنتشرة في البرازيل، وأدى هذا إلى تحسن كبير في نتائج التلاميذ في الامتحانات، بحسب دراسة أجراها ليوناردو روزا الذي يعمل حاليا في معهد إنسبر وزميل جامعة ستانفورد الأميركية. كما أظهرت دراسة منفصلة أن فرصة تلاميذ نظام اليوم الدراسي الكامل في الحصول على تعليم عال تبلغ 63%، وهو ما يزيد بمقدار 17 نقطة مئوية عن فرصة تلاميذ المدارس ذات الفترتين. كما أدى استثمار الولاية في تحويل المؤسسات التعليمية القائمة لمدارس عليا تعمل بنظام اليوم الدراسي الكامل إلى تحسن نتائج الولاية في السنة الأخيرة من العليم قبل الجامعي لتحتل المراكز الثالث على مستوى الدولة من بين 26 ولاية ومقاطعة اتحادية، بعد أن كانت في المركز الأخير عام 2007. كما زادت نسبة التلاميذ الذين أكملوا تعليمهم الثانوي في سن الـ 19 عاما من نحو 33% عام 2008 إلى 56% عام 2014. في الوقت نفسه فإن هذه المدارس أصبحت جزءا مهما من جهود إصلاح الأضرار التي تكبدتها الولاية أثناء الجائحة. وبحسب مارسيلو باروس وزير تعليم الولاية، فإن معدل التسرب من المدارس العليا ارتفع إلى حوالي 20% مقابل 5ر1% قبل الجائحة. واشتد الأمر سوءا نتيجة فشل المساعدات السخية التي قدمتها حكومة الولاية في تحقيق المشاركة في أي شكل من أشكال التعليم، رغم أن المساعدات المعتادة حققت الهدف. فقد استخدمت الولاية مخصصات قليلة لدعم تغذية التلاميذ، والذي كانت المدارس المتكاملة تقدمه بصورة أكثر فاعلية، والسماح للطلاب بالوصول إلى المحتوى التعليمي عبر الإنترنت مجانا من خلال تطبيق خاص. كما كان على حكومة الولاية التعامل مع مشكلة تلاميذ المدارس الخاصة الذين فقد آباؤهم وظائفهم أثناء الجائحة. وأخيرا يمكن القول إن الصورة على المستوى القومي أقل تفاؤلا. فالتعليم ليس أولوية بالنسبة لحكومة بولسونارو مع انحسار الجائحة. كما أنها لا تبذل الجهد الكافي لتشجيع التدريس على مستوى التعلم وليس وفقا للصف الدراسي ولا السن. وكما يشير روزا الباحث في معهد إنسبر، فإن هناك مشكلة مالية بالنسبة للتعليم نظرا إلى الحاجة لاستثمارات طويلة المدى من أجل التوسع في مدارس اليوم الكامل. كما أن تحقيق الدمج المجتمعي وتقليص التفاوت بين الطبقات مشكلة كبيرة، حيث مازالت الفئات الأضعف في المجتمع أقل حظا في الحصول على أغلب الخدمات العامة، وهو ما يعني أنهم سيظلون على الهامش في العملية التعليمية.
مشاركة :